هل تدخل مصر مجدّداً على خط انتخاب الرئيس وتستغلّ التشجيع الروسي؟
روزانا رمّال
ببروز الأزمة بين المملكة العربية السعودية ولبنان تسارعت القوى المندّدة والداعية لتهدئة الأجواء بين البلدين، لفت بينها انزعاج أوروبي تمثل بمواقف فرنسية نقلتها وفود لبنانية زارت العاصمة باريس إثر الخلاف. فباريس تشعر بقلق مما جرى ومستاءة من التصرف السعودي تجاه لبنان الذي يجب الحرص على دعم استقراره في الظرف الراهن.
المملكة السعودية التي تشنّ حرباً على حزب الله اصطدمت في الجامعة العربية مع وزير خارجية لبنان جبران باسيل في موقف مغاير عن الذي كانت تصبو إليه، ففضل استقرار البلاد على الانضمام للإجماع الذي حشدت له بشكل مركّز.
ردّت المملكة مباشرة على لبنان الرسمي برفضها ما صدر عن وزير الخارجية، ما كشف أنّ الرياض تعاطت مع باسيل على أساس أنه حليف لحزب الله وليس وزيراً للخارجية يمثل مقعد لبنان في الجامعة العربية، فضغطت باتجاه تراجعه من خلال تصويب الموقف حكومياً، مع العلم أنها تعرّضت للموقف نفسه مع وزير الداخلية نهاد المشنوق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس.
لم يتحوّل الضغط السعودي حتى اللحظة إلى مرحلة تطبيق التهديدات التي لوّحت المملكة بها بحق لبنان اقتصادياً وسياسياً، فالعلاقة السياسية المتوترة خرقتها مواقف سعودية تثمّن مواقف رئيس الوزراء تمام سلام ومساعيه من أجل تدارك الأزمة. والمملكة التي لا تزال تحشد من اجل ضغط حزب الله عربياً تحضيراً لما أمكن أممياً لا تبدو أنها متوجهة نحو تنفيذ عقوباتها بحق لبنان الذي بدا أنّ شارعه تلقف الصدمة الأولى بأقل الخسائر.
وعلى خط الوساطات برزت معلومات تحدثت عن ان مصر تعمل على جمع وزيري الخارجية اللبناني جبران باسيل والسعودي عادل الجبير من دون مؤشرات على إتمام هذا اللقاء حتى اللحظة.
يُذكر أنّ جامعة الدول العربية تستعدّ لانتخاب أمين عام جديد بالفترة المقبلة تتأمّل مصر في أن تنجح في إيصال مرشحها البديل عن نبيل العربي كما جرت العادة عملاً بكونها اكبر بلد عربي ومقر الجامعة على أرضه. مشاركة لبنان في انتخاب أمين عام جديد للجامعة تتطلب أجواء ملائمة يمكن البناء على أساسها في التأسيس لما هو اكبر من صوت يعود فيها إلى «الإجماع» الذي خرج عنه باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب.
دخول مصر على خط المصالحة بين لبنان والسعودية يفتح الباب أمام احتمالات عديدة ليست بعيدة عن القاهرة، خصوصاً بما يعني لبنان وما يمكنها أن تساهم في الملف الرئاسي تحديداً، خصوصاً أنها سبق ولعبت دوراً كبيراً في دعم ترشيح العماد ميشال سليمان لأشهر قبل اتفاق الدوحة عام 2008.
وصول العماد سليمان إلى قيادة الجيش وبعدها إلى رئاسة الجمهورية، جاء برعاية مصرية تمثلت منذ العام 2007، بدعم مبادرة لرئيس المخابرات المصرية آنذاك اللواء عمر سليمان، وكانت مصر قد دعت للغاية إلى اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب أوضح بعدها وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط أن الدعوة المصرية للاجتماع. قد حققت الهدف منها وهو خلق توافق عربي يساعد الفرقاء اللبنانيين على التوصل إلى مخرج للأزمة… وبعدها استكمل أبو الغيط. مساعيه وزار بيروت باحثاً في ملف انتخاب الرئيس، ضمن حراك مصري لافت حينها، بمبادرة ساعد فيها رئيس المخابرات السعودية آنذاك الأمير مقرن بن عبد العزيز، وبناء على التوافق الخارجي والداخلي تمّ انتخاب ميشال سليمان رئيساً.
الدخول المصري إذاً سبق وأنجز المهمة اللبنانية الكبرى واليوم تعود مجدّداً فرص اعتمادها مخرجاً للازمة الرئاسية اللبنانية، كطرف مقبول من السعودية بدلاً من قطر أو سلطنة عُمان، كما يُشاع ضمن توافق إيراني – أميركي…
مصر التي سبق واستقبلت وفوداً من المعارضة السورية تحضيراً لمؤتمر جنيف قادرة على استغلال العلاقة المتينة التي تبدو بين رئيسها عبد الفتاح السيسي وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أجرى معه اتصالاً هاتفياً أكد فيه الأخير على دور مصر الأساسي في مكافحة الإرهاب. ليس فقط في سورية إنما في ليبيا واليمن. كما اتفق الطرفان على مواصلة التعاون الوثيق في إطار المجموعة الدولية لدعم سورية، يُضاف إلى ذلك صفقات السلاح التي عقدت بين البلدين، ونيات تعزيزها، فكانت إعلان اهتمام روسي بالغ بدور مصري في المرحلة المقبلة، حيث تتواجد روسيا فيه بشكل كبير.
الموقف المصري الشديد التقارب من الموقف الروسي في مجال مكافحة الإرهاب يتقاطع أيضاً مع تأكيد مصدر مقرّب من القيادة السورية عن رسائل دعم للجيش السوري أتت بقوة، من الجانب المصري على دوره في مكافحة الإرهاب وتأكيدات على ضرورة الاستكمال لما فيه خطر يهدد البلدين.
لا شيء يمنع اليوم من أن تشكل المساعي المصرية في جمع الطرفين اللبناني والسعودي، ضمن لعبة انتخاب أمين عام جديد للجامعة العربية، فرصة جديدة عبر القاهرة تتمثل في حلّ عقدة الرئاسة في لبنان، مستفيدة من المواقف الإيجابية للمعنيين بالأزمة السورية تجاهها، خصوصاً موسكو والرياض. وإذا كان باسيل رئيس التيار الوطني الحر المعني الأساسي بهذا الموضوع فلا شيء يمنع أيضاً رفع الفيتو السعودي الرئاسي عن العماد ميشال عون.