هل فقد المال السعودي بريقه؟
مصطفى حكمت العراقي
تستمرّ مملكة الرمال بتلقي الهزائم يميناً وشمالاً وعلى مختلف الصعد فلم يبق لها ساحة توجد فيها إلا وكانت الهزيمة هي القدر المحتوم، فاليمن يصمد تحت حصار خانق ولم يرضخ لحكام آل سعود، بل العكس تتحقق الانتصارات على تحالف الرياض ومرتزقته في الأراضي اليمنية وحتى في الداخل السعودي، كذلك الحال في سورية، فعودة المناطق الى كنف الدولة السورية أصبح بسرعة لا توصف وأيضاً الحال في لبنان والعراق والبحرين المشتعل داخلياً وحتى الحراك المشتعل في المدن السعودية المنتفضة. كلّ هذه الانكسارات جعلت الرياض تتخبّط بشكل لا يصدّق الى أن تلقت المملكة ضربة جديدة، فبعد أن اقترب العدوان السعودي على اليمن من دخول عامه الثاني وصلت الانتقادات الدولية للسعودية المتهمة بارتكاب جرائم حرب في اليمن الى ذروتها بأن أصدر الاتحاد الأوروبي قراره الداعي إلى فرض حظر أسلحة على الرياض، وبالرغم من أنّ القرار غير ملزم لحكومات دول الاتحاد الأوربي، إلا أنّ قيمته تتمثل بفضح ونزع مشروعية هذه الحرب التي تشنّها السعودية على اليمن، كما أنّ قيمته المعنوية مهمة جداً لجهة بداية مرحلة عزل حكومة آل سعود عالمياً بعد أن كانت مملكة الرمال تشتري كلّ هذه القرارات بالمال، إلا أنّ وصول جرائم هذه المملكة الى درجة لا يمكن لأحد نكرانها أجبر أغلب نواب الاتحاد الاوروبي لإصدار هذا القرار وهو ما سيمهّد بشكل كبير للضغط أكثر على حكومات دول الاتحاد للرضوخ لحكم العقل والإنصاف وعدم الاستمرار بدعم قتلة البشر في اليمن، وفي سورية والعراق والبحرين.
إنّ ما يلاحظ في هذا القرار هو حجم المؤيدين له، إذ صوت عليه النواب الأوروبيون بغالبية ساحقة من 449 صوتاً مقابل معارضة 36 وامتناع 78. بعد أن أثار قبل شهر ونيّف عندما كشف نصه لغطاً كبيراً بعد تنديده بالعمليات الجوية السعودية… كما طلب النواب من وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني تبنّي مبادرة ترمي الى فرض حظر على الأسلحة الاوروبية الى السعودية، ودان النواب الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية والحصار البحري الذي تفرضه على اليمن، وأسفرت عن سقوط آلاف الضحايا وزادت من إضعاف استقرار البلاد…
وفي ردود الفعل الأوروبية أعربت منظمة العمل ضدّ الجوع في فرنسا عن ارتياحها لاتخاذ الاتحاد الأوروبي أخيراً موقفاً من هذه الأزمة التي تمثل في إحدى أخطر الأزمات في العالم حالياً. وقال المدير العام للمنظمة مايك بينروز إنّ هذا القرار إشارة إلى الدول الأعضاء كافة للخروج عن صمتها وعدم المشاركة في الكارثة الإنسانية الحالية في اليمن.
إنّ ما مهّد لصدور مثل هذا القرار هو تقرير لجنة الخبراء في الأمم المتحدة الذي نشر مسبقاً، وأكد مقتل نحو 6000 مدني خلال الحرب معظمهم قتلتهم الرياض، وهذا ما أجبر منظمات ومسؤولين في أوروبا على رفع أصواتهم لمساءلة حكومات بلدانهم حول دعمها الرياض في حربها على اليمن، إذ اتهم مسؤولون بريطانيون حكومة كاميرون بالمشاركة في الحرب السعودية بالاستناد إلى تقارير صحافية أكدت تصاعد مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية بشكل غير مسبوق، حيث وصلت قيمة الصادرات إلى مليار جنيه استرليني بارتفاع نسبته 11 في المئة خلال ثلاثة أشهر فقط في ظلّ الحرب.
النواب الذين صوّتوا على القرار قالوا إنّ بريطانيا أجازت بيع أسلحة للسعودية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار منذ أن بدأ التحالف عملياته في اليمن في آذار الماضي، وكانت الرياض قد حاولت الضغط في الأيام الأخيرة لمنع أعضاء البرلمان الأوروبي من التصويت على القرار الأخير، حيث كان من المقرر أن تعقد جلسة التصويت في الرابع من شباط إلا أنّ الضغوط السعودية أدّت إلى تأجيلها، إذ عقد مسؤولون سعوديون لقاءات عدة مع أعضاء في البرلمان لإقناعهم برفض هذا القرار، حسب ما نشرت أفادت صحيفة «غارديان» البريطانية. كما وجه السفير السعودي في بلجيكا عبد الرحمن الأحمد رسالة إلى البرلمانيين الأوروبيين الأحد الماضي دعاهم فيها إلى عدم التصويت على القرار مدافعاً عن التدخل العسكري في اليمن.
أصدر البرلمان الأوروبي في الفترة الأخيرة عدداً من القرارات التي خالفت هوى أغلب حكومات الدول الأوروبية المسايرة والتابعة لسياسات الولايات المتحدة، خصوصاً إزاء الأزمة السورية، التي تبنى فيها خيار الحلّ السياسي حتى عندما سعت واشنطن الى التدخل عسكرياً في سورية تحت ذريعة السلاح الكيماوي وقتها.
كما اعتبر البرلمان الأوروبي في قرار صوّت عليه في 4 شباط الماضي أنّ تنظيم «داعش» ارتكب الإبادة الجماعية عبر اضطهاد الأقليات الدينية في سورية والعراق. وقال النائب البرلماني المحافظ لارسا دكتوسون الذي قاد المبادرة: «هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها البرلمان الأوروبي بإبادة جماعية قائمة، ودعا البرلمان الأوروبي المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ضدّ القتل الجماعي للأقليات الدينية التي يرتكبها تنظيم «داعش» قائلاً إنها ترقى أيضاً إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.
أيضاً التفاعل مع القضية الفلسطينية وبالأخص انتقاد التوسع بالاستيطان «الإسرائيلي»، وكذلك ملف منتجات المستوطنات، إذ وجهت مجموعة من النواب في البرلمان الأوروبي انتقادات شديدة للتصريحات التي أدلى بها رئيس البرلمان مارتن شولتز خلال زيارته «إسرائيل» والذي أعلن فيها معارضته لسياسيات الاتحاد الأوروبي بشأن تسمية مصدر منتجات المستوطنات التي تدخل أوروبا. وأشار النواب إلى الموقف الذي أعلنه مارتن شولتز أمام الكنيست «الإسرائيلي» حيث تنصل من التزامه الدفاع عن الموقف الأوروبي، والحال أنه يترأس البرلمان وعليه واجب الالتزام بالدفاع عن موقف أوروبي حظي بإجماع المفوضية والبرلمان والمجلس الوزاري لدول الاتحاد الـ28.
في المجمل فإنّ دلالات القرار الأوروبي الأخير حول السعودية متعدّدة وأهمّها أنّ الرياض فقدت سطوتها السابقة في شراء المواقف الدولية، كما أنّ عزلة السعودية التي بدأت في وقت سابق تزداد تدريجياً اليوم. فبعد أن خذلت الرياض من حلفائها في ما يخصّ إفشال الاتفاق النووي مع إيران التي بدأت الوفود الأوروبية بالتزاحم نحو طهران للتذلل في الحصول على فرصة استثمارية أو مشاركة اقتصادية، وأيضاً عدم مساندتها في موقفها المعلن لجهة سعيها الى التدخل عسكرياً في سورية بمساعدة تركيا، وهو ما رفضته واشنطن التي رمتهما في منتصف الطريق واتجهت نحو موسكو ودمشق تحت ذريعة اتفاق التهدئة الذي استثنى كلّ المجاميع المسلحة التي تدعمها الرياض وأنقرة باعتبارها إرهابية ولا يمكنها الاشتراك بالحياة السياسية.
كلّ ذلك ونجد الآن من يقف مع الرياض ويساندها وكأنّ الانفصال عن الواقع والعيش في الأحلام الذي يتميّز به حكام الرياض قد انتقل الى توابعها وخصوصاً في لبنان.