من دمشق إلى صنعاء أوباما أسقط الحلفاء
ناديا شحادة
مَن يتابع التطورات التي تشهدها الحرب اليمنية والحرب السورية والتحركات الدولية الأخيرة تجاه الملفين يدرك أن هناك تطورات كبيرة على الساحتين تجاه الحلول السياسية، فبعد عرقلة المسار السياسي في كل من البلدين من قبل الدول الداعمة والمسبب الرئيسي في إشعالها، باتت الآن تلك الدول تبحث عن حلول تحفظ ماء وجهها بعد فشلها عسكرياً في تحقيق الأهداف التي شنت من أجلها الحروب، فالرياض التي أعلنت حربها المباشرة على اليمن لمحاربة جماعة أنصار الله وتحجيمها، وبعد مرور ما يقارب عاماً على عاصفة الحزم من دون تحقيق أي من النتائج التي انطلقت من أجلها، وبات قصف طيرانها أهدافاً مدنية يعطي نتائج عكسية محلياً ودولياً، بدأت تتخلى عن عنادها وعن الكثير من شروطها السابقة، وقدّمت تنازلاً وسعت إلى التفاوض وجهاً لوجه مع جماعة أنصار الله، التي كانت ترفض الاعتراف بهم كقوة سياسية يمنية وتعارض التفاوض معهم مباشرة، وتصر على أن يكون أي تفاوض مع عبد ربه منصور هادي، ولكن الأمور تغيرت بعد أن صدمت المملكة بصمود الشعب اليمني وقدرة الجيش واللجان الشعبية على إلحاق الخسائر بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية.
السعودية بقبولها التفاوض مع وفد حوثي للوصول إلى التهدئة يعني اعترافها بالحوثيين كقوة رئيسية في الساحة اليمنية واقتناعها بأن الحل العسكري في اليمن غير ممكن إن لم يكن مستحيلاً، وأنها وصلت إلى طريق مسدود بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومدن كبرى وسط اليمن، فسعت إلى التفاوض معهم وتبادل أسرى مع الحوثيين، حيث ورد في بيان سعودي أن الهدوء يسود المنطقة الحدودية في مؤشر لإمكانية إحراز تقدم في المساعي لإنهاء القتال، كما جاء في البيان أن وسطاء عشائريين قاموا بتسهيل صفقة تبادل الأسرى التي أطلق بموجبها سراح سبعة يمنيين مقابل إطلاق سراح ضابط سعودي برتبة ملازم كان في قبضة الحوثيين.
وتزامناً مع قبول الرياض التفاوض مع جماعات أنصار الله للتوصل لحل سياسي في اليمن، شهدنا تطورات تتعلق بالساحة السورية، فنجاح هدنة وقف العمليات العدائية التي خططت لها موسكو وواشنطن ثم وثقها مجلس الأمن التي بدأت في السابع والعشرين من الشهر الماضي، واستمرارها رغم بعض الخروق التي سجلت والتي لم تمنع وصف الحالة بالصمود ما دفع غالبية المراقبين الدوليين إلى الترحيب بالهدوء النسبي الذي ساد حتى الآن غالبية الأراضي السورية. هذه الهدنة التي تزامنت مع الجهود السياسية الدولية بهدف تفعيل جدول أعمال جولة محادثات السلام بجنيف في التاسع من الشهر الحالي، ومع تفاهم بين القوتين الأميركية والروسية حول تسوية للأزمة السورية جرى التوصل إليها أثناء اللقاءات المكثفة بين وزيري خارجية البلدين جون كيري وسيرغي لافروف والتي كان آخرها الاتصال الذي جرى بينهما في العاشر من الشهر الجاري وبحثا سبل تسوية الأزمة السورية وتبادلا الآراء حول تقييم تنفيذ اتفاق وقف القتال وأكدا ضرورة تفعيل التنسيق العسكري بين موسكو وواشنطن في سورية، وتناولا دعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن وبدء مفاوضات حول تسوية الأزمة في البلاد بطرق سياسية، حسب البيان الصادر من وزارة الخارجية الروسية.
يؤكد الخبراء الاستراتيجيون أن الحراك السياسي الأخير الذي أظهر محاولة واشنطن بلورة موقف مشترك مع موسكو حول ملفات المنطقة، منها محاربة الإرهاب والحلول السياسية لكل من سورية واليمن والذي سيؤدي إلى تفعيل التنسيق بين العسكريين الروس والأميركيين دعماً لشروط الهدنة، سيؤدي كذلك إلى زيادة التعاون لمكافحة الإرهاب وذلك من خلال استهداف جبهة النصرة وكذلك تنظيم داعش المستهدفَين من القوى المحلية والإقليمية والدولية تحت غطاء الهدنة، ليتلقى بذلك السعوديون الذين ما فتئوا يراهنون على تغيير في الموقف الأميركي، وعلّقوا آمالهم على حصول افتراق أكبر في المصالح بين واشنطن وموسكو في المرحلة الراهنة، تلقوا الإشارات الصادرة من اجتماعات كيري ولافروف بعدم التصعيد، وإنما السير باتجاه مزيد من التنسيق الروسي الأميركي للحلول السياسية، ما جعل السعودية تتراجع وتفهم رسائل واشنطن وموسكو، وبالذات بعد عدم قدرتها على الحسم العسكري في اليمن وسورية، وتخلي الحلفاء عنها بداية من تركيا التي اتجهت نحو إيران لكسب الود الإيراني لجهة الخلاص من أزمتها المالية الخانقة وصولاً إلى أوباما الذي نسف كل ما كانت تحلم به الرياض في تصريحاته لصحيفة «ذي اتلانتيك» في العاشر من الشهر الحالي التي قال فيها إن حلفاء أميركا في الخليج سعوا إلى جر واشنطن لصراعات طائفية طاحنة لا مصلحة لأميركا فيها.