نصر الله لأنظمة عربية: لا نحتاج منكم دعماً ولا تأييداً فقط حلّوا عنّا المقاومة ستحفظ لبنان من الأخطار وتحمي سلمه الأهلي
أنصار مصطفى الحمود
«حيث كنتَ كان النصر» عنوان زُيّنت فيه القاعة الكبرى التي جرى فيها إحياء ذكرى استشهاد القائد الحاج علي أحمد فياض الحاج علاء البوسنة ، في بلدة أنصار الجنوبية التي امتلأتْ شوارعها ومنازلها بصور الشهيد علاء، واستقبلت الجماهير لإحياء الذكرى وسماع كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بحضور رئيس المجلس السياسي للحزب السيد إبراهيم أمين السيد، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وعدد كبير من قيادات الحزب، النائب إميل رحمة، وفد من الحزب السوري القومي الاجتماعي ضمّ عضوي المجلس الأعلى قاسم صالح وعاطف بزي، الحاج باسم لمع على رأس وفد من «حركة أمل»، القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية محمد صادق فضلي، وفود مثّلت الأحزاب الوطنية والفصائل الفلسطينية، علماء دين، رؤساء بلديات ومخاتير وشخصيات وفاعليات وعوائل الشهداء والجرحى، وحشد من الأهالي من مختلف المناطق اللبنانية.
بعد النشيد اللبناني ونشيد حزب الله عزفته الفرقة الموسيقية لكشافة الإمام المهدي، وتقديم من الحاج محمد نسر، ألقى هادي فياض نجل الشهيد القائد علي فياض، كلمة أكّد فيها البقاء على العهد والمضيّ في مسيرة المقاومة.
السيد نصرالله
ثمّ تحدّث السيد نصر الله، الذي ردّ على قرار مجلس التعاون الخليجي الذي صنّف حزب الله إرهابياً، وقال: «من يواجه السعودية في سورية هو المدافع الحقيقي عن المصالح الوطنية اللبنانية». ولفت إلى أنّ «النظام السعودي يحتاج إلى من يحمِّله مسؤولية فشله الذريع في سورية واليمن والبحرين»، معرباً عن افتخاره بإفشال هذه المشاريع العدوانية والحروب في الدنيا والآخرة.
وأشار السيد نصر الله إلى أنّ «ما يحصل اليوم من التآمر على المقاومة ليس جديداً، بل هو تواصل للاستراتيجيات السابقة والقديمة»، متوجّهاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي بالقول: «من الذي استعاد الكرامة العربية وبعضاً من الحقوق والأرض والعزّة العربية سوى المقاومة في لبنان التي تصفونها بالإرهاب؟».
عهد المقاومة
وعاهد السيد نصر الله اللبنانيين بأنّ المقاومة ستحفظ بلدها من الأخطار، وتحمي سلمه الأهلي، مشدّداً على أنّها ستبقى في الميادين التي يجب أن تكون فيها مهما تعاظمت الاتّهامات والافتراءت والتضحيات، وأنّها ستبقى كلمة الحق وصرخة الحق بوجه السلطان الجائر، وشريكة في صناعة النصر في زمن الانتصارات».
شكر المتضامنين
وعبّر السيد نصر الله عن شكره لكل من تضامن مع المقاومة ودافع عنها، واستنكر القرار الخليجي بتوصيف حزب الله إرهابياً، خاصّاً بالشكر الشعب التونسي بكل أطيافه، «لأنّه عبر بمواقفه عن حقيقته وحقيقة الأمة»، ومؤكّداً أنّ «أهميّة ردود الأفعال الشعبية والرسمية المؤيّدة للمقاومة التي حصلت تؤشّر إلى مكانة المقاومة لدى الشعوب العربية، وتُظهر أنّ المقاومة وفلسطين والصراع العربي «الإسرائيلي» ما زالوا حاضرين بقوة في وجدانهم»، ومشيراً إلى أنّ «قيمتها لا تُقاس بملايين التظاهرات، وأنّها، أي المقاومة، صرخة بوجه سلطان متسلّط ومُهيمن بالمال والتكفير الديني والسياسي».
ولفتَ السيد نصر الله إلى أنّ «ردود الأفعال التي حصلت هي رسالة قوية لـ»إسرائيل» بأنّها لا يمكن أن يأتي يوم يصبح فيه وجودها طبيعياً في هذا العالم العربي والإسلامي، أو أن يقبل أحد وجودها وبقاءها، وأن تصبح حليفة لهم»، متوجّهاً لهم بالقول: «أنتم أعداء وستبقون، وأنتم إرهابيون وستبقون إرهابيون»، خالصاً إلى التأكيد بأنّه «لن يستطيع أي نظام عربي أن يطبّع مع إسرائيل لا آل سعود ولا غيرهم، ومن يُريد أن يرفعهم سيسقط معهم».
وتحدّث وأكّد السيد نصر الله «تفهّمه بواقعية للغضب السعودي، والذي عبّرتْ عنه في استصدار قرار بوصف حزب الله بالإرهاب، مؤكّداً أنّ «أقلّ شيء يمكن أن يفعله من يفشل هو أن يغضب»، مستعرضاً في هذا المضمار سياق الفشل السعودي في أكثر من جبهة، ولا سيّما في سورية واليمن والبحرين، ولافتاً إلى «أنّ النظام السعودي بنى حساباته منذ البداية على سقوط سورية في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر، لكن مرّ حتى اليوم خمس سنوات وخابت آمالهم وسورية في مكان آخر، عكس ما كانوا يتوقّعونه، وهناك فشل كبير وسقوط رهانات».
وفي اليمن، أشار السيد نصر الله إلى أنّ «هناك فشلاً سعودياً ذريعاً جداً في اليمن»، مؤكّداً أنّ «الأثمان التي تدفعها السعودية جرّاء حربها على اليمن كبيرة وباهظة جداً»، وأشار إلى ما أقدم عليه تنظيم «داعش» منذ أيام في عدن «من قتل راهبات مسيحيّات وممرّضات ومسنّين مسلمين في ظل القوات السعودية التي تقصف وتدمّر في اليمن». وأكّد أنّه «لا يمكن إلّا أن ينتصر الشعب اليمني، لأنّه شعب يقاوم ويصمد». كما لفتَ إلى فشل سعودي آخر في البحرين، يتمثّل باستمرار المظاهرات السلمية حتى اليوم.
وردّ السيد نصر الله على تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، والتي زعم فيها بأنّ إيقاف الهِبة السعودية للجيش كان بسبب خوف بلاده من وصولها إلى أيدي حزب الله، فسأل السيد نصر الله الشعب اللبناني قائلاً: «أيها اللبنانيون، حسبَ علمكم، هل أخذ حزب الله يوماً طلقة أو بارودة أو صاروخاً أو مدفعاً من الجيش منذ اتفاق الطائف بالحدّ الأدنى حتى اليوم؟».
حرب البوسنة
وشرح حيثيات إرسال المقاومة لكوادرها إلى البوسنة وسورية والعراق، فأشار إلى أنّه لولا شهادة الشهيد علي القائد فياض الذي يُعرف بـ»علاء البوسنة» لما كان ليتحدّث في هذا الأمر، مؤكّداً «أنّنا أرسلنا قادة ومقاتلين إلى البوسنة وسقط لنا هناك الشهيد رمزي مهدي، وأمضى الأخوة هناك فترة طويلة، وقاتلوا إلى جانب البوسنيين الذين كانوا يُذبحون كل يوم، حيث ذهبوا لمساعدتهم كيف يدافعون عن أنفسهم»، سائلاً: «هل هذا ما تعتبرونه إرهاباً؟!».
وتوجّه إلى الذين يتّهمون المقاومة بالطائفية، قائلاً: «لمن يتّهمنا بأنّنا مقاومة طائفية، عندما ذهبنا إلى البوسنة هل كان هناك شيعة ندافع عنهم؟»، مؤكّداً أنّ «الشهيد القائد الحاج علاء وإخوانه غادروا قراهم وذهبوا ليقاتلوا دفاعاً عن أعراض إخواننا المسلمين من أهل السنة والجماعة في البوسنة والهرسك»، وقال: «ذهبنا إلى البوسنة، والكل يعرف أنّ أهلها من السنة، هل هكذا نكون طائفيين؟».
ولفتَ السيد نصر الله إلى أنّ ما لحق بأهل السنة في العراق بفعل «داعش» كان أخطر وأكبر ممّا لحق بالشيعة هناك، مُشيراً إلى أنّه «بعد سيطرة داعش على مناطق واسعة في العراق ووصوله إلى مشارف بغداد، أتينا بمجموعة كبيرة من قياديّينا وكوادرنا من الجبهات وأرسالناهم إلى العراق بالسرّ»، مؤكّداً أنّنا «ذهبنا إلى العراق ليس لنتدخّل في شوؤنهم الداخلية، ولا أحزابهم، ولا خياراتهم، ولا لنفرض عليهم شيء كما تفعل السعودية بأكثر من بلد عربي، بل للقيام بواجب ديني وأخلاقي وإنساني في مواجهة «داعش» الذي يُجمع العالم على وصفه بأنّه تنظيم ارهابي، فهل هكذا نكون إرهابيين».
وتوجّه إلى النظام السعودي بالقول: «اجتمعتم في السعودية، وأطلقتم بقيادة أميركا تحالفاً دولياً لمقاتلة «داعش»، فهل تستطيعون أن تقولوا ماذا قدّمتم منذ أكثر من سنة إلى الآن في قتال «داعش» في العراق؟»، مؤكّداً أنّه «لو كنّا نقاتل تحت قيادة أميركية لم يصنّفونا بالإرهاب»، كما أبدى استغرابه واستهجانه كيف «أنّهم أطلقوا تحالفاً إسلامياً يقاتل بقيادة الولايات المتحدة الأميركية»، لافتاً في المقابل إلى أنّنا «كنّا ومازلنا، نقاتل في العراق تحت قيادة الحشد الشعبي، وهي قيادة عراقية شريفة مخلصة وطنية».
الجهابذة السعوديون
وتوجّه إلى «الجهابذة السعوديين» بالقول «لولا الحشد الشعبي في العراق لكان «داعش» الآن في بيوتكم وقصوركم يسبي نساءكم»، مؤكّداً أنّ «الشهامة العربية هي أن يذهب كل عربي إلى العراق ليدافع عن الشعب العراقي، سنةً وشيعةً وكرداً وتركماناً، لا أن يصف من يدافع عن العراق بأنّه إرهابي».
وتحدّث السيد نصر الله عن نموذج الشهيد علاء، فلفتَ إلى أنّ الأخير «يُعبّر عن جيل من الشباب اللبناني الذي آمن بخيار المقاومة، والذي لم ينتظر ما قيل عن استراتيجية عربية موحدة، ولا دولاً عربية، ولا جامعة دول عربية، ولا جيوشاً عربية، ولا إجماعاً عربياً»، مؤكّداً أنّه «لو انتظرنا استراتيجية عربية موحّدة لكانت «إسرائيل» اليوم ما زالت في الجنوب وراشيا والبقاع الغربي وطريق الساحل والعاصمة بيروت والضواحي …».
وإذ سجّل وقوف سورية وإيران إلى جانب المقاومة في لبنان واحتضانها ومساندتها ودعمها، سأل: «ما هي علاقة الدول التي تصنّفنا بالإرهاب اليوم بالمقاومة والانتصارات التي حلصت؟ وهل هناك نظام عربي تجرّأ على إعطاء سلاح للمقاومة اللبنانية والفلسطينية غير النظام السوري؟».
القوة الذاتية
وفيما أكّد السيد نصر الله أنّ الحاج علاء «آمن بأنّ الذي يحمي لبنان هي القوة الذاتية»، شدّد على أهمية معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وتوجّه إلى بعض الأنظمة العربية: «قلنا لكم في حرب تموز لا نحتاج منكم شيئاً، فقط أن تتركوا المقاومة بشأنها، واليوم نقول لكم أيضاً لا نحتاج منكم لا دعماً ولا تأييداً ولا مباركة، فقط حلّوا عنّا وعن هذا البلد وهذه المقاومة وهذا الشعب».
وخلص إلى التأكيد أنّ «المقاومة باتتْ اليوم تشكّل بقيّة الأمل والأفق المفتوح الوحيد أمام أمّتنا وشعوبها لاستعادة المقدّسات والكرامة»، لافتاً إلى أنّها «اكتسبت بفضل حضورها وجهادها وتضحياتها وإنجازاتها الثقة والاحترام والقداسة عند الشعوب العربية والإسلامية».
وسأل السيد نصر الله الأنظمة العربية: «ماذا فعتلم لفلسطين منذ 67 عاماً إلى اليوم، وماذا أنتم فاعلون؟»، مردفًا بالقول: «كنتم تتآمرون على الرؤساء والجيوش والحركات المقاوِمة، وفي مقدّمكم النظام السعودي منذ أيام مصر جمال عبد الناصر إلى حركات المقاومة الفلسطينية»، لافتاً إلى أنّ «ضمانة الأنظمة العربية الدّفاع عن «إسرائيل» وعدم المسّ بها، لذلك هي دائماً كانت تصطفّ في الجبهة المعادية للأنظمة المقاومة».
وتحدّث السيد نصر الله عن مزايا الشهيد فياض، فلفتَ إلى أنّه «كان من قادة المقاومة وأبطالها في حرب تموز 2006، وهو رجل الميدان وقائده». كاشفاً بأنّه «كان من المشاركين مع إخوانه في عمليات أسر جنود «إسرائيليين»، وكذلك من قادة بناة قوة المقاومة والرّدع إلى جانب الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، وأنّه أوكلت إليه مهمّة بناء القوة الخاصة في المقاومة الإسلامية التي كبرت ونمت وأصبحت قوة حقيقية يحسب لها العدو «الإسرائيلي» ألف حساب».
وكان السيد نصر الله توجّه في بداية كلمته إلى عائلة الشهيد فياض، مباركاً لها «شهادة هذا القائد المجاهد والعزيز والحبيب» ومعزّياً إيّاها برحيله «وهو في قمة العطاء»، كما توجّه إلى «عوائل الشهداء الكرام الذين استشهدوا في العمليات الأخيرة في الجبهة نفسها مع الشهيد القائد الحاج علاء، أو الجبهات الأخرى» وبارك لهم شهادة أبنائهم وعزّاهم بشهادتهم. كما تقدّم بالتعزية إلى عوائل الشهداء من الأخوة السوريين من الجيش والقوات الشعبية الذين استشهدوا وهم يبذلون أرواحهم ويقاتلون جنباً إلى جنب مع المقاومة لاستعادة جثامين الشهداء.
كما كانت كلمة لنجل الشهيد فياض، هادي عاهد فيها على الاستمرار على نهج المقاومة.