هل يخدم مرشح «الأكثرية المسيحية» الحرب الروسية المقدسة؟
يستمهل حزب الله المستعجلين لانتخاب رئيس للجمهورية وإظهار حرص مستجدّ على البلد ضمن مسمّيات مخاطر الفراغ الرئاسي كالرئيس سعد الحريري العائد مؤخراً إلى البلاد ودعواته المكثفة إلى حل الملف الرئاسي بأسرع وقت بإيصال مرشحه النائب سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة فيتحدث عن ارتياح وهدوء لجهة استعداده للتروي في حسم مسألة الرئيس واستنفاد اكبر قدر ممكن من الوقت الكفيل في الوصول إلى أعلى نسبة من الإجماع الداخلي على مرشحه الحالي العماد ميشال عون.
الارتياح الذي يتحدث عنه حزب الله آتٍ من نتائج المعارك في سوريا التي استطاعت حسم تقدم الجيش السوري وحلفائه على الأرض في ابرز النقاط العسكرية والاستراتيجية التي كانت تهدد وحدة الأرض السورية وتأخذ البلاد نحو مخاطر التقسيم أو التفكك بوقوعها بيد الإرهاب لسنوات أو على الأقل كانت مرشحة لتبقى رهينة لفترة أطول مما حصل اليوم بتحريرها، فنبّل والزهراء مثلاً نقطتان بارزتان ورمزيتان من الحرب وهما مثالان عن مناطق بقيت 3 سنوات تحت الحصار كان من الممكن أن تبقى أكثر لولا التقدم السريع والمستجدات التي طرأت على الاستراتيجية القتالية والقرار السوري الرسمي منها في الاستفادة من قوة الحلفاء.
لكن وبالرغم من كل هذا التقدم يدرك حزب الله جيداً، فالارتياح ميدانياً وضمان القوة القتالية القادرة على الحسم المضاعف لم يكن ليتم بهذا الوقت لولا الدخول الروسي المباشر على خط استهداف المسلحين والحركات الجهادية هناك. الجانب السوري الذي كان مطمئناً إلى فكرة حماية النظام قبل الدخول الروسي يدرك أيضاً انه لولا هذا القرار الروسي لكانت المعركة أطول زمنياً وبهذه الحالة يصبح هامش المفاجآت أعلى خصوصاً لجهة الحشد الإرهابي المدعوم بشدة من دول نافذة. الدخول الروسي إذاً أرخى أجواء من الهدوء والطمأنينة لدى حلفاء سوريا فارضاً هالة الحضور غير القابلة للتجاهل فلا المملكة العربية السعودية قادرة على اعتبار المسألة حدثاً عادياً ولا الولايات المتحدة كذلك، وإذا كان على اللاعبين فعل شيء ما فلن يكون إلا خلق صيغة واقعية للتعاطي معه وتقبل ورقة القوة الروسية في المنطقة.
هذه الحرب ليست عادية، بالنسبة لروسيا أيضاً وقد رافقها طابع ايديولوجي وديني فرض سجالاً واسعاً منذ بداية الإعلان عن نيات روسيا التدخل لمكافحة الإرهاب في سوريا، ضمن مخاوف السلطات هناك من ان تكون سوريا بوابة عبور الإرهاب إلى موسكو. هذا الإرهاب الذي تصفه بالإسلام المتطرف. وقد راقبت موسكو عن كثب سلوك المجموعات وهمجيتها في شتى المحطات في ليبيا وإعدامها اثيوبيين مسيحيين إلى استهداف أقباط في مصر وصولاً إلى مسيحيين في سوريا والعراق. وفي هذا الإطار حضرت الكنيسة الروسية الارثوذكسية بشكل وازن في مباركة الحرب وشن روسيا غارات جوية في سوريا، واصفة القتال هناك بـ «معركة مقدسة» وبأن هذا القرار هو قرار مسؤول باستخدام القوة العسكرية لحماية الشعب السوري من المعاناة التي يلحقها بهم الإرهابيون، بطريرك الكنيسة الروسية «كيرل» كان قد تحدث أيضاً عن خطف رجال دين مسيحيين في سوريا وتدمير كنائس وتحضر هنا معاناة اختطاف المطرانين «يوحنا إبراهيم» و»يوسف اليازجي» وحادثة راهبات معلولا.
ساهمت المباركة الكنسية الروسية المترافقة مع أرضية شعبية منسجمة بالأغلب مع سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم تحويل مسألة القتال في سوريا إلى أزمة رأي عام محلية مقلقة، بل على العكس ارتفعت شعبية بوتين في أكثر من استطلاع رأي أجري في هذا الإطار من جهات روسية ودولية. عدم تخطي السلطات الروسية الكنيسة واستخدام موقفها كورقة قوة وتزخيم لفكرة حماية المسيحيين في المنطقة يحتم عليها استكمال المعركة بإظهار نتائج باتت مطلوبة من الجانب الروسي، خصوصاً في ما يتعلق بمصير إثبات دعم حقوق المسيحيين في المنطقة وحماية وجودهم.
وحدها الرئاسة اللبنانية تشكل ترجمة جلية للموقع المسيحي الأول في المنطقة القادر على إثبات عافية وصحة التمثيل المسيحي وضمان موقعهم في شرق أوسط بغالبية إسلامية استطاع التطرف الدخول عبرها إلى بلدان كانت الأكثر أمناً واستقراراً.
المصالحة المسيحية التي أُعلن عنها مؤخراً بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والتي أرفقت بمبادرة مشتركة تعلن العماد ميشال عون مرشحاً رسمياً لأكبر كتلتين مسيحيتين في البلاد شكلت موضع اهتمام المعنيين الإقليميين والدوليين بملف الرئاسة، بينهم روسيا التي تحدثت معلومات عن إمكانية حصول زيارة للعماد عون إليها لبحث ملف الرئاسة. وبغض النظر عن الزيارة بين تأجيل أو تأكيد السؤال المطروح في معرض حساب حظوظ المرشحين الحاليين يأخذ إلى ترجيح اعتبار روسيا فكرة المصالحة المسيحية والترشيح الأكثري الصادر عنها كإجماع بين أكبر قوتين، انسجاماً مع ما يمكن أن تقدمه كمحصلة او نتيجة في حرب مقدسة على الإرهاب تساند فيها الأبرياء عموماً وتحمي وجود المسيحيين وحقوقهم خصوصاً.