هل تغزو السعودية وتركيا سورية؟

استبعد تقرير نشره موقع «thepeoplesvoice» في وقت سابق أن تقوم المملكة العربية السعودية وتركيا بتحرك عسكري في سورية التي تشهد حرباً تدور رحاها منذ خمس سنوات. ورجح التقرير أن تقف العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والاجتماعية عائقاً أمام أيّ مغامرة عسكرية للرياض وأنقرة، اللتان كانت قد لمّحتا في وقت سابق إلى القيام بتدخل برّي في سورية.

كانت السعودية قد أشارت إلى احتمالية أن تتدخل عسكرياً في سورية، في حال قرر التحالف الدولي لمواجهة تنظيم «داعش» مشاركة السعودية في عمليات عسكرية ضدّ التنظيم في سورية، بل قامت بنشر طائرات عسكرية سعودية في قاعدة إنجرليك التركية.

وقال التقرير إنه منذ بداية السنة الجديدة، كانت هناك تكهنات كثيرة في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية تشير إلى أن السعودية وتركيا ستتدخلان مباشرة في الحرب في سورية.

كل أسبوع كانت هناك تهديدات ومطالب من السعودية وتركيا. وفي الوقت نفسه، شهدت العمليات العسكرية في سورية معدلات متزايدة لمشاركة القوات المسلحة السورية في سورية.

وأضاف التقرير أن السعودية وتركيا انتابتهما صدمة إزاء سلسلة من الهزائم التي عانت منها قوات «المعارضة السنّية» الموالية لهما على أيدي قوات الجيش النظامي السوري وحلفائه.

هذا الحسّ من الفزع والغضب حيال هزائم «المعارضة المعتدلة» التي تمثل نحو سبعة وخمسين مجموعة من التنظيمات السنية والجهادية، كان العامل الحاسم الذي دفع الولايات المتحدة للموافقة على الاتفاق على وقف لإطلاق النار بالتعاون مع روسيا.

تأمل كل من تركيا والسعودية بلا شك في أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يُبقي بعض القوات الموالية لهما في أرض المعركة، وأن يكونا على استعداد لحمل السلاح ضدّ قوات الأسد في المستقبل.

في الفترة التي سبقت وقف الأعمال العدائية في أواخر شباط الماضي، أعلنت السعودية وتركيا عن سلسلة من التهديدات الصريحة لتدخلهما المباشر وغزو سورية من الشمال. كما أرسل السعوديون طائرات عسكرية إلى تركيا التي حشدت قواتها المسلحة على حدودها مع سورية، بحسب التقرير.

غير أن التقرير أشار إلى معوقات قد تقف حائلاً أمام التدخل التركي ـ السعودي، فالموقف التركي الحالي يبدو صعباً بالنسبة إلى الرئيس التركي الذي يسعى جاهداً إلى دعم موقفه في تركيا، إذ تتعامل حكومته مع الأزمة الاقتصادية المتنامية التي خفضت مستوى المعيشة لدى الأتراك. ويمثل الانهيار في قيمة الليرة التركية دليلاً على هشاشة الاقتصاد.

كما أن العمليات العسكرية التركية ضدّ الأكراد في جنوب شرق تركيا، جنباً إلى جنب مع آثار العقوبات الروسية ضدّ السياحة والزراعة والمنسوجات، والتي يتوقع أن تسبب خسائر قيمتها أكثر من 12 مليار دولار سنوياً، قوضت الاقتصاد الهش على نحو متزايد.

بات على أردوغان أن يتعامل مع ضعف النمو الاقتصادي، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، والعجز الكبير في الحساب الجاري وارتفاع معدلات البطالة، وقد أدت هذه المشاكل الجيوسياسية والاقتصادية لتضخم القروض المتعثرة للبنوك في تركيا، وزادت القروض المتعثرة للبنوك في تركيا لمدة ستة أشهر متتالية.

هذه المشاكل الاقتصادية جزء من تبعات تدخلات السياسة الخارجية المتهورة لأردوغان على نحو متزايد، بحسب ما ذكره التقرير.

بالمثل، فقد بات النظام الملكي بالسعودية أمام تحدّ صعب، خصوصاً في ظل أوضاع اقتصادية ليست جيدة ولم تشهدها المملكة من قبل، فضلاً عن زيادة الاضطرابات في أوساط الشيعة، ناهيك عن التهديد الوجودي الذي يمثله ما يسمى بـ«الهلال الشيعي» الذي يتكون من إيران والعراق وسورية ولبنان والحوثيين في اليمن.

التقرير ذكر أن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، والذي حرر أكثر من 100 مليار دولار لدولة ولاية الفقيه الشيعية لمتابعة الصفقات العسكرية مع روسيا، كان مصدر قلق للمملكة السنّية. وكانت مشتريات إيران من نظام الدفاع الجوي «S300» بقيمة مليار دولار مجرد بداية، ومن المتوقع أن توقع طهران صفقات تبلغ قيمتها أكثر من 8 مليارات دولار مع روسيا هذه السنة.

محور تركيا والسعودية طالب الولايات المتحدة أن تكف عن تقديم الدعم للأكراد في شمال سورية. ويجري تصوير نشر الطائرات الحربية السعودية والقوات في تركيا كجزء من التحضير لغزو شمال سورية، وهو تحرك تهدف من خلاله كلتا الدولتين إلى تحقيق أمرين:

أولاً: وقف تقدم وحدات الشعب الكردية نحو إغلاق ممر جرابلس الذي من شأنه أن يمنحهما السيطرة على الجانب السوري من الحدود مع تركيا. وهو ما يعتبر تهديداً خطيراً لأنقرة التي تخشى من أن يشجع ذلك أكراد تركيا في جنوب شرق البلاد.

ثانياً: لدعم صفوف تنظيم «جبهة النصرة» وعدد لا يحصى من الجماعات الجهادية الأخرى التي تعاني في ظل الهجمات التي يقوم بها الجيش السوري وحلفاء روسيا في شمال سورية ووسطها.

ما مدى واقعية احتمال غزو سعودي تركي لسورية؟

من جهة، فإن تركيا والسعودية ليستا على استعداد لرؤية قوات «المعارضة» تعاني على أرض الواقع هزيمة مخزية، نظراً إلى أن ذلك يمثل إحراجاً عسكرياً وسياسياً كبيراً بالنسبة إليهما، خصوصاً في ظل الدعم الكبير المالي السياسي والعسكري الذي بذلاه لدعم وتسليح قوات «المعارضة السنّية».

كما تخشى السعودية أيضاً من أن تعزّز هزيمة قوات «المعارضة» من نفوذ خصمها الأول في المنطقة، إيران وزيادة نفوذ ما يسمى الهلال الشيعي في الشرق الأوسط.

ولكن الوجود الروسي العسكري الكبير في سورية، والذي يرافقه تكنولوجيا متقدمة وفعالية على أرض المعركة، هو عامل حاسم في كبح جماح أي غزو سعودي وتركي لسورية.

ليس هناك شك في أن قوات النظام السوري تتحصن بواسطة نظام قوي للدفاع الجوي والأجهزة الروسية الأكثر تقدماً مثل الدبابة «T-90» وطائرة «SU-35» الحربية.

الدعم الأميركي للأكراد، وعدم رغبة واشنطن في الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع روسيا، أيضاً من العوامل الرئيسة التي تحجم السعوديين والأتراك، وفقاً للتقرير.

ومن غير المرجح أن ترغب السعودية في الانخراط في معترك عسكري آخر، إلى جانب اليمن التي تقود فيها تحالفاً عربياً يستهدف قوات الحوثيين المدعومة من إيران، والتي سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء السنة الماضية.

كما أن هناك مشكلات اقتصادية تدفع السعودية للتفكير أكثر من مرة قبل خوض مغامرة جديدة في سورية.

بسبب الانخفاضات التي طاولت أسعار النفط الذي يشكل 90 في المئة من دخل السعودية، بدأت المملكة في خفض الدعم الحكومي، خاصة وأن المملكة كانت قد عانت من عجز في ميزانية السنة الماضية بلغ 98 مليار دولار. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة.

وشرع النظام السعودي في تبنّي سلسلة من التدابير، بما في ذلك الضرائب التي أدخلت للمرة الأولى، وخفض الدعم للمياه والكهرباء والبنزين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى