خصخصة المقاومة والإعلام
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
لا بدّ بدءاً من توجيه التحية إلى جميع السواعد المقاومة والمقاتلة في قطاع غزة، بغضّ النظر عن انتماءاتها السياسية والحزبية، فالجميع مستهدف، وواجب الجميع التصدي والردّ، والاحتلال يشنّ عدواناً همجياً بربرياً على شعبنا في قطاع غزة حصيلته أكثر من مئتي شهيد وأكثر من 1500 جريح، أغلبهم من الأطفال والنساء والمدنيين. هذا العدوان يفترض أن يوحّد ألوان طيفنا السياسي كافة على اختلاف مشاربه السياسية ومنابته الفكرية، خاصة في الخطاب والعمل الإعلامي، كذلك في الميدان والسياسة، وفي هذا الإطار لا بدّ من تسجيل تقدير العالي لقائد حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح الذي يغلّب في خطاباته ورسائله ومقابلاته الوطني على الفئوي والحزبي. ورغم الدور البارز الذي تلعبه حركة الجهاد الإسلامي في المجابهة والتصدي للعدوان الصهيوني على القطاع، لم يتحدث عن هذا الدور، وكم صاروخاً أو قذيفة أطلقت الجهاد الإسلامي على مدن الداخل الفلسطيني المحتلة. كما أكد على أن العدوان هو عدوان على الشعب الفلسطيني وليس على فصيل بحد ذاته أو نفسه. وفي المقابل، نرى أن الحرب على قطاع غزة لم توحّدنا في المجال السياسي لناحية أولويّة توحيد جهودنا وطاقاتنا كلّها كشعب فلسطيني وكحكومة «وفاق» وطني لوقف العدوان والحرب الهمجية على قطاع غزة، ولفضح ما يرتكبه الاحتلال من جرائم إبادة وتطهير عرقي وجرائم ضدّ الإنسانية في حق شعبنا الفلسطيني. وكان لافتاً على هذا الصعيد قصور سفاراتنا وممثّلياتنا في الخارج، كذلك الدور الباهت لوزارة الخارجية وأيضاً أداء السلطة لم يكن كما يجب، بل إن بعض التصريحات للعديد من المسؤولين الفلسطينيين حول العدوان على قطاع غزة كانت على يمين تصريحات العديد من قادة الدول الأجنبية كأنهم وسطاء وليسوا جزءاً من الشعب الفلسطيني، ولعلّ موقف مندوب السلطة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة في حاجة الى مساءلة جادة، ومن ثم العمل على إقصائه اذا ثبتت صحة التصريحات المنسوبة إليه، فنحن لسنا في حاجة إلى مثل هؤلاء الأشخاص الذين يخلقون قهراً لدى المواطن الفلسطيني ويشعرونه بأن من يجب أن يكون مندوب فلسطين لا يتحدث باسم فلسطين، أو أشخاص أمثال جمال نزال الناطق باسم حركة فتح في أوروبا والذي فعلت اللجنة المركزية خيراً بوقفه عن العمل وتجميده، كذلك أحد المحسوبين على حركة حماس والمغرّد باسمها ومدير مركز أبحاث أو إعلام في لندن اسمه ابراهيم حمامي ولا يجيد سوى عبارات التخوين والتكفير ويرى أنّ حركته وحركة «الإخوان المسلمين» تملكان الحقيقة المطلقة وما دونهما رجس من عمل الشيطان! فحماس تفعل خيراً إن تخلصت منه. وفي المقابل رأينا أنّ ثمة تسابقاً على الكسب الذاتي على حساب دماء شعبنا الفلسطيني وتضحياته، وأي قرار بالموافقة على الهدنة أو التهدئة يجب أن يكون قراراً جماعياً ولا ينفرد به طرف دون آخر، لذا كان الخطاب الإعلامي غير موحد، بل كان في العديد من الأحيان مفرقاً ومنفراً وليس موحداً وجامعاً على المستويين السياسي والميداني، وما يشعرك بأن لا وجود لحكومة وفاق وطني أو إنهاء للانقسام إلاّ في تصريحات المجاملة والدجل والنفاق، لكن عمليات التحريض والطعن والتشكيك والقدح استمرت على أشدّها، بل ربما كانت أقصى من قبل مرحلة العدوان على قطاع غزة.
في المتابعة والتغطية والموضوعية الإعلامية تلحظ أن فضائية الأقصى التابعة لحركة حماس الأكثر فئوية، وهي تختزل مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده في حركة حماس، فالشعب هو حماس، وحماس هي الشعب الفلسطيني، ولا تجد فيها أي مقابلات أو لقاءات خارج إطار الذين يصفقون ويهللون ويمتدحون حماس. وكذلك هو تلفزيون فلسطين الذي لم تكن تغطيته للعدوان على قطاع غزة في المستوى المطلوب، وفي حين كانت فيه القنوات الفضائية غير الفلسطينية تبث وتتابع أخبار العدوان على غزة، لم يكن الخبر أو أنباء العدوان تصل إلى تلفزيون فلسطين، وفي إطار التغطية والمقابلات واللقاءات نرى في الغالب الوجوه نفسها مكرّرة.
ثمة تغطية ومتابعات إعلامية تتسم بقدر عالٍ من الموضوعية من قبل فضائيتي «فلسطين اليوم» و«الميادين»، فهي مفتوحة لجميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وتنقل الأخبار إلى جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي وتجري المقابلات واللقاءات مع مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وتتيح لها حرية التعبير عن رأيها ووجهة نظرها.
وفي إطار صحافتنا المقروءة نلمس أن جريدة «القدس» أكثر موضوعية في التغطية والنقل للعدوان على قطاع غزة.
إنّ عمليات الخصخصة للمقاومة والإعلام في إطار الحرب والعدوان على قطاع غزة وغيرها من شأنها أن تحلق الضرر بقضيتنا وبمقاومتنا، ولا نقول إنّ ليس من حق الفصائل أن تعبّر عن مواقفها ورؤيتها السياسية، بيد أن المواقف كلّها ينبغي أن تصب في خدمة القضية والهدف العام على نحو يعزز وحدة شعبنا ولا يفرّقه أو يقسمه.
يجب ألاّ تحصل عملية استثمار خاص لتضحيات والآلام شعبنا ومعاناته، فذلك يزيد حالة الإحباط وفقدان الثقة في صفوف شعبنا بدلاً من تعزيزها، فما يتحقق في المقاومة والميدان يجب أن يكون خادماً للسياسة، وأي عملية تفاوضية مع العدو وما يقوم به البعض من تقزيم وتشكيك في خيار المقاومة ونهجها، فمن شأن ذلك تعميق حالة الانقسام، وتقديم خدمة مجانية إلى الاحتلال ليضاعف قمعه وإذلاله لشعبنا الفلسطيني.
في العدوان والحرب الهمجية على شعبنا، علينا تأجيل خلافاتنا والترفّع عن المهاترات والمناكفات، والارتقاء جميعاً الى مستوى المسؤولية والتحدي، فالعدوان هو على شعب بكامله وليس فصيلاً بعينه أو بذاته، وأي خسارة أو هزيمة للمقاومة في غزة هي خسارة وهزيمة للشعب الفلسطيني، ولعلّنا نذكر جيداً بعدما شاركت جيوش العربان مع التحالف الأطلسي في العدوان وغزو العراق، تحت ما يسمى بحلف حفر الباطن، فبعد الحرب ومع انعقاد مؤتمر مدريد، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك بيكر لوزير الخارجية السوري الذي طالبه بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وانسحاب «إسرائيل» من الجولان والأراضي الفلسطينية المحتلة: لقد هزمتم في الحرب والمهزوم لا يفرض شروطه.
يجب أن نعي أن هزيمة المقاومة في غزة ستجعل أميركا و«إسرائيل» يفرضون علينا المزيد من الشروط، فهل نعي ذلك؟