نقاط اتفاق واختلاف مع طاهر المصري
محمد شريف الجيوسي
خلال مقابلة له مع قناة سكاي نيوز ـ عربي الأسبوع الماضي تحدث رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، بمفردات ومعان ومضامين مختلفة صريحة، وإن كانت بميزان دقيق وحذر ينمّ عن فهم ووعي لدقة المرحلة والتزامات المواقع التي تقلدها على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
فعندما يلمِّح المصري أو يُصرِّح بوجود خلايا إرهابية على الأرض الأردنية، ويقرُّ بأنّ وجود أردنيين في صفوف «داعش» عمل غير مرغوب وأنّ من الضروري محاربة الإرهاب بمجمله، وليس «داعش» فقط وأنّ الانتماء إلى التنظيم المذكور ليس مبعثه اعتبارات عقائدية وإنما اقتصادية معيشية وإحباطات، وأنّ الأردنيين يخشون الانغلاق الفكري والديني والتطرف، وأنّ إرهاب «داعش» يمسُّنا ويمسُّ معتقداتنا، ومصلحتنا محاربته، فإنّ ذلك يعني الكثير شعبياً ورسمياً معاً، وإن كان المصري خارج أي موقع رسمي الآن.
وعندما يقول المصري، وإن كانت له ملاحظات معروفة حول سورية ألمح إليها من دون تصريح، إن لا مصلحة للأردن في الدخول في حرب برية في سورية، وإن أعرب عن اعتقاده بأنه لا توجد ترتيبات أردنية لدخولها من دون أن يجزم ذلك، وفي آن قوله إنّ الحرب على الإرهاب ينبغي أن لا تقتصر على «داعش» وأنه لا مصلحة للأردن في التورط في المستنقع السوري، فإنه يوجه بذلك رسالة قوية، ليس من باب انحياز لسورية ولكن من باب المصلحة الأردنية، فعملية إربد بحسبه وكما هي الحقيقة، أظهرت أنّ هناك تنظيماً خطيراً يحضِّر ويخطِّط لمهمّات معينة، ولديه أسلحة كثيرة.
أعاد المصري بكلامه إلى الأذهان حقيقة أنّ الأردنيين يخشون من المتطرفين الذين يدّعون الانتماء للإسلام، ويخشون أيضاً مما يدور في دول الجوار من صراعات طائفية واقتتال وإرهاب ومن تفسُّخ الأمة العربية وحالة الانغلاق الفكري والديني ومن نفوذ بعض الدول الإقليمية في المنطقة، لكنّ خشيتهم من الإرهاب وانتماءهم الوطني للدولة الأردنية الذي تجلى في أحداث إربد الأخيرة والاستعدادات الأمنية المتميزة المناسبة، لا يمنعان حدوث اختراقات وإن بنسبة قليلة، جرّاء أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، خاصة إذا تزامنت مع قمع للحريات وهذه الفكرة لم ترد في لقاء المصري على القناة المذكورة.
هذه الاختراقات للمجتمع الأردني غير الصديق للإرهاب، ليست عقائدية بحسب المصري، وإن كنت أعتقد أنّ لها بطانات حاضنة إسلاموية سلفية جهادية وإخونية ووهّابية، لكنّ المنصرفين إلى الانخراط في العصابات الإرهابية هم غالباً، إلى جانب خلفياتهم الإسلاموية، من بيئات مدقعة، ونادراً ما تجد بينهم ثرياً أو في مرحلة متقدمة من العلم.
إنّ منابر وخطباء مساجد وجمعيات «خيرية» تابعة لجماعات إسلاموية، ومناهج التربية والتعليم، وعقود من التحالف بين النظام الرسمي الأردني ومعظم رموز وهيئات تلك الجماعات، خلقت إمكانات اقتصادية وثقافية مؤسسية وبيئات حاضنة للإرهاب، على أنّ الإسلام الذي تتحدث عنه التنظيمات التكفيرية هو الإسلام الذي ينبغي أن يتبع، وحيث لا جهاداً حقيقياً باتجاه القدس، وقد توجّه حملةُ هذا الفكر إلى الإرهاب، وجرى استغلالهم إقليمياً ودولياً، على نحو مذهبي وطائفي وإثني، وظنّ البعض، أنهم سيتسيّدون به المنطقة، عبر تحالفات غير شريفة ولا بعيدة النظر، فغاصوا في مستنقع الإرهاب وأُنفقت تريليونات الدولارات في غير ساحة، ولم يحصد داعمو الإرهاب في النهاية شيئاً، ويبدو أنّ الأمر سيستغرق أكثر، وسيصيبهم بعض ما صنعوا، وصولاً إلى سقوطهم.
لم يقترب المصري من الحلول السياسية صراحة بمواجهة الإرهاب وجماعاته، وإنما ركز على الاقتصاد، لكنه طالب بأن يكون الإصلاح في الداخل موزوناً وسائراً في الاتجاه الصحيح، وموازياً للقوة الأمنية، وفي هذه المفردات الموجزة ربما عنى المصري الإصلاح السياسي أيضاً مُعبِّراً عنه بمفردات مُلطّفة، في حين مرَ مرور الكرام حول نشأة «داعش»، وكانه لم يُرد التورط في تحديد صانعيها، بقوله: «لا أحد يعرف بدايات «داعش»، ورغم أنّ العالم كله يسعى إلى التحالف لمقاتلته ويتفق على ذلك، لا يزال هذا التنظيم يتنقّل على الأرض… هناك شيء ما غامض في داعش، ولا أستطيع أن أتهم أحداً».
وفي تقديرنا، فإنّ المصري يعلم من خلق وصنّع «داعش» ومن هو المستفيد الأول من وجوده، رغم مزاعم التحالف الأميركي الدولي بأنه قام للإجهاز عليه.
نتفق مع المصري على أنّ محاربة الإرهاب أمر ضروري، وأنّ إرهاب «داعش» يمسُّنا ويمسّ معتقداتنا وأنّ مصلحتنا في محاربته، ونتفق معه على أنّ الأوضاع المعيشية السيئة تهيئ ظروفاً مناسبة للدخول في العصابات الإرهابية، لكنّ ذلك ليس كلّ شيء، كما أشرنا،
لأنّ يقظة الجيش العربي الأردني والأجهزة الأمنية عامل مهم جداً في تحصين الأردن من الإرهاب من كلّ ما ومن قد يعكر أمنه واستقراره.
وأرى أنه لا بدّ أيضاً من إعادة النظر في النهج الاقتصادي للدولة والأحوال المعيشية للناس، بدءاً من محاربة الهدر والفساد والتفاوت الطبقي، والنظر في التحرُّر من وصفات البنك وصندوق النقد الدولي ومن الخصخصة التي قادت البلد إلى أدنى درجات الاستقلال الاقتصادي ورهنت بالتالي القرار السياسي لمن يُمسك بخناق القرار الاقتصادي.
لا بدّ من استثمار ثروات البلاد التعدينية لصالح البلد، كما ينبغي التوجه الحثيث لمصادر الطاقة البديلة والعودة إلى الزراعة بكلّ أشكالها وتخصصاتها وفروعها المساعدة ودعمها بكلّ أشكال الدعم وتحقيق تطور حقيقي للسياحة العلاجية والدينية والتاريخية من دون محاذير وبعيداً من الاستغلال والتبعية.
ولا بدّ أيضاً، من فتح علاقات وأسواق وصداقات وتحالفات جديدة تتيح للأردن أن لا يضع بيوضه في سلة واحدة أو في سلال متماثلة، ما يتيح له بالتالي استقلالية القرارين الاقتصادي والسياسي.
من الضروري، الاستماع إلى وجهات نظر ومطالبات القوى السياسية القومية واليسارية، والتي لم تُجرّب لمرة واحدة طيلة عقود، والعمل بوجهات نظرها في السياسة والاقتصاد، فيما تحول قوانين الانتخاب المتعاقبة وتفاصيلها من دون وصولها للحكم.
إنّ انتهاج الأردن الرسمي سياسة حوارية منفتحة على الحريات العامة والأحزاب الوطنية والقومية واليسارية، ومساعدتها على الانتشار، سيحصِّن الأردن من الأفكار التكفيرية والإرهاب والظلامية والتطرف والدم، وسيجنّبه أي أنحراف نحو بوصلات تدميرية تخريبية.
ويقف الشعب الأردني على جاهزية كبيرة في أغلبه لدعم دولته في مواجهة الإرهاب وفي وجه أي جماعة أو عصابة ظلامية تزعم أنها الجهة الإسلامية التي تقرر اتجاه البوصلة، وتجنيبه مغبّة التورُّط خارج حدوده سواء في سورية أو العراق أو اليمن أو البحرين أو سواها…
لكنّ هذا الشعب الذي يقف مع دولته، يستحقّ حياة أفضل اقتصادياً وسياسياً، حينها لن نجد في صفوفه إرهابياً أو تكفيرياً أو ظلامياً أو مُضلَّلاً، ولن تستطيع جهة ما أن تفرض على الأردن أجندتها، سواء في الداخل أو على صعيد علاقاته مع سورية أو العراق أو فلسطين أو سواها.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk