نزوح عربي… وزحف «إسرائيلي»…

سناء أسعد

لن أشبّه النزوح العروبي بالنزوح الجغرافي، رغم أنّ النزوحين يخدمان مشروعاً واحداً هو الزحف «الإسرائيلي» نحو الساحة العربية. ولن أضع هجرة العقول والأدمغة باتجاه معاكس لهجرة القلوب والمبادئ الإنسانية… فالعالم العربي ـ الإسلامي يشهد هجرات متشعبة بكافة أنواعها… فهل هناك من إمكانية لرأب ذلك التصدع الذي يشقِّق أرضية المعسكر العربي؟

وهل يمكن إعادة ترتيب الأمور في خضم هذه الفوضى العارمة الخلاقة باستراتيجية متوازنة مدروسة ضدّ العدو «الإسرائيلي»؟

ذلك التصدع الذي يؤول إلى خطة مُمنهجة تتطلب غياب الضوابط والالتزامات الدقيقة التي بجب أن تحكم العلاقات بين الدول، لا سيما في ما يخصّ الشؤون الداخلية لكلّ دولة بأوجهها وأبعادها وحدودها وخصوصيتها وعموميتها، حيث غابت القيم والمعايير واشتدت المجابهات بشكل علني وبأيديولوجية مطبوخة بسموم العمالة الصهيونية تجاه كلّ من يقاوم العدو «الإسرائيلي»، وكان آخرها تصنيف حزب الله منظمة إرهابية من قبل السعودية وبعض الدول الخاضعة لها تباعاً للعبودية العمياء لشيء اسمه البترول الأسود أو اللعنة النفطية. فهل يمكن القول إنّ هذا التصنيف هو فقط حصيلة ما حققه الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه من انتصارات في الميدان على ما اسموه بـ»الربيع العربي»؟

هذه الحماسة العربانية الحاقدة تؤول إلى مشاريع جدّية تنفذ بجزئيات متتالية على وشك أن تدلو بدلوها العبري دفعة واحدة، فما يجري ليس مجرد مشاجرات عربية تكتفي «إسرائيل» بالتصفيق لها كلّما اتسعت فجوة النزاع وازداد بالتالي عدد الأطراف المتنازعة. فضرورة الوجود «الإسرائيلي» التي أفصح عنها مؤخراً بعض «الزعماء» العرب وضرورة تطبيع العلاقات مع كيان العدو، كشريك إقليمي لا غنى عنه في المنطقة، هو الهدف الذي يحتلّ المرتبة الأولى في صياغة المشاريع الجديدة من حيث طريقة الطرح.

عملية صيد «إسرائيلية» مُحكمة لاصطياد الزعماء العرب وتوظيفهم كأزلام رغبة وطواعية لاغدراً ولا إغفالاً…

فهذه الغريزة العربانية «الإسرائيلة» اتجهت مؤخراً للكشف عن النقاب الذي كان يغطي الحقيقة والذي كان يُخفي توجُّهات ومسار تلك الحروب والذي كان يغطي حقيقة عملية الاشتغال على إشعالها من المحاور والجبهات كافة.

فالحقيقة المفزعة بدأت تتحول إلى كرب مؤلم كئيب، وما يجري لا يوحي أبداً بأنّ المقصود هو توسيع المواجهات من دون فتح اشتباكات أخرى… عملية زحف لوقف زحف آخر…

فالزحف المُتصهين يحاول إيقاف زحف محور المقاومة وتقدّمه وإلغاء وجوده الفعّال في كلّ مكان يتطلب منه أن يكون موجوداً…

إنّ تصنيف مجلس التعاون الخليجي لحزب الله كمنظمة إرهابية هو إحدى ثمار هذا الزحف التي يتوق العدو الصهيوني إلى قطفها منذ أن صار حزب الله قوة رادعة تقلق كيانه وتشكل خطراً على وجوده، أي منذ أن قهرته المقاومة بتحرير الجنوب عام 2000 وفي عدوان 2006. فكيف الآن وقد ازداد حزب الله قوة وخبرة قتالية وعسكرية بعد خوضه معارك ضدّ الإرهاب من داخل الأرض السورية، خصوصاً بعد الهستيريا التي لازمتهم من «فوبيا» الأمونيا منذ أن هدّدهم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأنّ قدرات الحزب تعادل قدرات القنبلة النووية في مفاعيلها… هذا عدا عن أنّ سماحة السيد خرق الصمت العالمي إزاء العدوان السعودي على الشعب اليمني وأطلق صرخة حق مستنكراً ذلك الاعتداء الغاصب السافر لحدود بلد آمن وانتهاك حرمة أراضيه بحجج وذرائع واهية، مستمدّة من فكر وهّابي غاصب…

ما صدر من السعودية ليس بجديد بل هو أمر طبيعي، كخلاصة لإرهابها في حربها ضدّ اليمن وسورية، وخلاصة لعدائها الطائفي الحاقد لإيران، وخلاصة العداء «الإسرائيلي» لحزب الله الذي يقف في وجه السعودية ويتصدّى لسلوكها ومنهجيتها العدائية الغاصبة الوهّابية التي خرقت كلّ القيم والمبادئ الإنسانية، وهذا الموقف اتخذه حزب الله ولا رجوع عنه…

قرار التصنيف هذا لن يغير شيئاً في وضع حزب الله ولا في مسيرته، وماعجز عنه الأسياد لن يستطيع إليه العبد المأمور سبيلاً…

إنّ ما يحصل ما هو إلا نزوح عروبي لبعض الدول العربية، استناداً إلى سياسة النأي والتنويم المغناطيسي وإغفال القضية الفلسطينية، وإثارة النعرات الطائفية وتحويل المعسكر العربي إلى كيانات مُجزأة يكون الكيان «الإسرائيلي» أقواها أمام هذا المدّ «الداعشي» الإرهابي والتدمير الحضاري والإنساني وهتك وتشويه معالم الدين الإسلامي وتحريف الحقائق واستباحة كلّ ما من شانه أن يقف في وجه المشروع الصهيو ـ أميركي…

لكنّ محور المقاومة مع حلفائه سينتصر على الإرهاب بكافة أشكاله دولاً وجماعات وفي كلّ مكان يتطلب وجود المقاومة ستكون موجودة فيه، ولن تؤثر فيها أوهام الوهّابية بطابعها الصهيوني، فالتهديدات والتصريحات الحاقدة لن تجعل من تلك الأوهام حقائق مهما نزحوا ومهما زحفوا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى