أردوغان يفتح أفريقيا

علّقت صحيفة «مونيتور» الأميركية على جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة في أفريقيا، واعتبرت تلك الجولة سلسلة في حلقة الاهتمامات التركية المضطرة في أفريقيا.

وقالت الصحيفة في التقرير الذي جاء تحت عنوان: أردوغان يفتح أفريقيا، أن المصالح التركية في أفريقيا ليست بالأمر الجديد، إنما هي امتداد لحلقة متصلة من العلاقات القوية والمثمرة بين أنقرة ودول أفريقيا.

وجاء في التقرير: بالتزامن مع جولة أردوغان الأخيرة في غرب أفريقيا، والتي امتدت من 28 شباط حتى 4 آذار الجاري، بما في ذلك زيارات لساحل العاج وغانا ونيجيريا وغينيا، ظهرت تقارير صحافية تشير إلى أن تركيا سيكون لها وجود عسكري في القرن الاستراتيجي لأفريقيا، في الصومال.

وتابع التقرير: من شأن ذلك التطور أن يجعل تركيا الدولة الأجنبية الخامسة التي يكون لها تواجد عسكري في أفريقيا، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة.

وفقاً للتقارير، ستتعهد تركيا بمهمة تدريب القوات الصومالية لمواجهة حركة الشباب الصومالية الإرهابية التي كانت قد هاجمت السفارة التركية في مقديشو في عام 2013. وفي هذا الصدد، ستقوم تركيا بتوفير التدريب في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

واعتبر التقرير أن مصلحة تركيا في أفريقيا ليست جديدة. فبعدما أعلنت أنقرة عام 2005 «عام أفريقيا»، سرعان ما أصبحت القارة واحدة من الركائز الأساسية للسياسة الخارجية التركية. وشهدت هذه السنة أول زيارة لرئيس الوزراء التركي إلى إثيوبيا وجنوب أفريقيا، ويوم 12 نيسان من ذلك العام، منح الاتحاد الأفريقي تركيا صفة مراقب.

وفي آب 2008، شهدت قمة تركيا ـ أفريقيا حضور ممثلين رفيعي المستوى من 49 دولة أفريقية إلى اسطنبول.

إضافة إلى كونها مؤشراً هاماً على الانفتاح الاقتصادي التركي في أفريقيا، ذكر التقرير أن القمة أفضت أيضاً إلى دعم الأفارقة لانتخاب تركيا عضواً غير دائم في مجلس الأمن 2009/2011 ، مع 51 من أصل 53 دولة أفريقية صوّتت لصالح تركيا.

وفي تشرين الثاني عام 2014، وبعد ستّ سنوات من الاجتماع الأول بين تركيا وأفريقيا، استضافت غينيا الاستوائية تجمعاً مماثلاً في مالابو.

وشهدت هذه السنة حضور الرئيس التركي أردوغان مع زعماء 30 دولة أفريقية لمناقشة مجالات جديدة للشراكة. وأعلن البيان الختامي أنه تمت الموافقة على خطة تنفيذ مشتركة للفترة ما بين 2015/2019. ووفقاً للخطة، فقد تم الاتفاق على إنجاز مشاريع في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة. ومن المقرّر أن يعقد في اسطنبول في 2019 القمة الثالثة.

وفقاً للتقرير، يستمرّ حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا في النمو. وفي عام 2002، بلغ حجم التبادل التجاري بينهما ثلاثة مليارات دولار ويتجاوز الآن 25 مليار دولار سنوياً.

ولدى تركيا اتفاقيات للتعاون الصحي مع 20 دولة أفريقية. وفي ما يتعلق بالتعليم، تبقى المنحة التركية البرنامج الأكثر شعبية بين طلاب الجامعات الأفريقية، مع قيام 29 ألف طالب أفريقي بالحصول على هذه المنحة في عام 2015.

بعد عام 2012، امتدت مصلحة تركيا في أفريقيا لتشمل إلى جانب المساعدات الإنسانية والصحة والتعليم، التعاون العسكري.

على سبيل المثال، وكما أوردت صحيفة «مونيتور» في تشرين الأول عام 2014، أبحرت قوة المهام البحرية «بارباروس» البحرية التركية الساحل الأفريقي بكامله، وزارت 25 ميناء في 24 دولة، بما في ذلك الصومال، 19 منهم للمرّة الأولى. مع هذه المهمة، استخدمت تركيا للمرّة الأولى القوات البحرية كأداة للسياسة الخارجية.

ولكن لماذا تفضل أنقرة هذه التحركات السياسية الخارجية التي أصبحت مجالاً مهماً لتعاون الجهات الثلاث الرئيسة، حزب «العدالة والتنمية» والنخب والجيش؟

أصبحت فتوحات السياسة الخارجية العسكرية الموجهة أداة سياسية محلية كبرى للقادة السياسيين في تركيا ونخب حزب «العدالة والتنمية»، والتي لديها دائرة قومية محافظة.

بالنسبة إلى قطاع من السكان الأتراك الذين يفتخرون بانتسابهم إلى «أمة الجندي»، تتماشى مثل هذه التحركات من قبل تركيا مع شعار حزب «العدالة والتنمية» «من أجل تركيا الكبرى الجديدة».

وعلاوة على ذلك، تسمح مبادرات السياسة الخارجية لحكومة حزب «العدالة والتنمية» بفرصة التقاط الأنفاس من الأزمة السورية، واستمرار الاشتباكات في جنوب شرق البلاد مع الأكراد والنقاش الذي لا نهاية له حول تعديل دستوري لإنشاء نظام رئاسي للحكومة.

واعتبر التقرير أنه ومن خلال إرسال الجيش التركي إلى الخارج، يمكن إحداث تحول تنظيمي. فمن خلال البعثات الدولية، تكتسب القوات المسلحة التركية TSK الخبرة العسكرية القيمة في إنشاء فرق العمل المختلفة والعمليات المشتركة التي تجمع بين عناصر من جيشها والقوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة.

ولدى القوات المسلحة التركية خبرات متراكمة في دعم عمليات حفظ السلام الدولية ومكافحة الإرهاب العالمي والقرصنة البحرية. توفر القوات المسلحة التركية وفرق عمل البعثات الدخل الإضافي مع تشجيع الأفراد العسكريين لتعلم اللغات الأجنبية وتحسين مؤهلات أخرى أو تطويرها للتأهل إلى هذه البعثات.

وبعد عام 2010، بدأت القوات المسلحة التركية في إبداء اهتمام خاص بتوسيع تواجدها الدولي، هادفة إلى التعاون بشكل وثيق مع الجيوش الأخرى وزيادة تواجدها في الساحة العالمية.

وقد وقّعت القوات المسلحة التركية حتى الآن اتفاقيات التعاون العسكري مع 68 دولة، وجارٍ التفاوض على مثل هذه الاتفاقيات مع 41 آخرين. وفي عام 2009، بلغ عدد الأفراد العسكريين الأجانب في تركيا للتدريب والدورات المهنية 1278، وارتفع في عام 2015 بمقدار 270 في المئة، إلى 3355.

وفي عام 2009، كان لتركيا 53 ملحقية عسكرية في الخارج، وفي عام 2014 زاد تواجدهم بنسبة 52 في المئة، إلى 81. كما زادت صادرات الصناعات الدفاعية التركية بنسبة 98 في المئة، من 832 مليون دولار في 2009 حتى 1.65 مليار دولار في عام 2014.

أوضح التقرير أن هذه الأنماط من السياسة الخارجية العسكرية الموجهة توفر لرئاسة الوزراء ووزارات مثل الخارجية والصحة والتعليم فرصاً طويلة الأمد لتحديد المجالات ذات المنفعة المتبادلة للتعاون والتبادل التجاري مع الدول الأخرى. باختصار، يعتبر الوجود العسكري وغيره من أساليب التعاون العسكري أدوات هامة لإنشاء العلاقات الثنائية وتطويرها.

بالطبع، هناك أيضاً فوائد جيو ـ استراتيجية لسياسة خارجية قوية. منذ عام 2015، كانت أنقرة تحت ضغوط سياسية وعسكرية واقتصادية من التحالف الذي تقوده روسيا في أرمينيا وإيران والعراق وسورية.

غير أن تركيا تأمل الآن في تحييد هذه الضغوط من خلال سياسة خارجية قوية. وشهد مستوى تعاونها العسكري ازدياداً مطّرداً في القوقاز، مع جورجيا وأذربيجان في أفريقيا، مع كينيا وإثيوبيا وزنجبار في الخليج، مع قطر وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وفي البلقان، مع مقدونيا وألبانيا وكوسوفو والبوسنة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى