مملكة ضاعت منها البوصلة

علي جانبين

كان للمملكة العربية السعودية عند العرب مكانة مرموقة ومتألقة في نظر وأذهان الدول العربية جميعاً، شعوباً وحكاماً، وتألقت في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي طرح معادلة النفط، وهدّد باستخدامه كسلاح في وجه دول العالم الداعمة لـ«إسرائيل» في أوائل السبعينات، فاستطاع بذلك أن يكسب ثقة معظم الدول العربية والشعوب المتضامنة مع القضية الفلسطينية.

ويقال إنه نتيجة لمواقفه قرّروا التخلص منه عن طريق ابن أخيه الذي اغتاله صباح يوم عيد الأضحى في القصر الملكي، واستمرّ مَن خلفه باتباع السياسة ذاتها الى حدّ ما. وبدأت السياسات الغربية بالعمل على جعل المملكة تبتعد عاطفياً عن القضية، وانتقلت من دور الداعم الفعلي للقضية إلى دور الساعي إلى حلها، فجاءت مرحلة المبادرات وصولاً إلى آخرها مبادرة الملك عبدالله في القمة العربية في بيروت، وطبعاً جميع المبادرات أسقطتها «إسرائيل» وحليفتها أميركا وبعض الدول الأوروبية التي تتبعها بصورة شبه دائمة.

بالتوازي نجح الغرب بتوريط المملكة بقيادة العداء لإيران بعد ثورتها التي أسقطت علم «إسرائيل» ورفعت علم فلسطين، فكانت السعودية المحرك الرئيسي للحرب على إيران بدعم العراق حتى حدث الزحف الأميركي المبارك من السعودية على المنطقة من بوابة العراق.

تراكمت التحوّلات والأحداث وأثرت سلباً على مكانة المملكة في الدول العربية حتى جاءت حرب سورية منذ خمس سنوات، وكانت المملكة وراءها بكلّ ثقلها ودعمها للمجموعات الإرهابية التي كانت المسؤولة عن تدمير معظم سورية، وقتل وسقوط الآلاف من القتلى، وتشريد الملايين من السوريين بين الدول العربية والأوروبية، وهي تعلم أنّ إضعاف سورية يشكل قوة وراحة لـ«إسرائيل» وقتلاً ودماراً للفلسطينيين.

ثم فتحت الحرب على اليمن وانفردت بقرار الحرب، وحتى الآن حصلت على تدمير الدول ولم تحصل على تغيير حاكم واحد.

أما في لبنان… هذا البلد الأصغر بين الدول العربية الذي اجتيح من قبل «إسرائيل» عام 1982، وعندها نشأت مقاومة لبنانيه صارت قوتها الرئيسية لاحقاً ممثلة بحزب الله، مقاومة عملت على نفسها تدريباً عسكرياً وفنوناً قتالية بدعم سورية وإيران، واستطاعت بعد 18 عاماً من الاجتياح تحرير لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي»، بعد أن قدّم هذا الحزب المقاوم آلاف الشهداء حتى جاء التحرير عام 2000، وعندما أعادت إسرائيل عدوانها على لبنان عام 2006 كانت المفاجآت التي لم يكن يتوقعها بهزيمته، لكن المفاجأة الأغرب كانت أنّ المملكة كانت تطالب «إسرائيل» بالاستمرار في عدوانها على لبنان لسحق حزب الله.

وأخيراً أعلنت المملكة على الملأ تحالفها مع «إسرائيل»، وخلعت عنها الرداء العربي.

كانت المملكة تطلب فتطاع، وكانت عندما تقول كلمة يعرف الجميع انّ هذه الكلمة هي حصيلة حسابات ودراسة، وأنّ مهابة المملكة لا تسمح بأن تفشل سياساتها وطلباتها، لكنها شيئاً فشيئاً تنتقل من المهابة إلى الخفة والضعف والوهن. فالدولة التي كانت إذا أطلقت مبادرة لقضية بحجم القضية الفلسطينية تجمع العرب حولها، قرّرت أن تعزل حزب الله بتصنيفه إرهابياً فاكتشفت أنها تعزل نفسها، وأنّ الحكومات العربية التي تشبهها بعلاقاتها بالغرب تنسحب هرولة من تحت عباءتها وتعلن براءتها من قرار صدر عن اجتماع وزراء الداخلية العرب بتصنيف حزب الله تنظيماً إرهابياً.

هذه الخاتمة لا يفسّرها إلا ضياع البوصلة التي كانت وتبقى فلسطين…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى