أوباما نادم
روزانا رمّال
تقترب إدارة البيت الأبيض الحالية من اختتام عهدها بمحطات أكثر إثارة وجدلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية والعالم. فالأحداث التي عايشها الرئيس الحالي باراك أوباما وأسس لصناعة بعضها تضع عهده في مصاف تلك التي أدخلت بلاده التاريخ كأن يتحدّث أي أميركي عن عهد الرئيس تيودور روزفلت في الحرب الثانية وموقع أميركا ودورها فيه ومواقفها السياسية وفريقها الدبلوماسي أو عن الرئيس تيودور ويلسون في الحرب العالمية الأولى.
يبقى الربيع العربي الحدث الأبرز والتحدّي الأهم في عهد الرئيس أوباما، لكنه لم يكن وحده، فالرئيس الذي جمع بين قدرته على قيادة حركات التحرر والتغيير ونشر الديمقراطية فيه أراد أيضاً إثبات قدرته على إنهاء نزاعات تاريخية وقيادته لمصالحات دولية وعقد معاهدات لم يكن وارداً إقرارها عند قادة قبله مثل أن يوقع معاهدة صلح وإعادة علاقات رسمية مع مَن استعدتهم واشنطن لعقود طويلة، فكانت كوبا واحدة منهم وانفتحت الآفاق بين البلدين بعد 50 سنة من القطيعة، ليضاف إليها توقيع واشنطن مع أبرز دول القارة الأوروبية قرار تفاهم مع إيران قوامه استيعاب حقوق طهران بامتلاك الطاقة النووية بعد عناد أميركي كبير.
مهّد أوباما بطريقة أو بأخرى للشارع الأميركي وأسس لفكرة المصالحات في كل اتجاه ورفع فكرة الإنجازات التاريخية إلى واجهة أجندته الرئاسية، فكان لتوقيع المصالحة مع كوبا تأثير على تمرير وقبول العلاقة مع طهران لدى الرأي العام من دون اعتبارها «تراجعاً» في ما يخص ملفها النووي أو ما يمكن أن يطرأ بعده من جوانب تطبيع للعلاقة بين البلدين.
بغض النظر عن أبعاد هذين القرارين الأميركيين التاريخيين وتقديمهما الموقف الأميركي بطريقة أو بأخرى بالعاجز عن الاستمرار بما كان عليه من سلبية وإغلاق الأبواب أمام الحلول، وقيادة حروب مباشرة وغزوات على غرار غزو أفغانستان والعراق، فإن الأرضية التي أرخياها تكفّلت بكتابة مرحلة جديدة من شكل السياسة الخارجية الأميركية التي سيتسلمها الرئيس المقبل أياً كان، حتى ولو سمح الدستور الأميركي للرئيس المقبل من بوابة صلاحياته القانونية بممارسة فرض أجندته ورؤيته للحلول، لأن الذي أسس له أوباما ادخل واشنطن في معاهدات يتشارك فيها أكثر من طرف فلا يمكن التنصل منها بقرار تغيير إدارة أو كيدية حزبية لا تعترف بها المصلحة الأميركية العليا كأن ينقض الرئيس المقبل الاتفاق مع إيران متجاهلاً مواقف الدول الغربية الكبرى المشاركة.
الربيع العربي الذي أسس للتحول الأميركي وكشف عن ثغرات تعيشها واشنطن منذ عقود، يبقى الأساس في أخذها إلى إعادة النظر بطبيعة علاقتها مع إسرائيل وبطبيعة علاقتها مع إيران وطبيعة علاقتها أيضاً مع حلفائها العرب والرئيس الأكثر حماساً في العالم لنشر الديمقراطية في جزئه العربي يبدو اليوم نادماً على ما اتخذته إدارته من مواقف في ليبيا، بشكل خاص. ندم يشبه إلى حد بعيد مذكرات جورج بوش بعد غزو العراق وفريقه الذي كشف أن الغزو جاء بعد كذبة.
قبل نهاية عهده يكشف أوباما عن خطأ إدارته ويعيد النظر بحساباته فيقول لصحيفة «نيويورك تايمز» إن دعمه للحلف الأطلسي في تدخله العسكري في ليبيا كان خطأ وإن «دعم التدخل في ليبيا نتج جزئياً عن اعتقادنا المغلوط بأن بريطانيا وفرنسا ستتحمّلان المزيد من عبء العملية».
يكشف أوباما عن انتكاسة في حساباته، لكنه من حيث لا يشعر يضع نفسه أمام حقيقة تموضعه إلى جانب الموقف الروسي في خطيئة الموافقة على التدخل العسكري في ليبيا أيضاً، ما يأخذ إلى اعتبار بديهي أن أي تدخل أميركي أو أطلسي في سوريا ألغي من دون رجعة في الحساب الأميركي.
تضيف الصحيفة أن «حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في الخليج يتطلعون إلى جرّ واشنطن إلى صراعات طائفية طاحنة، فيوضح أوباما أن مصالح بلاده تقتضي خروجها من الصراعات الدموية في الشرق الأوسط».
رسالة واضحة وصلت للسعوديين بهذا الإطار وأن الانكفاء الأميركي عن التصعيد هو المنطق الذي سيسود حتى نهاية العهد الحالي وأن أي انتظار لمساعدة أميركية على مزيد من التورط إن كان في سوريا أو اليمن أو لبنان غير وارد أبداً.
الاقتراب الأميركي من النظرية الروسية يزداد كل يوم واجتماعات لافروف – كيري تزداد إنتاجية ايضاً في اشهر حاسمة يبدو أنها ستحمل نشاطاً زائداً للتوصل لبوادر حلول للازمة السورية. وفي هذا الإطار يدعو الوزيران بشكل لافت إلى ضرورة تفعيل التنسيق بين العسكريين الروس والأميركيين دعماً لتطبيق شروط الهدنة كاشفين عن بوادر إجراء المفاوضات المرتقبة في جنيف بضمان مصالح جميع المكونات القومية والطائفية للمجتمع المحلي. إذ من المؤكد أن روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على إلغاء فرضية التقسيم نهائياً أيضاً.
بدوره المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديميستورا يتحدث عن حظوظ هي الأعلى منذ أي وقت مضى للتوصل لتسوية للأزمة السورية.
ندم أوباما وسباقه مع استحقاق الانتخابات وسعيه لإنهاء عهده بإنجاز يضاف إلى ما سبق سيحرك الملفات والحسابات الإقليمية بشكل سريع في الأشهر القليلة المقبلة، وربما تظهر واشنطن فيها الأكثر حرصاً على استئصال الإرهاب في شمال سوريا والرقة، ومن غير المستبعد صرف دعوات التنسيق العسكري بين موسكو وواشنطن ضمن هذا الإطار أما لبنان وبالتوازي مع سوريا واليمن فعلى موعد مع حركة حلول سياسية يفرج فيها عن الرئاسة أقرب من أي وقت مضى على طريقة ديميستورا.