أزمة الحزبين بفوز ترامب وكلينتون… مفاجآت السباق الرئاسي مستمرّة
احتدّ الجدل الشعبي والرسمي الأميركي حول نتائج انتخابات «الثلاثاء الممتاز»، التي عقدت في 12 ولاية بالتزامن الثلاثاء الماضي، التي احتفظ بها كلا المرشحين الرئيسيين عن الحزبين بالحصة الأكبر من عدد المندوبين للمؤتمرات العامة. حسابياً، يمكننا القول انّ جولة الانتخابات الرئاسية «أضحت محسومة» بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. بيد انّ خطوة قيادة الحزب الجمهوري غير المسبوقة «بالتخلي التدريجي عن المرشح دونالد ترامب» بعد فوزه البارز قد تعيد خلط الأوراق والاصطفافات داخل أروقة الجمهوريين مرة أخرى.
سيتسعرض قسم التحليل النتائج المعلنة لتلك الجولة، وبالأخصّ على مسيرة قيادة الحزب الجمهوري والآليات المتاحة أمامها للتوصل الى صيغة اختيار مرشح الحزب «بطريق الوساطة» داخل المؤتمر وأيضاً آفاق ما ستنطوي عليه رئاسة أميركية يتصدّرها ترامب.
سورية
فنّد معهد كاتو ارتفاع معدّل ضجيج المطالبين بالتدخل العسكري الأميركي في سورية منبّهاً إلى «المخاطر المرافقة لأيّ تدخل أميركي إضافي في سورية، ومن ضمنها احتمال نشوب نزاع مباشر مع روسيا، وما ينطوي عليه من حرب إقليمية أشمل… فضلاً عن انه في معظم الاحيان سيؤدي التغاضي عن حقيقة الدفع بمزيد من الانخراط العسكري الى فوائد متواضعة انْ وجدت». واضاف انّ البعض لا يجد غضاضة في توجيه الانتقاد لسياسة الرئيس أوباما «لمفاضلته النهج الديبلوماسي على التدخل، وقبوله تسوية سياسية معيبة الآن وفق الشروط الروسية»، لكنها فضلت تبنّي خيار أهون الشرين. وأردف انّ التمسك بالخيار الديبلوماسي «قد ينطوي عليه احتمال ضئيل لإنهاء الحرب في سورية، في المدى المنظور على الأقلّ». مشدّداً على انّ السياسة الراهنة للبيت الابيض «تسهم في وضع اللبنات الاولى لتسوية سياسية مستقبلا».
أعرب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن قلقه من «استعادة روسيا سياستها النشطة في الشرق الأوسط، لما تمثله من إنجازات اقتصادية وسياسية، وتهيّئ الفرص لتقليص النفوذ الغربي» في المنطقة «والدفع قدماً بتصوّر روسيا كقوة عظمى». واضاف انّ هناك أبعاداً أخرى تكمن وراء السياسة الروسية خاصة «لحشدها قواتها في سورية أبرزها حرف الأنظار عن التحديات الداخلية بغية ضمان استمرار بوتين في السلطة وإنهاء العزلة الدولية التي فرضت منذ آذار 2014 نتيجة ضمّه لشبه جزيرة القرم».
أشار معهد كارنيغي الى سبل تطوير المساعدات الإنسانية «للاجئين السوريين بطريقة أذكى»، عقب انفضاض المؤتمر الدولي للمانحين في لندن قبل بضعة أسابيع، والذي «تعهّد بتقديم 11 مليار دولار تقريباً» ضمن البرنامج خلال الفترة الممتدة بين 2016 الى 2020. وأوضح المعهد انّ «خطط العمل المشتركة بين الاتحاد الاوروبي وتركيا، لم تسفر عن نتائج ملموسة»، وارتفاع العجز الأممي المقدّم لسورية الى نسبة 43 مقارنة عن العام السابق. وعليه، ناشد المعهد الدول المانحة «التفكير بصورة استراتيجية حول الاتجاهات والاحتياجات والاستجابات طويلة الأمد، وضمّ لبنان والأردن الى قائمة الدول التي تتحمّل أعباء استضافتهما» للاجئين السوريين. واضاف انّ دول الاتحاد الاوروبي اخطأت في طلبها من «تركيا والأردن ولبنان إضفاء طابع رسمي لفرص عمل اللاجئين السوريين» لاعتقادها بأنه كفيل بالحدّ من تدفق اللاجئين الى أوروبا. وخصّ المعهد الأردن ولبنان لعدم قدرتهما الاستجابة لتلك المطالب إذ «تنعدم ثقة الحكومات المضيفة والسكان بأيّ شيء من شأنه ترسيخ التواجد الدائم للاجئين السوريين، أو تشجيع قدوم المزيد منهم».
المملكة السعودية
تناول مركز الدراسات الاسترلتيجية والدولية العلاقات الأميركية السعودية، منوّهاً الى»اعتماد السعودية على الولايات المتحدة في شراء معظم اسلحتها وبرامج التدريب والدعم، إضافة لطواقم الاستشاريين العسكريين الأميركيين، في مختلف الدوائر والإدارات العسكرية والحرس الوطني وقوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية». على الرغم من تلك العلاقة التبادلية «رافقتها توترات على الدوام، اذ شكل قطاع الطاقة مصدر توحيد وانقسام بينهما». واوضح انّ الولايات المتحدة أطلقت استراتيجية «الأعمدة الثنائية»، في أعقاب انسحاب بريطانيا من الخليج في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، الا انّ «الولايات المتحدة أعطت الأولوية لعلاقاتها مع إيران غلى حين سقوط نظام الشاه عام 1979».
وصف معهد كارنيغي العدوان السعودي على اليمن «بالحرب غير المقدّسة، والمدعومة من الولايات المتحدة» تفنيداً لتبريرها السابق بانها تلبّي «واجباً مقدّساً». واوضح انّ سياسة الرياض الجديدة أضحت «غير مدروسة لتقديم محمد بن سلمان في صورة الشخصية النافذة» في رهانه على تمهيد مسار خلافته لتسلّم العرش. وأضاف انّ الحرب لم تفشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية السعودية هناك فحسب «بل تسبّبت بتعاظم الكراهية حيال السعوديين«… وأردف انّ الفشل السعودي معناه «افتقاد استراتيجية متماسكة او حتى الى المعلومات الاستخبارية المطلوبة، ويتمّ قصف منازل قياديين في الجيش يعرفون أنها فارغة». الفشل الأهمّ برأي المعهد «تبدّد المراهنة على فرقاء يمنيين يواصلون القتال نيابة» عن السعودية، رغم كلّ المغريات المالية المقدمة.
إيران
الانتخابات الإيرانية الأخيرة كانت محط اهتمام المجلس الأميركي للسياسة الخارجية معرباً عن اعتقاده بأنها في المحصلة «لا تنذر ببدء صفحة جديدة في العلاقات الأميركية الإيرانية، كما راهن الرئيس أوباما ومساعدوه في مسار التوصل للاتفاق النووي، بل ترسي أرضية تحدّ اكبر للرئيس المقبل، نظراً إلى تحرير عوائد طهران المالية». واضاف انّ «الطبقة الحاكمة في إيران تتقن لعبة القطة والفأر في ما يخصّ مسار الديمقراطية المحدود في البلاد وتسوّقها للجمهور الغربي الساذج، بينما في الحقيقة ومن خلف الستار تفعل ما في وسعها للحيلولة دون نفوذ ديمقراطية حقيقية من شأنها إزاحة رجال الدين» عن الحكم.
استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى «المخاطر التي قد تلحق بالمصارف الأوروبية والآسيوية جراء» تعاملاتها المالية مع إيران التي لا يزال امامها «طريق طويل لإعادة اندماجها في النظام المالي العالمي»، موضحاً انّ «فريق العمل المنوط بالعمليات المالية» الدولية أنشأته مجموعة الدول الصناعية السبع، 1989، لمكافحة غسيل الاموال وتمويل الإرهاب. ولوّح المعهد بمضيّ ذاك الفريق في «تصنيف إيران كسلطة ذات مخاطر عالية معرّضة للتدابير المضادّة» لفريق العمل «الذي سيستمرّ في تعقيد جهود المصارف الإيرانية، التي ستضطر لإعادة علاقاتها مع المصارف» الأخرى. واستدرك بالقول انّ إيران «أصدرت سلسلة تصريحات رسمية مؤخراً تؤكد التزامها بتعزيز نظام مكافحة غسيل الأموال / محاربة الإرهاب، بما في ذلك انضمامها إلى مجموعة أوراسيا» ومقرّها موسكو. وخلص غلى القول انه «على الرغم من تخفيف العقوبات، لا يزال هناك عقبات كبيرة أمام» المصارف الدولية الراغبة بالتعامل مع إيران «بالحدّ الأدنى ستستمرّ المصارف في مواجهة التمويل غير المشروع والمخاطر التنظيمية».
مشهد سياسي غير مسبوق
فور إعلان نتائج الانتخابات التمهيدية ليوم «الثلاثاء الممتاز»، سلّطت قيادة الحزب الجمهوري سهام انتقاداتها على المرشح دونالد ترامب بغية وقف اندفاعه على أقلّ تعديل، بعد ظفره بنصف الولايات التي شاركت في عملية التصويت وراكم نحو 15 ولاية لصالحه. مشهد قد يبدو سورياليا في الحياة السياسية الأميركية، اذ لم تسجل سابقة للجوء حزب سياسي لعزل والإطاحة بمرشحه المتقدّم في النتائج في ذروة التنافس الرئاسي، تبديل الحصان في منتصف السباق، ومن ثمّ الترويج المستمرّ للمرشح ماركو روبيو الذي أخفق في حصد نسبة 20 من الاصوات، كحد أدنى وفق لائحة الحزب الداخلية.
قيادة الحزب واكبت المناظرة الأخيرة بين مرشحيها الأربعة، 3 آذار، بالإعلان عن حملة دعائية شرسة للنيل من ترامب سخّرت لها أبرز رموز المؤسسة الحزبية، وأعادت الى الواجهة المرشح الرئاسي السابق، ميت رومني، للتنديد بترامب الذي «سيكون كارثياً بالنسبة إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وسيعرّض مكانتها دولياً للتدهور». جلّ الانتقادات اللاذعة انصبّت على بعد السياسة الخارجية لتداعيات رئاسة ترامب، كما يراها قادة الحزب الجمهوري، وهي الحلقة الأضعف في مجمل سجله المتواضع أصلاً.
خطيئة ترامب
على الرغم من تفضيل ترامب استخدام مفردات سوقية ومبتذلة وحركات بهلوانية تحاكي غرائز الأجيال الشابة لإهانة خصومه وأعدائه على السواء، فانّ «الحقد» المؤسساتي عليه يعود إلى توجهاته وتصريحاته السياسية المتتالية وولوجه الى أعماق مسلّمات الحزب واستقطابه قطاعات وشرائح اجتماعية ربما كانت كامنة وصامتة او مغيّبة في معظم الأحيان. بعبارة اخرى، بذاءة ترامب وفقدانه للكياسة الديبلوماسية لم تثيرا حفيظة المؤسسة بقدر ما أثارها تحدّيه لسياساتها الكارثية ومهاجمة «فرسانها» علناً.
جدير بالذكر انّ تصريحات ترامب المتكرّرة حول مفاضلته للعرق الأبيض ودونية الأقليات الأخرى في المجتمع أصابت مؤسسة الحزب الجمهوري في الصميم، ليس بدافع تنكّرها او ابتعادها عن خطابها السياسي، بل لكونها تعكس حقيقة «مبادئ وتصورات» حزب النخب المالية والمصرفية وكبريات الشركات. وعندما أزاح ترامب طبقة كثيفة من مساحيق «الديمقراطية» عن هيبة الحزب، وقفت قياداته عارية أمام مرآة التعبير الأدقّ عن كواليس الحزب وقياداته وفقدانها الرؤى لمواكبة العصر الراهن.
ليس بوسع قيادات الحزب الجمهوري القفز عن «سرّ شعبية» ترامب الذي فاز بحشد شرائح عريضة من الجمهور الانتخابي تراوح بين التوجهات الليبرالية، نسبياً، في ولاية ماساتشوستس، والتوجهات الأشدّ محافظة تمثلت بفوزه بانتخابات ولاية ألاباما التي لم تفارقها النزعات العنصرية الكامنة او العائمة فوق السطح. «جاذبية» ترامب لتلك الشرائح المتباينة فاقت نسبة 40 في بعض الأحيان، الأمر الذي لم يغب عن بال قيادات المؤسسة الحزبية واجتراح حلول سريعة لتطويقه والحدّ من اندفاعه على أقلّ تعديل.
ضاعف من قلق المؤسسة الحزبية التنوّع الديموغرافي والتحصيل العلمي للشرائح المؤيدة لترامب، خاصة في ولاية ماساتشوستس الحديقة الخلفية للمرشح الجمهوري الرئاسي السابق ميت رومني، وفاز بها ترامب بنسبة أدنى بقليل من 50 .
للتعرّف على لغز كراهية الحزب لا يسع المرء إلا الإصغاء إلى تصريح مرشح المؤسسة المفضّل للحزب الجمهوري، ماركو روبيو، الذي سارع عقب انفضاض المناظرة سالفة الذكر قائلاً: «ترامب صنيعة أوباما». وتلقفت معظم وسائل الإعلام «الزعم» بحرارة ونشاط.
للوهلة الأولى، تبدو مفردات روبيو، القادم من صفوف تيار حزب الشاي، خارج السياق السياسي للنخب الحاكمة، بيد انّ تفحّصاً أدقّ لخطاب الطرفين، الديمقراطي والجمهوري على السواء، يدلّ إلى عقلية ورؤى متطابقة بالرغم من قناعاتها المغايرة، اذ لا تزال أصداء ادّعاءات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الحالي جون كيري، حول سورية تصمّ الآذان، بقولهما انّ «داعش صنيعة الأسد».
اما «خطيئة» ترامب بالنسبة إلى المؤسسة الحاكمة فكانت تجرّؤه غير المعهود او التقليدي عن تحدّي وانتقاد أدائها وسياساتها المبدّدة لوعود الرخاء والازدهار، أوجزتها يومية «بوليتيكو»، 4 آذار، بأنّ جذرها يكمن في تناقض وجهات نظره مع «مسلّمات» الحزب الجمهوري في السياسة الخارجية للبلاد، من أبرزها انتقاده المباشر للحرب على العراق ووصفها بانها «إخفاق عالمي ناتج عن أكذوبة» روّج لها الرئيس السابق جورج بوش الابن وفريقه «إعجابه وتأثره بشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين » وإعلانه انه «سيلتزم الحياد أثناء التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين وتأييده العلني لسياسة التعذيب التي دشنّها جورج بوش الابن».
قبل أيام معدودة سخّر قادة الحزب الجمهوري أحد أهمّ صقور الشخصيات الضالعة في مسائل الأمن القومي، الرئيس السابق لوكالة الأمن القومي مايكل هايدن، محذراً من انّ «قادة القوات المسلحة قد يرفضون الانصياع لأيّ أوامر من ترامب»، كقائد أعلى للقوات المسلحة، «في حال وصوله الى البيت الأبيض». ومن ثم تدحرج سيل البرقيات والعرائض المندّدة بترامب وما سيشكله من عامل «فتنة وانقسام» داخل المؤسسة الحاكمة.
أمام هذه التطورات، «اضطرت» قيادة الحزب الجمهوري للافصاح مبكراً عن نواياها قبل التئام المؤتمر العام للحزب، وروّجت لبضعة «سيناريوات» ترمي للحيلولة دون بروز ترامب رغم الخسائر الجانبية التي سترافقها. أبرز تلك الخيارات تعويم فكرة لائحة انتخابية تضمّ الثنائي ماركو روبيو وتيد كروز قبل المؤتمر ليتمّ اختيارهما بشكل رسمي حينئذ للالتفاف على «شعبية» ترامب، وتفادياً لما قد تضطر قيادة الحزب من الدخول في «عقد صفقات» خلال المؤتمر مع ترامب والدخول في مواجهة مع الشريحة المؤيدة له، مهما كلفها من أثمان.
أحد أبرز رموز تيار «المحافظين والتشدّد» في الحزب الجمهوري، مايك هاكابي، وجه نداء مناشداً قيادة الحزب، عقب الإعلان عن فوز ترامب الأخير، بأنه يتعيّن عليها الإقرار بأحقية المرشح ترامب الذي برهن على أنه فاز كممثل لقطاع عريض من شرائح الحزب الغاضبة «وعدم التظاهر بأنّ مؤيديه جمهور من الأغبياء، هم ليسوا قطيعاً من الحمقى والأغبياء، انهم غاضبون من سياسات المؤسسة الحزبية التي ترتعش فرائصها لنجاحات دونالد ترامب».
كلا الطرفين في الحزب الجمهوري، قياداته التقليدية وترامب، يحشد جهوداً مكثفة للانتخابات التي ستجري يوم 15 الشهر الحالي في بضع ولايات أبرزها ولاية فلوريدا، بلد ابنها المدلل روبيو، والذي تشير أغلب استطلاعات الرأي بتخلفه عن خصمه ترامب بما لا يقلّ عن 20 نقطة مئوية. سقطت رهانات الحزب على تقدّم روبيو وربما لنهاية الحملة خاصة بعد انسحاب المرشح جيب بوش من السباق.
أهمية فلوريدا الاستثنائية تكمن في صيغة توزيع مندوبيها، اذ تنصّ لوائحها الداخلية على انّ الفائز «يظفر بكافة المندوبين»، ويحرم الآخرين من ايّ أمل بتراكم قائمة المندوبين لصالحهم. أمر يثير عظيم القلق داخل أروقة الحزب وقياداته، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار اصطفاف رموز «جناحي» الحزب إلى جانب ترامب: كريس كريستي حاكم ولاية نيو جيرسي الليبرالي نسبياً والمرشحة السابقة سارة بيلين عن تيار حزب الشاي المتشدّد.
كما لم يغب عن بال وقلق المؤسسة الحزبية اصطفاف قيادات مؤثرة لدعم ترامب من شأنها إفشال الاتهامات المسبقة له بأنه لا يمثل «القيم المحافظة» للحزب، أبرزها رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش، السيناتور المتشدّد جيف سشينز، وحاكم ولاية أريزونا السابقة جان برووَر.
المرشح الجمهوري السابق «المحافظ» مايك هاكابي خاطب جمهور ترامب بودّ وامتنان عقب فوزه بـ«الثلاثاء الممتاز» موجهاً التحية والامتنان لترامب لدوره في حفز «ثورة سلمية»، ومناشداً صفوف الحزب الجمهوري الاصطفاف المبكر خلف المرشح الأفضل حظوظاً.
الحزب الديمقراطي
راكمت المرشحة هيلاري كلينتون مزيداً من الإنجازات الانتخابية، بعد الإعلان عن نتائج يوم «الثلاثاء الممتاز»، وأصبحت في مصافّ المرشح الأقوى للحزب في وقت مبكر. بيد انّ الطريق أمامها لا يبدو ممهّداً بالكامل نظراً إلى ما تحتويه جعبة خصومها الجمهوريين وملاحقتها قانونياً على خلفية أدائها ابان ترؤسها وزارة الخارجية. اكثر التوقعات واقعية تشير الى انها ستمضي قدماً في مسار الترشيح غير عابئة بتلك العقبات، والتي ستخلّف جروحاً نادبة لا محال.
أحد أبرز أسرار نجاح وتقدّم كلينتون على منافسها بيرني ساندرز يكمن في مراكمتها لعدد أكبر من المندوبين الممتازين، الذين لا يخضعون لآليات الترشح في الولايات المختلفة، ويمارسون نفوذاً أقوى داخل أروقة الحزب الديمقراطي. تعززت فرص نجاحها بعد فوزها بانتخابات ولاية ماساتشوستس، الليبرالية، التي أدرجت في خانة المؤيدين لمنافسها ساندرز سابقاً.
كان لافتاً في خطاب كلينتون بعد فوزها تجاهلها التامّ لذكر منافسها ساندرز والتركيز على المرشح الجمهوري الأقوى دونالد ترامب. الأمر الذي اعتبره المراقبون انه رسالة لكلّ من يعنيهم الأمر بأنّ السباق الرئاسي أضحى محسوماً بين هيلاري وترامب.
حظوظ ساندرز في الفوز بترشيح الحزب مرتبطة مباشرة بما ستؤدّي اليه الملاحقة القضائية للسيدة كلينتون على خلفية تبادلها مراسلات الكترونية خاصة بمعزل عن إطار الأسس الرسمية للخارجية الأميركية. من المرجح انّ أيّ قرار سيصدر، انْ صدر، أقلّ من إدانة كاملة لكلينتون لن يسفر عن تراجعها، وبالتالي تتبخر حظوظ ساندرز في الترشح، لكن باستطاعته التأثير في برنامج الحزب وتوجّهاته «بعض الشيء».
في المقابل ايضاً، جاء خطاب ترامب بعد فوزه المميّز بلغة «تصالحية» بعيداً عن مفرداته الحادّة المعهودة، وفعلت فعلها في الأوساط السياسية لاعتقاده انه يمضي قدماً نحو الفوز بترشح الحزب غير عابئ بالعقبات القادمة، أسوة بمنافسته على الطرف الآخر هيلاري كلينتون.
مأزق مؤتمر الحزب الجمهوري
أوحت قيادة الحزب الجمهوري بأنّ كرة الثلج المناهضة لترامب تكبر وتتدحرج بانضمام بعض أهمّ الشخصيات النافذه، من أبرز رموزها «الفيلسوف الفكري» للحزب بيل كريستول وامتداداته الواسعة بين أقطاب معسكر الحرب وأهمّ رموز العدوان الأميركي على العراق.
كريستول وآخرين، المؤرّخ البارز روبرت كيغان، ذهبوا بعيداً في إعلان عدائهم المبكر لترامب بأنهم يفضلون التصويت لصالح هيلاري كلينتون عن تلويث أصابعهم والإدلاء بأصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري.
أشدّ ما تخشاه قيادات الحزب يوم انعقاد المؤتمر تسلّح ترامب بما لا يقلّ عن 50 من مجموع أصوات المندوبين، الأمر الذي سيعقد خياراتها ويضطّرها إلى مهادنة ترامب والتفاعل معه على مضض. وتشدّد النخب القيادية على ضرورة حرمان ترامب من حصد تلك النسبة المريحة بالنسبة له.
أمام هذا المأزق، لن يكون امام المؤسسة الحزبية سوى اللجوء إلى صيغة «تسويات» سياسية تتخلّلها جولات من التصويت على أمل ان تفرز الجولة الأولى عن عدم حسم الأغلبية لصالح ترامب، مما يعني أنها ذاهبة إلى جولة ثانية تهيّئ لها شروطاً لصالحها «قد» تمكنها من استبدال ترامب بمرشح آخر «نزولاً عند قواعد اللعبة الديمقراطية وقرار القاعدة» الانتخابية، تجري في الغرف المغلقة.
بيد انّ افضل تلك السيناريوات غير مضمونة النتائج نظراً غلى تعدّد اللاعبين وتصادم المصالح وتبدّل الاصطفافات والولاءات التي ربما ستعزز موجة الغضب «الشعبي» من سياسات الحزب ونخبه القيادية.
المغامرة الأكبر بالنسبة غلى قيادة الحزب انّ ايّ صيغة حلّ أحلاهما مرّ: الالتفاف على ترامب سيقلّص حماس القواعد الانتخابية للذهاب إلى صناديق الاقتراع، على أقلّ تعديل، وإهداء المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون نصراً مؤزّراً.
الانغلاق الفكري لنخب الحزب الجمهوري حفزها لتغييب مدى «غضب» بعض قواعد الحزب الديمقراطي من هيلاري كلينتون وربما استعدادهم للتصويت لصالح ترامب نكاية بكلينتون. وعبّر عن هذا التوجه صراحة المرشح السابق وعضو الكونغرس الديمقراطي «المحافظ» عن ولاية فرجينيا، جيمس ويب، الذي صرّح بأنه سيصوّت لترامب لحرمان هيلاري.
الأيام القليلة المقبلة حبلى بالمتغيّرات في صفوف الحزب الجمهوري: اصطفافه خلف ترامب لن يغيّر التوازنات الانتخابية كثيراً بحيث تمكّنه من الظفر بالبيت الابيض واستبعاده ترامب قد ينطوي على تداعيات وإعادة اصطفافات طويلة الأجل، ليس بعيداً عنها انشقاق داخل الحزب يهيّئ الارضية لتيار او حزب ثالث في المشهد السياسي الأميركي المرفوض بشدة وعن سبق إصرار وترصّد من قبل الحزبين.
ترامب في البيت الأبيض
التكهّن بتوجهات ترامب المقبلة، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، ليس امراً عسيراً باعتبار توجهاته ومواقفه معلنة وهو غير عابئ بتداعياتها، وقد يضطر إلى لجم بعض اوجه التهوّر، لكنه سيمضي قدماً بوحي قناعاته الخاصة حتى لو كلفه عداء السلطة الرابعة أسوة بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، مع الفارق الفكري والسياسي بينهما.
يحرص ترامب على الإفصاح عن عميق كراهيته لسياسات الرئيس أوباما وعزمه على «شطب» وإزالة مفعول عدد من القرارات الرئاسية التي أصدرها «مضطراً» امام امتناع الكونغرس القيام بوظيفته التشريعية.
ترامب يعدّ مرشحاً استثنائياً في المشهد السياسي الأميركي يستمدّ ذخيرته الشعبية وصعوده من قدرته «الفائقة» على رصد حجم العداء الشعبي للمؤسسة الحاكمة وتوجّهه إلى قطاعات واسعة من الجمهور بخطاب مبسّط، وأحياناً مبالغ في التبسيط والتسطيح، وتقديم وعود أرضيتها شعارات غرائزية تبهر ولا تنفّر. ولا يخجل من خلوّ خططه المعلنة لبرامج اقتصادية معيّنة او سياسات خارجية محدّدة، بل نظام ضريبي ينتظره الجمهور الانتخابي.
عبّرت يومية «وول ستريت جورنال» عن سرذ شعبية ترامب بأنه استطاع الدخول الى أعماق القواعد الانتخابية التي «تنظر بعين الريبة الى سياسات الإرهاب الاجتماعي والفكري التي تمارس ضدّها من قبل النخب السياسية الحاكمة، وتكافئه في كلّ مرة يتفوّه بها بانتقاد للمؤسسة الحاكمة ومقدّساتها» التي يغيّبها الإعلام.
وما رمت توضيحه الصحيفة انّ تناغم خطاب ترامب مع تراكمات غضب القواعد الشعبية «يعفيه» من الاضطرار للتقدّم بخطط وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة المعالم وتحجب سيل الانتقادات حتى لتناقض تصريحاته بشكل متواصل. عداء المؤسسة له الأولوية، وهو الدرس الذي ينبغي الإصغاء إليه بشدة.
يزهو ترامب بسجله «كرجل أعمال، يسعى وراء عقد الصفقات وليس الاصطدام والتنافر»، ويحصّن نفسه بأنه على أتمّ الاستعداد للعمل والتعاون والتشارك مع كلا الحزبين، بل تفضيله العمل مع الحزب الديمقراطي انْ بقي الحزب الجمهوري على عدائه له وإثارة العقبات امامه. اللافت ايضاً انّ ترامب يجنح نحو التوصل غلى نتائج وبغضه لمفاوضات ماراثونية عشق السياسيين.
بالمقارنة، حالت الحواجز الفكرية بين الرئيس أوباما وأقطاب الحزب الجمهوري من تعاون الطرفين وتذليل العقبات بينهما، بل يتربّص كلّ منهما بالآخر عند كلّ منعطف مما أصاب المؤسسة السياسية بكاملها بحالات من الشلل والاستفراد المتكرّر.
على الصعيد الداخلي، «الرئيس ترامب» سيستخدم توجهات قوية وفورية لرفع القيود الحكومية، وما تبقّى منها، عن القطاع الصناعي والشركات الكبرى وربما سيلجأ إلى تقليص الجهاز الإداري في الحكومة نغمة متواصلة ودائمة للحزب الجمهوري طمعاً في «تخصيص» الإدارات والخدمات الحكومية.
أسلوب ترامب اليومي المعتاد يحيله الى الاعتماد على إرشادات «الخبراء والاخصّائيين» في مجالات متعدّدة، وسيعمّم ذلك التوجه في البيت الأبيض بيد انّ ما تخشاه السلطة الحاكمة ارتهان ترامب لقناعاته الداخلية وعدم الأخذ بنصائح الخبراء، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور السياسة الخارجية وضوابطها وإيقاعاتها المتعدّدة الاوجه والتداعيات. في هذا الصدد، ستكون قضايا «الشرق الأوسط» إحدى ضحايا توجهات ترامب الذي لا يتحلّى بخبرة كافية في هذا المجال، وسيبقى اسيراً لطواقم المستشارين في هذا الشأن لفترة غير قصيرة.
ترامب يشاطر توجهات الرئيس الأسبق رونالد ريغان في القفز عن القيود المعهودة و«مخاطبة» الدول والمجتمعات الأخرى مباشرة، لا سيما عند شعوره بمساع تقيّد حركته في الداخل الأميركي. ريغان، آنذاك، استطاع تمرير سياساته الاقتصادية الكارثية وتقليص معدلات الضريبة على الشرائح الأشدّ ثراء في المجتمع، وأضحى مثالاً تقتدي به نخب الحزب الجمهوري ومرشحيها الذين يفتقدون إلى كفاءة ذاتية باجتراح حلول خاصة غير تقليدية.
المؤسسة النافذة في الحزب الجمهوري تستحضر سجلّ الرئيس ريغان وتعتبره مقياساً ونموذجاً ينبغي الاسترشاد به، حتى بعد إصدار التاريخ حكمه بخطل وكارثية تلك السياسات على الشعوب قاطبة. لكن ريغان الرمز يبقى المعبر الأوفى لاستراتيجية النهب الأميركية والغربية ، وقد نشهد تماهي تلك السياسات في عهد «الرئيس ترامب»، رجل الأعمال المخلص والصادق للنظام الرأسمالي بطبعته المعولمة.