حزب الله يحذّر من الحرب النفسية
روزانا رمّال
في لحظة انسحاب القوات الروسية من سورية تستغل القوى الجهادية التكفيرية في سورية الفرصة لبث الرهاب بين صفوف السوريين، موحية بما يشي بأن روسيا تركت الساحة خالية من أي رادع بوجه هؤلاء وأنهم عائدون بزخم الى ملعب العمليات الامنية الكبرى، على غرار تلك التي رافقت بدايات الازمة. وبهذا الإطار أعلنت جبهة النصرة عن نيتها القيام بعمليات في سورية خلال 48 ساعة.
اعتمد داعش بشكل خاص على الحرب النفسية أكثر من مرة ومعه فصائل تكفيرية مشابهة مثل النصرة، وقد اظهر ذلك في شتى أساليب القتال وأنواعه في معرض ترويجه لقدراته على الانتقام بما لا يتصوره منطق، فكان في ليبيا مشهد ذبح أثيوبيين على شاطئ البحر وحرق لطيار اردني وهو حي وإغراق وتقطيع وصلب وقطع رؤوس وعرض اعضاء لتجار توالوا على الإمعان في تغذيتها على طريقتهم.
حزب الله يدرك مخاطر مثل هذه الحرب التي تتقاطع فيها المجموعات الجهادية مع «إسرائيل» التي خبرها الحزب في معرض استهدافها لتجمعات تحوي معظمها اطفالاً او نساء لزيادة الرهاب في صفوف كل من يحاول مقاومتها، بالإضافة الى بث هالة من الخوف بصفوف سكان المنطقة التي يجب عليها أن تتّعظ من تجربة لبنان وفلسطين دائماً في نظر «الإسرائيليين» وعدم التفكير بالوقوف بوجه الرغبات «الإسرائيلية» ومنطقها.
الحرب النفسية وهالة داعش والنصرة وغيرها التي عايشتها شعوب المنطقة أدتا في كثير من المحطات الى حدوث خيانات أودت الى تسليم مراكز عسكرية الى تلك المجموعات حتى سقطت محافظات عراقية وبعض المناطق السورية بيدها في محطات شابها الكثير من اللغط والمفاجآت من ردة فعل سكان المناطق التي دخلها الارهاب ومعظمها سكان عزل ومن تسليم بعض القوى الأمنية لمراكزها والهرب. الحرب النفسية تشكل نصف الحروب في العقائد العسكرية الغربية وكثيرة هي مدارس التأهيل العسكري التي تعمد إلى التركيز على مكامن ضعف الهدف والعوامل السيكولوجية المؤثرة. والتعامل بالنسبة للمجموعات الارهابية شابه الكثير من الجدية والدقة في بث عقيدة محددة والترويج لها والاعتماد على الإبهار.
اعلان روسيا بدء سحب قواتها من سورية بشكل جزئي فتح الباب على كل الاحتمالات والتأويلات، وكان بينها بعض القلق الذي عاشته الساحة السورية، جراء الخطوة ـــ المفاجأة التي كانت تحتاج لبعض الشرح المفصل اكثر ولمزيد من الاطمئنان الذي أخذ الشارع السوري يعيشه مع تقدم الساعات. وهنا بدت المجموعات التكفيرية تسارع الى استغلال لحظة الحدث للمباغتة ببث شائعات توغُّل وما شابه وعمليات أمنية كبرى انتشرت على المواقع الاجتماعية كافة وبعضها مباشر مثل اعلان جبهة النصرة عن عمليات مقبلة. وكل ذلك عملاً بنجاح تجارب الجماعات السابقة التي كانت تعمل على تنفيذ مجازر قبل الدخول الى مناطق مأهولة فيرفع سكانها العزل الراية البيضاء.
توحي النصرة في تهديدها بأن الواقع الامني والثغرات الامنية في سورية ستزداد وان الوضع الاستخباري بخروج الروس سيتقدم لمصلحة القوى التكفيرية، علها تحصد مكاسب تحملها قبل التسويات فتفاوض عليها.
حزب الله الفصيل الأساسي المشارك في سورية يراقب عن كثب هذه التهديدات، ويدعو إلى عدم الانجرار إلى الشائعات التي عمدت الجماعات المسلحة لترويجها منذ صدور القرار الروسي، والتي جاء بينها «انسحاب جزء من مقاتلي حزب الله» وإعلان «جبهة النصرة» الإرهابية بتحضير «هجوم كبير على سورية خلال 48 ساعة»، معتبراً أن كل هذه الإشاعات ليست سوى في إطار الحرب النفسية الفاشلة، كما جرت العادة مطالباً وسائل الإعلام بعدم الوقوع في فخ الترويج لتلك الأكاذيب والشائعات، وأن تبقى الكلمة الفصل للميدان السوري الذي يُحرز تقدماً يوماً بعد يوم في عزل الإرهابيين وتخبّط الدول الداعمة لهم.
الترويج لانسحاب حزب الله فور إعلان الانسحاب الروسي يشكل بطريقة أو بأخرى عملية ربط بالخطوة الروسية، بما يعبر عن تشكيك بقدرته على الصمود ويعلن بشكل او بآخر نوعاً من الاعلان عن الانهاك والاستنزاف من قبل المجموعات المسلحة والتي يبدو أنها تريد استغلال المكانة والضمانة التي زرعها واسس لها الحزب بالتعاون مع الجيش السوري في سنوات الحرب، وضربها ضمن اشاعات التخلي الروسي عن دعم النظام السوري ومعها حزب الله بما يشبه بث الشكوك حول نيات الحلفاء.
يدرك حزب الله أن الحرب النفسية هي نصف الحرب التي خاضها مع «إسرائيل» في كل جولاته، ويدرك أيضاً أن التنبه لمثل هذه الإشاعات، وسط الحراك السياسي المتسارع يصبّ في خانة إبعاد مخاطر نسف كل ما من شأنه أن يعيق العملية السياسية وكل ما بُني من ثقة اسست لكل انتصارات حلفه التي لا تقتصر على سورية، بل تنسحب على ما يضيفه هذا التعاون بين الحلفاء من دعم للمقاتلين في اليمن بوجه الاعتداء السعودي والتلاحم بين الجيش واللجان الحشد الشعبي والجيش في العراق، فالحرب قطعة كاملة ونصر كامل بالنسبة للحلف.