14 آذار.. حالة الشتات
هتاف دهام
يستذكر قطب بارز في 14 آذار قَسَم النائب الراحل جبران تويني أمام مئات الآلاف في تظاهرة ثورة الأرز المليونية في 14 آذار 2005 في ساحة الشهداء «نُقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحّدين إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم»، ويترحّم القطب نفسه في الذكرى الـ11 لانطلاق ثورة الأرز على السنوات الأولى من عمر ما أسماه الانتفاضة التي نشأت بموازاة تحالف 8 آذار 2005 الذي رفع شعاراً «شكراً سورية».
أين أصبحت هذه الحركة مع خروج التيار الوطني الحر الذي شارك في التظاهرة الأولى الشهيرة، وكان شريكاً بالشعارات المرفوعة، رغم أنه في الجوهر لم يكن يوماً في صلب هذا الفريق ففي 6 شباط 2006 ذهب إلى توقيع تفاهم مار مخايل مع حزب الله؟ وهل حققت هذه الانتفاضة، التي جَهَر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بانسحابه منها في عام 2009، أهدافها؟ وأين أخفقت وما الذي يجعلها تستمر مع اندلاع الحرب الرئاسية بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل على اسم المرشح؟
تسمح هذه الذكرى اليوم، بالوصول لخلاصة واحدة من دون التباسات. إن هذه المناسبة التي تحمل المعنى السياسي، رغم رمزية 14 شباط المعنوية، قد تبخّرت. لم تحتفل مكوّنات 14 آذار بذكرى انطلاقتها، رغم وجود رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في بيروت هذا العام، وإن كان يُراد منه أن يحدّد فارقاً نوعياً بين ما قبلها وما بعدها، لكن إقامته لم تبدّل في واقع العلاقة المتوترة بين الأعضاء.
لم يُنظَّم احتفال شعبي ضخم وسط العاصمة بيروت، ولم يُحي هذا الفريق مناسبة 14 آذار في القاعات أو الصالات المغلقة، اكتفى بإطلالات فردية، فوجّه رئيس حزب القوات سمير جعجع رسالة من معراب «أن الأزمة داخل ١٤ آذار ليست جوهرية، إنما مرحلية خرجت إلى العلن مع الانتخابات الرئاسية وستذهب معها إذا لم يكن قبلها. ومنسق الأمانة العامة النائب السابق فارس سعيد، الذي لا يجد أحداً ينسق معه داخلها، كرّر معزوفته حول سلاح المقاومة، معتبراً أن مقايضـة الاسـتقرار بالسـلاح غير الشرعي تعطّل الدولة أما وزير العدل المستقيل أشرف ريفي الذي، ينافس الرئيس سعد الحريري على الزعامة «السنية»، في التيار الأزرق، برأيه أن «14 آذار ليست بحالة صحية سليمة جداً، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نستسلم ونترك البلد لدويلة مشروع غير لبناني».
تعيش ثورة الأرز، كما يؤكد القطب السياسي نفسه لـ«البناء»، حالة من الفوضى والتشتت والانقسام ظهرت في كانون الثاني الماضي في مواجهة المنابر بين بيت الوسط ومعراب. ورغم الأحداث التي استجدت بترشيح رئيس تيار المستقبل للوزير سليمان فرنجية مكوّن أساسي في 8 آذار لرئاسة الجمهورية، وإعلان رئيس حزب القوات دعم ترشيح الجنرال ميشال عون الحليف الاستراتيجي لهذا الفريق لم ينجح أفرقاء هذه الثورة في ترميم ما تصدّع، والهدف الرئاسي الذي جُمع لأجله هذا التجمّع بترشيح جعجع هو اليوم سبب تشتته وتخبّطه.
يفتقد هذا الفريق، كما يقول القطب السياسي الاهتمام الغربي لا سيما الاميركي والفرنسي أكثر من أي وقت مضى، واللحظة السياسية المحلية والإقليمية التي كانت تسمح في الماضي لرئيس الولايات المتحدة أن يستقبل رؤساء الأحزاب المنضوية تحت شعار ثورة الأرز باتت غير موجودة، والدخول الروسي المستجدّ في 30 أيلول العام الماضي شكّل خرقاً نوعياً ألقى بتداعياته ليس فقط على أحداث المنطقة بل تسرب إلى الميدان السياسي اللبناني، والرئيس السوري بشار الاسد الذي شكل منذ اللحظة الأولى في 14 شباط 2005 عنصر الجمع الخفيّ الذي وحّد كل هذه التناقضات على منبر وسط بيروت ذلك اليوم، هو الآن على الأقل في أفضل أيامه في السنوات الخمس من عمر الأزمة التي تعصف ببلاده، وحزب الله الذي يجتمع صقور هذا الفريق على انتقاده داخلياً بعدم تفويتهم فرصة للتصويب عليه بالتعاون مع المملكة العربية السعودية أصبح يشكل بدوره الكبير في محاربة الإرهاب في سورية، وما هو أبعد من سورية، الفارق الأساس لموازين القوى التي تحكم البلد.
تعيش 14 آذار حالة موت سريري، وأقطاب هذا الفريق الأساسيون يريدون الاحتفاظ بالشعارات وبادعاء استمرار المشروع، رغم أن هذه الذكرى لم تعد سوى يافطة، وحالة من الشعر والسوريالية التي يسهل التغني بها، وهي تعبئة فراغ المفردات السياسية لفريق يعيش حالة شتات لم يتعرّض لمثلها منذ 11 عاماً.