تحيّة إلى الدكتور محمد المجذوب
معن بشوّر
يدخل الدكتور محمد المجذوب عامه الخامس والثمانين بتواضع العالم، وصدق المؤمن، وصلابة المناضل، ووفاء الصادق لقضايا الأمّة ورموزها.
العلم، وقد كان به ضليعاً، ارتبط لأجله دائماً بالالتزام الوطني والقومي والإيماني، تماماً مثلما كان حريصاً على إعطاء التزامه مضموناً علميّاً لا تغرقه الشعارات، ولا يتيه في المتاهات…
لم يكن القانون عنده مجرّد نصوص يعلّمها لألوف الذين تخرّجوا على يديه، بل كان دوماً قيماً للعدالة، ومعاني سامية تضخ الحياة في القانون وتحصّنه من الشكليات والسجالات العقيمة.
الحقوق لديه لم تكن مجرد كلية يدرّس فيها ويتولى عمادتها، بل كانت رسالة دائمة تدافع عن حقوق الناس والوطن والأمّة، فما ساوم يوماً عليها، بل بقي حارساً لها يمدّها يومياً بمطالعات وأبحاث ومواقف تجعلها في متناول أبناء أمّته ليمتلكوا مفاتيحها ومفاهيمها الرئيسية.
الجامعة لديه لم تكن مجرد رئاسة يتولى زمام أمورها، بل كانت مجتمعاً يسهر على رعايته طالباً طالباً، وفرعاً فرعاً، وكلية كلية، لكي تتحول إلى جامعة للوطن، مدركاً حجم ما يحاك لجامعتنا الوطنية، ولأساتذتها ولطلابها ومكانتها التي انتزعها اللبنانيون بنضالات ما برحت مستمرة، وبتضحيات باقية أبداً في وجدان الوطن تخرجه من حاضر متعثّر إلى مستقبل مشرق.
المجلس الدستوري لم يكن مجرد مؤسسة شارك في تأسيسها وانطلاقها، وساهم في جعلها حامية للدستور وناقضة كل ما يخالفه من قوانين، بل ضمانة لانتخاب نزيه شفاف للنواب جعلت منه، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، يبطل نيابة مرشحين، ويعيد الانتخابات في دوائر أربع غير آبه بكل ما تعرض له من ضغوط.
لم تكن القومية العربية مجرد منتدى يترأسه بإجماع أعضائه لسنوات، بل كانت رابطة تستمد وجودها من وحدة الثقافة والمصير والمشاعر والمصالح، وحركة تضمن للأمّة وحدتها في وجه التحديات، وتضمن للمواطن هوية جامعة تتجاوز كل عصبية طائفية أو مذهبية أو عرقية أو جهوية، مدركاً أنه في إضعاف العروبة تقوم وحوش هذا الزمن بالنهش في وحدتها وتقدمها، بل في أجساد أبنائها وأكبادهم وقلوبهم.
لذا، يلتقي حوله يوم الخميس في أمسية رمضانية مباركة جمع من طلابه وأحبائه وأصدقائه في تحية يستحقها من رفض دائماً التكريم، وتجنّب دوماً الاستعراض، فإنما يفعلون ذلك لأنهم من خلال أمثاله إنّما يستعيدون لحظات مشرقة في حياتنا، ومعاني متألقة في وجداننا، ورموزاً كبيرة في تاريخنا، وشهداء تعتزّ بهم أمّتنا، وقضايا تحيا بنا ونحياها حتى الرمق الأخير.
التحية لأبي طارق اليوم هي التحية لجمال عبد الناصر في ذكرى الثورة التي قادها في مثل هذه الأيام قبل 62 عاماً، خصوصاً أن محمد المجذوب تعلّق بالقائد الخالد الذكر تعلقاً ثابتاً لا تشوبه مصلحة أو عصبية أو طموح، ولم تزعزعه المحن والعوائق والخيبات.
التحية لمحمد المجذوب هي تحيّة لأبطال فلسطين وهم يسطّرون أروع الملاحم في غزّة والقدس وسائر فلسطين، لا سيّما أن فلسطين سكنت الرجل الكبير مذ كان طالباً ثانوياً في صيدا المناضلة، وطالباً مبعوثاً في باريس يتنقل بين مقاعد الدراسة الجامعية والعليا وساحات النضال دفاعاً عن قضية حريتها المترابطة مع حرية كل قطر عربي من الخليج إلى المحيط.
التحية لمحمد المجذوب هي أيضاً تحيّة لرفيق درب وابن رفيق درب في ذكرى رحيله، تحية لمصطفى سعد ابن الشهيد معروف سعد الذي وجد المجذوب نفسه بعد عودته من فرنسا 1957 رفيقاً دائماً «لأبي الفقراء» في معاركه الوطنية والقومية والاجتماعية ومعه جميع الأحرار في صيدا، بدلاً من أن يبحث عن وظيفة أو يتوسّل موقعاً أو رتبة.
التحية لمحمد المجذوب هي كذلك تحيّة للجامعة اللبنانية التي حاول إعادة ترميمها بعدما عصفت بها الحرب ورياح التقسيم، مدركاً أن الارتقاء بالجامعة لتؤدي رسالتها مرتبط بتأمين الحقوق الكاملة لأستاذتها وتوفير الحياة الكريمة لهم والمستوى العلمي اللائق لطلابها.
التحية لمحمد المجذوب هي أيضاً وأيضاً تحية للمقاومة في ذكرى صمودها وانتصارها على حرب العدو في مثل هذه الأيام قبل 8 سنوات، غير آبه بموجات التحريض كلّها، وحملات الانتقاص من دورها، مترجماً بثباته على موقفه من المقاومة لبنانية وفلسطينية وعراقية وعربية ، إيمانه الروحي العميق وهو دعوة دائمة لمقاومة الظلم والدفاع عن العدل والحرية.
يا أستاذنا وكبيرنا وعميدنا ورئيسنا، لك منّا ألف تحيّة وأكثر، كيف لا وأنت تقدّم ما تقدّم… ولك منا الدعاء أن يطيل الله في عمرك لكي تستمر في عطاء لم يعرف اليأس والوهن والتعب…
أقيم في دار الندوة أمس لقاء تكريمي للدكتور محمد المجذوب بدعوة من «المنتدى القومي العربي».