العقدة

يحكى أن الاسكندر المقدوني قرّر غزو العالم، فجاءه الكاهن وقال له: «لن تستطيع احتلال العالم حتى تفكّ العقدة الكبيرة». فسأله الاسكندر: «ما هذه العقدة؟»، فأجابه الكاهن: «إنها عقدة سحرية لن يستطيع رجل أن يحتل العالم من دون أن يحلّها».

فسأله الاسكندر: «هل فعل أحد هذا من قبل؟».

ردّ الكاهن خائفاً من غضب ملكه: «لا… لا… وكلّ من ذهب من دون أن يفكّها تعرّض للقتل أو فشل». فقال الاسكندر: «أرني هذه العقدة».

ذهب الاسكندر والكاهن معاً إلى المعبد، وحالما رأى الاسكندر العقدة أدرك مدى صعوبة حلّها بالأيدي كما حاول من سبقوه، فاقترب منها فيما الكاهن ينتظره أن يبدأ بمحاولة حلّها بيديه، لكنّ الاسكندر استلّ سيفه وقطع العقدة. ونظر إلى الكاهن وقال: «ليس المهمّ كيف أفكّ العقدة، إنّما المهمّ أن أفكّها… وهي الآن ممفكوكة».

قد يكون الاسكندر قد حلّ عقدة احتلال العالم لاجئاً إلى السيف ونجح في ذلك، ولكن ذلك لم ينجح على الإطلاق في احتلال سورية، رغم أن الطواغيت قد استخدموا ما هو أشدّ قوة من السيف وأكثر وحشية، وتفنّنوا في اختراع طرق القتل والتعذيب والإرهاب، وبقيت العقدة مربوطة بإحكام وقوة، وسقطوا هم واحداً تلو الآخر.

كلّ يوم، كنّا نقول إن سورية لا تشبه أحداً، وإنها لا تشبه إلا نفسها، وهي المعادلة المستحيلة التي سيعجز عنها العالم، والتي تتحدّى كل قوانين الحرب التي تعلّموها. ولكنهم لم يفهموا بأدمغتهم التي خلت من التلافيف. وقلنا إن ما نجح في بلدان كثيرة لا يمكن أن ينجح على أرضٍ فيها من عشّاق الشهادة ما لا تحتمله كلّ مخطّطاتهم الجهنمية وثرواتهم المرصودة للدمار والتخريب. ولكن عنجهيتهم وغرورهم أعميا عيونهم عن حقيقة واضحة لا تقبل التشكيك. وأصرّوا على محاولة تحطيم سورية بكل الطرق المتاحة. وما ظنّوه نقاط ضعف فيها، أثبت أنه أكثر نقاطها قوّة. فحين راهنوا على الحرب الطائفية لم يدركوا أنهم يدفعون كل أطياف سورية إلى رصّ الصفوف أكثر. وحين طبّلوا وزمّروا لانشقاق الجيش العربي السوري، أثبتوا أنهم أغبى مخلوقات الأرض قاطبة. فهو ليس جيشاً من المرتزقة مثل الذي يمتلكونه، إنما جيش ذو عقيدة لا يمكن تغييرها بالمال، وإن وجدوا من يبيع نفسه فهم قلّة لا تؤثر، بل كان من الأفضل لنا زوالهم، وهم بأيّ حال كالطفيليات التي تُصيبنا بالوهن إن ظلّت عالقة بشجرتنا المتجذّرة في التاريخ، ولكنّها لا تقتلنا.

هل تدركون أننا أمة لا تموت؟ هل ترون أننا شعب لا ينحني؟ هل تعرفون أننا حطّمنا كل الأرقام القياسية في الصمود؟ نعم، لقد فعلنا. فحين تجتمع أمم العالم كلّها ضدّك، ويزحف كلّ قاتل ومتطرّف من كلّ الكون لقتلك، وحين يصبح نفط الخليج وأمواله مرصودة لإسقاطك، وتتدفق الأسلحة بلا حساب للفتك بك، ويناصبك كلّ جيرانك العداء ويحيطونك بسوار من حقد قاتل، وتصبح أنت وحدك عقدة لكل الطواغيت الفَجَرة ولا يمكنهم حلّها، فاعلم أنك انتصرت وأنك السوري حتى النخاع ستبقى واقفاً وإن سقط العالم.

صباحك أيها السوري المقاوم بالرصاصة أو القلم أو المواقف أو العمل… صباحك أيها الواقف على خطّ النار لتحمي مستقبلنا… صباحك أيها الجندي السوري… ليس كأيّ صباح.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى