حفر الباطن أو هوليوود الخليج؟
شارل أبي نادر
انشغلت الأوساط العربية والإسلامية والدولية في الأسبوع الفائت بمتابعة مناورة «رعد الشمال» التي تمّ تنفيذها في منطقة حفر الباطن في شمال السعودية، بقيادة وإشراف الأخيرة، وباشتراك أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية من ضمن وحدات جوية وبرية وبحرية تجاوزت الـ350 الف ضابط وجندي وآلاف المدرّعات والعربات وأكثر من 2000 طائرة مقاتلة و500 طوافة عسكرية وعدد كبير من القطع البحرية.
لقد انشغلت ايضاً هذه الاوساط في الفترة التي سبقت المناورة بالتحضير الإعلامي الواسع لها سعودياً، من خلال وضع الرأي العام المتخصّص من الناحية العسكرية والاستراتيجية بأهميتها وبما سوف تقدّمه للميدان من أسلحة ومن تقنيات عسكرية متطورة، وايضاً انشغلت هذه الأوساط بما ستقدّمه هذه المناورة للوحدات العسكرية المشتركة فيها من خبرات وتقنيات تميّز أنظمة الحروب بشكل عام في القيادة والسيطرة وفي التنسيق بين جيوش تتبع لدول مختلفة، حيث تقاتل كلّ منها بطريقة معينة وتمتلك عقيدة خاصة في الهجوم وفي الدفاع وفي العمليات النوعية الخاصة، أو في طريقة إدارة كلّ منها لمعركتها ولمناوراتها… وأيضاً في التنسيق بين أسلحة الجو والبرّ والبحر وغير ذلك من أسلحة التشويش والاتصالات الحديثة من ضمن الحرب الالكترونية.
لا يمكن لأحد أن ينكر هذا المستوى اللافت في ما ظهر في المناورة من أسلحة متطوّرة، وفي ما برز فيها من قدرات عالية في التنسيق المتكامل على صعيد الوحدات أو على صعيد الأسلحة، كما لا يمكن لأحد أن ينكر هذا الجهد الواضح الذي بذله ضباط المملكة العربية السعودية في تحضير هذه المناورة وتنظيمها وتنفيذها، والتي غالباً ما تعني هذه المناورات بشكل عام، بالإضافة إلى قيمتها من الناحية العسكرية والتقنية والعملانية، فهي تشكل رسائل سياسية واستراتيجية للقاصي وللداني، يمكن استخلاصها من جنسية الدول المشاركة فيها، وأيضاً من نوع ومستوى الأسلحة والقدرات المتطوّرة التي تظهرها هذه الدول، والأهمّ من ذلك هو الفكرة الأساس من المناورة والتي تكون عادة هدفاً حيوياً للدول المشتركة، كالمدافعة عن دولة مهدّدة أو المدافعة عن محور أو عن حلف معيّن، أو مثلاً تكون بهدف محاربة الإرهاب، والذي أصبح هدفاً إعلامياً عند البعض يتفاخرون ويجاهرون به حتى ولو كانوا من أكثر الدول الداعمة له، ولدينا أكثر من نموذج إقليمي ودولي عن ذلك.
في الحقيقة، لا يمكن ان تكون هذه المناورة وبالرغم مما ذكر أعلاه حول المستوى العسكري الذي ظهرت فيه، والذي بدا واضحاً من خلال التنسيق بين مختلف الأسلحة المتطورة أو من خلال القيادة والسيطرة في إدارة معركة مشتركة بين وحدات عدة من جيوش مختلفة، أكثر من مسرحية هوليوودية لا أكثر ولا أقلّ، خصوصاً أنها لن تكون ولا يمكن أن تكون في وجهتها التطبيقية وبعيداً عن الوجهة النظرية التي تميّزها ، بعيدة عن النموذج العملي الذي شهدناه وخبرناه في حرب المملكة على اليمن والتي يمكن تلخيصها ببعض النقاط العسكرية، حيث رأينا نموذجاً واضحاً من هذه الأسلحة المتطورة، والذي استعمل في الحرب على اليمن، إذ لم تترك المملكة العربية السعودية وقائدة هذه المناورة سلاحاً فتاكاً إلا واستعملته في الميدان:
– لقد استعملت أحدث الطائرات الأميركية والأوروبية في حربها الجوية، وحيث كانت تتمتع بسيطرة جوية كاملة دون وجود أية طائرة في مواجهتها، ولم تتجاوز في الأهداف التي حققتها أكثر من قصف الأطفال والمدارس والبنى التحتية بأسلحة محرّمة دولياً وبصواريخ موجهة وقنابل ذكية، في الوقت الذي عجزت فيه عن تدمير أو إسكات القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية التي لم تقصّر وما زالت حتى الساعة في دكّ مراكز العدوان وأماكن تجمّعاته، حيث أذاقت هذه الوحدات المعتدية الأمرّين في الإصابات وفي التدمير.
– أيضاً، لقد رأينا نموذجاً عن الدبابات الحديثة المشتركة في المناورة، وذلك في تلك الحرب على اليمن على الحدود مع المملكة في محافظات نجران وعسير وجيزان، حيث نذكر جميعاً المشاهد المخزية التي نقلتها وسائل الإعلام عن الجنود والضباط السعوديين، طواقم هذه الدبابات الأحدث في العالم، كيف كانوا يلوذون بالفرار تاركين هذا الحصن المنيع المتطوّر عند مشاهدتهم للغبار المتطاير من مآثر طلقات بنادق «أنصار الله» واللجان الشعبية من نوع كلاشينكوف صنع 1965.
– أيضاً، لقد رأينا نموذجاً واضحاً عن القيادة والسيطرة الفاشلة في إدارة معركة الداخل اليمني في مختلف جبهات القتال ما بين مأرب أو تعز اللتين بقيتا خلال كامل فترة المواجهات العسكرية حصناً منيعاً في وجه أيّ تقدّم باتجاه العاصمة صنعاء، بالرغم من التغطية الجوية الهائلة، كما لا يمكننا إلاّ أن ننظر بعين الدهشة والتعجّب لإدارة قادة وحدات المملكة لمعركة المدافعة عن مواقعهم الحدودية مع اليمن، والتي لم يسلم أيّ موقع منها من دخول الوحدات اليمنية إليه وتدميره بعد السيطرة على حاميته أو أسر أفرادها.
ويبقى أخيراً، هدف المناورة والذي لخصه ولي العهد كالتالي: «تنسيق الجهود المباركة في تعزيز أمن المملكة ودول الخليج العربية والأمن العربي الشامل في مواجهة كافة التحديات المحيطة بدولنا وشعوبنا، وحيث أكدت المناورة على عمق التلاحم العربي والإسلامي وقدرة الدول المشاركة مع المملكة في هذه المناورة على التصدّي لكلّ ما يهدّد أمن وسلم دول المنطقة والوقوف بكلّ حزم وعزم في مواجهة التنظيمات الإرهابية ومن يقف وراءها ويدعم نشاطها الإجرامي بهدف النيل من أمن واستقرار هذه الدول وشعوبها»، وحيث أنه في الظاهر لم يكن سموّه على علم بمضمون ما سيتحدّث به الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قال بالحرف الواحد لمجلة «أتلانتيك» الأسبوعية: «إنّ السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين إلى أغلب البلدان»، وكشف أوباما أيضاً: «في عام 1990 موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات تدريبية لتدريس الرؤية المتطرفة»، وقد تناسى سموّه حقيقة الدور الذي تلعبه مملكته الكريمة في تمدّد هذا الإرهاب الذي رعوه بأشفار عيونهم ودعموه بعد أن خلقوه في بيئتهم المتشدّدة المزروعة بالجمعيات وبالمدارس الدينية المتطرفة، وبعد ان تدخلوا به واستعانوا بعملياته الدموية لإخضاع الشعوب والحكومات التي تقف في وجه سياستهم وتسلطهم وهيمنتهم، من اليمن إلى سورية إلى العراق وحتى إلى لبنان والى كلّ مكان لا ينصاع لإرادتهم. هذه الإرادة التي برهنوا مؤخراً ودون خجل، أنها مرتهنة لإرادة العدو الصهيوني، تعمل بوحي من قادته ومن زعمائه في سبيل تحقيق أهدافه التي فشل في تحقيقها في ليّ ذراع المقاومة والشعوب الحرة العنيدة.
عميد متقاعد