جماعة الرياض تنتظر مشاركة الأكراد في جنيف موسكو وطهران والقاهرة مثلث الشرق الأوسط الجديد
كتب المحرّر السياسي
تبدو السعودية وهي تُخلي الساحة الإقليمية مرغمة، عاجزة عن التعويض على حلفائها، بل تضغطهم طلباً للمزيد من إعلان الولاء المذلّ من جهة، وتُحرمهم من عطفها وكرمها اللذين شكلا على الدوام مصدر قوتهم، من دون أن يغيّر من هذه الصورة للانسحاب الذي يشبه هزيمة جيش الأستانة في الحرب العالمية الأولى، التصريحات النارية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي وصفته بعض الصحف الأجنبية بـ «الصحاف الجديد»، تشبيهاً بوزير خارجية العراق إبان الغزو الأميركي الذي كان يتلو بيانات القوة والتهديد، بينما الجيش الأميركي على أبواب بغداد.
أول المصابين الفريق المفاوض عن المعارضة في جنيف، المرتبك بعد تبلّغه من وزير الخارجية الأميركي جون كيري مشاركة الأكراد، وفقاً للتفاهم مع روسيا، وتبلغه من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تأكيداً لذلك من جهة، وسقفاً سياسياً لا مكان فيه لهيئة حكم انتقالي بل حكومة في ظلّ رئاسة الرئيس السوري تتولى تثبيت الاستقرار الأمني وقيادة الحرب على الإرهاب تمهيداً للتوافق على دستور جديد والذهاب إلى صناديق الاقتراع لتكوين مؤسسات السلطة من جهة أخرى.
بالتوازي مع الاضطراب في مكانة السعودية كفريق إقليمي موازٍ في صناعة السياسة للموقع الإيراني، بدأت مؤشرات تقدّم مصر لملء المقعد الشاغر إقليمياً الذي لم يعُد ممكناً للسعودية وتركيا ملأه، وجاء التزامن بين إيفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمبعوثه إلى المنطقة معاون وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في زيارة إلى طهران، لمناقشة الأوضاع في سورية عشية انعقاد الجولة الجديدة من المحادثات، مع اتصاله بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتأكيده على التعاون مع مصر في مواجهة الإرهاب في سورية وليبيا واليمن، ليرسم علامات ظهور المثلث الروسي الإيراني المصري كمحور جديد يحظى بالتفاهم مع واشنطن لترتيب شؤون البيت الشرق أوسطي.
الاضطراب والانكفاء في الوضعية السعودية، يربك لبنان أكثر وأكثر مع مؤشرات الضغط المالي الذي يتعرّض له الرئيس سعد الحريري، وخصوصاً مع الأنباء عن شكاوى قضائية في السعودية تتعرّض لها شركته «سعودي أوجيه»، بسبب الامتناع عن الدفع، ودخول الشهر السادس على توقف دفع رواتب موظفي الشركة، ما استدعى سفراً عاجلاً للرئيس سعد الحريري إلى الرياض لترتيب ولو مؤقت للأزمة ومنعها من الانفجار، وفي المقابل حاول الحريري تعويض العجز المالي في مقاربة استحقاق الانتخابات البلدية عبر التسويات مع الخصوم، خصوصاً في طرابلس والبقاع الغربي، تسليماً بتغيّر الظروف وتضعضع أركان الزعامة.
في المقابل، دفع الاضطراب السعودي بعض الأوساط الدولية والإقليمية، إلى توقع ذهاب بعض قادتها إلى خطوات هستيرية انتحارية قد تصل حدّ الاستعداد للتورّط في حرب تشارك فيها «إسرائيل» على قوى المقاومة، فرضيات رآها الخبراء نوعاً من التهويل والحرب النفسية، والتخيّلات التي تصيب مَن يفقدون أسباب القوة.
تخوّف أميركي من حرب إسرائيلية محتملة
فيما تواصل المملكة العربية السعودية هجومها على حزب الله واستصدار مجلس التعاون الخليجي قراراً بتصنيفه على لائحة التنظيمات الإرهابية، ينشغل الأميركيون بالتسريبات «الإسرائيلية» عن حرب مرتقبة على حزب الله. وتؤكد مصادر دبلوماسية نية «إسرائيل» شن حرب على لبنان وتتخوّف المصادر نقلاً عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية تكرار سيناريو عام 2006، الذي سيكون أخطر بكثير. وتشير المصادر إلى «دعم سعودي خليجي لخطوة كهذه في ضوء تحضير الدوائر السعودية لملف عن حزب الله مرفق بشهادات مزورة لتقديمه أمام مجلس الأمن لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، ما يعطي «إسرائيل» الغطاء لمحاربته». ولفتت المصادر إلى «أن الولايات المتحدة لا تستطيع الضغط على «إسرائيل» التي قد تستغلّ فرصة نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما لتوريط الرئيس الجديد كي يعالج تداعيات الحرب بالطريقة «الإسرائيلية»».
في هذا الوقت لم يصدر أي موقف سعودي إيجابي حيال إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني «أن وفداً من السياسيين الإيرانيين قد يزور السعودية قريباً». وتؤكد مصادر مطلعة لـ «البناء» أن «كلام روحاني هو جسّ نبض لطريقة التعاطي السعودية مع المبادرة الإيرانية»، مشيرة إلى «أن حصول الزيارة لا يعني التهدئة على اعتبار أن هناك زيارات سابقة قام بها مسؤولون إيرانيون أبرزهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف لم تخرج بنتائج إيجابية». وتشير المصادر إلى «أن لا تطور على هذا الصعيد في المدى المنظور، ولكن عقد اللقاء سيكون بمثابة مؤشر أن الأمور وضعت على السكة وأن الطرفين على استعداد لبحث المواضيع العالقة، وهذا سينعكس على حلحلة وتهدئة في لبنان، لا سيما أن التصعيد السعودي على إيران وحزب الله هو في سياق متّصل».
باسيل يلتقي الجبير الخميس
وإلى ذلك الحين لا يمكن الحديث عن تليين في الموقف السعودي، فأي بيان رسمي لم يصدر عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يظهر ذلك، وكل ما في الأمر أن وزير البيئة محمد المشنوق لمس خلال لقائه الجبير في جاكرتا أمس، على هامش القمة الإسلامية «أن لا تصعيد سعودي مرتقب وأن التوتر بين لبنان والمملكة بات وراءنا»، وأوضح الجبير، وفق ما جاء في بيان وزعه مكتب وزير البيئة، «أن السلاح الذي تمّ شراؤه من فرنسا بموجب الهبة السعودية سيبقى في عهدة الجيش السعودي»، لافتاً إلى أن «الخطوات التي لجأت إليها المملكة لم تكن تستهدف الحكومة اللبنانية.»
وتوقفت مصادر وزارية عند هذا الكلام، وسألت في حديث لـ«البناء» عما إذا كانت الإجراءات لا تستهدف الحكومة، فلماذا لم تستقبل المملكة الرئيس تمام سلام حتى الساعة، ولماذا تم إلغاء الهبة العسكرية للجيش والقوى الأمنية؟ ولماذا تهديد اللبنانيين الموجودين في الخليج؟». وتابعت لو كانت النيات السعودية صادقة، لكانت اكتفت بتصنيف حزب الله على لائحة الإرهاب كما فعلت في السابق»، مشيرة إلى «أن السعودية لا تريد تسليح الجيش وتتخذ من حزب الله ذريعة لإلغاء المساعدات العسكرية».
إلى ذلك من المتوقع أن يلتقي الجبير يوم الخميس في مصر على هامش قمة وزراء الخارجية العرب وزير الخارجية جبران باسيل. وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «لبنان سيلتزم بروحية البيان الوزاري للحكومة ولن يقف ضد الإجماع العربي».
وقال الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسية رومان نادال في مؤتمره الصحافي أن «فرنسا متمسكة باستقرار لبنان الذي تساهم فيه القوات المسلحة اللبنانية، هذا هو هدف عقد التسليح»، في إشارة إلى عقد «دوناس» الذي موّلته السعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار وأعلنت رغبتها في تسلم الأسلحة التي كانت مرصودة له. وأشار إلى أن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن نايف لباريس كانت مناسبة للتطرق إلى هذا الموضوع ومواصلة الحوار حول الوضع في لبنان.
بري: إلى أين ستأخذ السعودية العالم العربي
وحضرت العلاقات اللبنانية السعودية في لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري والسفير السعودي علي عواض عسيري، وجرى عرض الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة. وأكد بري لعسيري بحسب ما علمت «البناء» «ضرورة أن تتلقف السعودية مدّ اليد الإيرانية التي عبر عنها الرئيس روحاني عندما تحدّث عن إمكانية قيام وفد إيراني بزيارتها، وأن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً زيارة رئيس مجلس الوزراء التركي احمد داوود اوغلو طهران والاتفاق على المسلمات». وأشار بري لعسيري إلى ضرورة إيجاد الحلول للأزمات، فالوضع في المنطقة متفجّر». وشدّد بري على أنه يرفض هذا التشنج الحاصل وأنه سيستمر في لعب دور الإطفائي سواء في الداخل أو بين لبنان والدول الخليجية ولن يكلّ أو يملّ.
ونقل زوار الرئيس بري عنه استغرابه الموقف السعودي، سائلاً «إلى أين ستأخذ السعودية العالم العربي، فبدلاً من أن تكون حاضنة للعرب مهما كانت توجّهاتهم السياسية، فهي الشقيقة التي لها الباع الطويل في العلاقات الجيدة مع كل الدول العربية. لا أدري ماذا يحصل معها اليوم؟». من ناحية أخرى أكد بري، بحسب ما نقل عنه زواره، أنه «مصرّ على الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، فهو ضمانة للاستقرار في لبنان».
توافق بلديّ بين الحريري وكرامي
وفي بيت الوسط، التقى الرئيس سعد الحريري الوزير السابق فيصل كرامي وتمّ البحث في الأوضاع الإقليمية والدولية والمحلية لا سيما استحقاق الانتخابات البلدية. وعلمت «البناء» أن الوزير كرامي يفضل التوافق وتجنّب المعارك الانتخابية في البلديات بفعل الأجواء المتوترة وعدم الاستقرار. ونقلت مصادره أن «اتفاقاً حصل على أن تختار القيادات السياسية المعنية شخص الرئيس ويكون على مسافة واحدة من الجميع ويختار بدوره أعضاء المجلس البلدي، فهناك إصرار على تخفيف التوترات في مختلف المناطق فالشارع «السني» متشنج ويحتاج إلى تنفيس، خصوصاً في طرابلس التي أجمعت قياداتها على إبعاد السياسة عن هذه الانتخابات».
من ناحية أخرى، شدد كرامي على «أن حزب الله هو حزب مقاومة وليس إرهابياً، لكنه في الوقت نفسه يؤكد حرصه على أفضل العلاقات مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية».
إلى ذلك شدد الحريري على أنّ «أي عقد سياسي جديد لن ينفع ما دام فريق لبناني يحمل ما أسماه السلاح غير الشرعي»، مشيراً خلال استقباله وفوداً من البترون وجبيل إلى «أهمية الوصول لتسوية سياسية»، موضحاً أنّ مبادرته لانتخاب رئيس للجمهورية «تأتي في هذا الإطار وأن انتخابه أقرب مما نتصوّر».
ورداً على ما قاله الحريري، أكد عضو تكتل التغيير والإصلاح الوزير السابق سليم جريصاتي لـ»البناء» «أن انتخاب الرئيس يكون في أقرب وقت ممكن إذا ما روعي الميثاق، ولن يكون هناك أي عقد اجتماعي جديد بل تمسك بالميثاق. نحن ننادي بالميثاق ولا شيء غير الميثاق، فإن عاد إليه الحريري انتخبنا رئيساً في 23 آذار وإن ابتعد عنه، فلا يتوهمنّ أحد أننا سوف نذهب معه في رحلة التنكّر للميثاق بل سنتمسك أكثر فأكثر بالميثاق». ولفت إلى «أن كل تحرّك وكل موقف وكل خطوة قد يعلن الجنرال ميشال عون عنها في 14 آذار وفي أي توقيت آخر يرتئيه لن تكون إلا من ضمن الميثاق لوثيقة الوفاق الوطني». وقال جريصاتي «يجب على كل الأطراف السياسية وفي مقدمتهم تيار المستقبل أن يعي أن العبث بالميثاق لن يزيدنا إلا تمسكاً به بدليل أننا لن نرضى برئيس إلا رجلاً تتوافر فيه ومعه شروط الإبقاء على الميثاق وتعزيزه وتزخيمه». وتابع: «نعم لرئيس 23 آذار إن ارتضينا جميعنا الميثاق، وكلما ابتعدنا عن الميثاق نفرت الرئاسة منا جميعاً».
وشدد على «أن المكون المسيحي بلغة كونفدرالية الطوائف هو شريك أساسي في المواقع الدستورية وفي السلطة التشريعية وفي السلطة التنفيذية وقد مضى نهائياً زمن وضع اليد على مقدراته وآماله». وتابع: هلاّ معاً بالحريري إلى جلسة انتخاب الرئيس في 23 آذار، فيجد كل مكون نفسه في رحاب الوطن عبر ممثليه الحقيقيين، وأنت منهم الحريري إن رغبت الميثاق». وختم جريصاتي «لن ينال السأم منا بل سيسأم السأم منا».
النفايات وانعدام الحلول
وفي ملف النفايات، قالت مصادر متابعة لـ»البناء» إلى أنه من المبكر الحديث عن سقوط خيار المطامر، لأن لا بديل له في الوقت الحاضر. ولفتت المصادر إلى «أن البحث مستمر لإقامة المطامر التي حددتها اللجنة الوزارية المكلفة مع المرجعيات السياسية التواصل مع فاعليات المناطق. وعلمت «البناء» من مصادر وزارية سقوط خيار اعتماد مطمر في إقليم الخروب بسبب الرفض الشعبي المطلق لذلك، ومطمر «الكوستابرافا» في خلدة ومطمر برج حمود، رغم إشاعة أجواء إيجابية على هذا الصعيد، مشيرة إلى «أن الوضع يتجه إلى المزيد من تراكم للنفايات وإلى انعدام الحلول».