حطيط: روسيا تحتاج إلى موقع وسطيّ لرعاية العملية السياسية في جنيف

حاورته: روزانا رمال تحرير محمد حمية

أكّد الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور العميد أمين حطيط أن القرار الروسي ليس انسحاباً ولا خروجاً من سورية، بل هو تقليص لحجم التواجد أو خفضه لأن الوجود الروسي استراتيجي ومرتبط بالتواجد في المياه الدافئة.

وأوضح حطيط في حديث إلى «البناء» وقناة «توب نيوز» أنّ الدخول الروسي إلى سورية كان لمنع إسقاط الدولة بالقوّة وهذا ما تحقق، وانتزاع القدرة الهجومية من الإرهاب وهذا تحقق، والإجهاز على العناصر الذين يحملون الجنسيات الروسية كي لا يعودوا إلى روسيا ويهدّدوا أمنها، وهذا حُقّق بشكل كبير.

وشدّد حطيط على أنّ القرار الروسي كان طبيعياً، لأن روسيا لا تريد أن تجمع بين القائد في الميدان والراعي للعملية السياسية، بل عليها أن تتخلّى عن إحدى الصفتين لأنها بحاجة إلى إشغال موقع وسطيّ للوظيفة الرعائية في جنيف، لكسب ثقة الطرفين.

وفي ما يلي نصّ الحوار:

هل فعلاً أحدث القرار الروسي تقليص قواته العسكرية من سورية إرباكاً؟

– القرار الروسي في الدخول العسكري إلى سورية كان مهماً بذاته وفي توقيته. والآن في تقليصه مهمّ في المضمون وفي التوقيت والرسائل. للتدخل الروسي ثلاث عبارات مفتاحية قالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأولى: إن الدخول الروسي العسكري كان بطلب من الحكومة السورية ولم يكن تدخلاً. ثانياً، الطلب كان مقترناً بمدة، ولذلك حدّد بوتين مدة أربعة شهر ثم مدّدها إلى ستة، وثالثاً الدخول مقترن بمهمة معينة، فإذا توقفت الحاجة السورية وانقضت المدة والمهمة انتهت الحاجة لوجودها، لأنها دخلت كقوات مساعدة موقتة لا احتلالاً.

هذه الخطوة الروسية قرأها البعض على أنها ضغط على واشنطن وحلفائها أو على الجانب السوري؟

– للمساعدة الروسية العسكرية عناوين ثلاثة، الأول الدعم اللوجستي للجيش السوري وبمقتضاه تم تأهيل سلاح الجو السوري لتقدّم الإسناد للقوات البرّية وتزويدها بالذخائر والأسلحة التي دمرت، وهذا لم يتأثر بعد الخطوة الروسية. الثاني مساعدة عملانية وهي فرعين، الاول إسناد القوات التي تواجه القوة المسلحة المعادية على الارض والثاني ضرب «داعش» وتحديداً في الأماكن التي يسيطر عليها، والتقليص طال الفرع الاول فقط. ومن المنطقي أن تقرر روسيا وقف المساعدة في الفرع الأول، لأن روسيا لا تريد أن تجمع ما بين القائد في الميدان والراعي للعملية السياسية، بل عليها ان تتخلى عن احدى الصفتين. عندما دخلت القوات الروسية كان يعمل الجيش السوري وفق استراتيجية محدّدة، وعندما دخلت القوات الروسية وتشكل فائض ناري انتقلت سورية إلى استراتيجية الحرب الشاملة والجبهات المتعدّدة والمحاور المتناغمة، وسرّعت الاستراتيجية الثانية تحقيق الاهداف التي تبتغيها سورية في الاستراتيجية السابقة، وباتت المراكز الاساسية التي تريدها الدولة في قبضتها. أما مواجهة «داعش» مباشرة، فتتابع القوات الروسية ذلك كما كانت قبل القرار. أما إقفال الفضاء السوري في وجه الطيران التركي فسيستمر لأن منظومة «أس أس 300» قال الروس إنها ستستمر. توقف الشطر العملاني لأن القوات العربية السورية مع حلفائها أصبحوا في وضع مقتدر على المتابعة، والدليل ما يجري في تدمر ومحيطها. وثانياً لأن روسيا بحاجة إلى إشغال موقع وسطي للوظيفة الرعائية في جنيف لكسب ثقة الطرفين، ولذلك بعد القرار تغيّر الجو في جنيف.

هل أصبحت روسيا طرفاً مقبولاً لرعاية طرفَي النزاع في سورية؟

– هذا الموقع جعلها في وضع أفضل من أميركا، ولذلك تغيرت لهجة «المعارضة» ورعاتهم الإقليميين والدوليين. وبالتالي السبب الاول للقرار الروسي بالدخول إلى سورية كان لمنع إسقاط الدولة بالقوة وهذا تحقق، الثاني انتزاع القدرة الهجومية من الإرهاب وهذا تحقق، الثالث الاجهاز على العناصر الذين يحملون الجنسيات الروسية كي لا يعودوا إلى روسيا ويهدّدوا أمنها وهذا تحقّق بشكل كبير. القرار الروسي ليس انسحاباً ولا خروجاً، بل هو تقليص لحجم التواجد أو خفضه. الوجود الروسي استراتيجي مرتبط بالتواجد في المياه الدافئة.

ماذا حقّقت روسيا على الأرض حتى الآن وماذا تغيّر في الجغرافيا عسكرياً بعد الوجود الروسي؟

– الوضع قبل الدخول في منطقة الجنوب كانت الجبهة معرّضة لما يسمّى «عاصفة الجنوب» خمس مرات، وانتهى الحال إلى أن حُرّرت منطقة «الشيخ مسكين»، وحوصر المسلّحون في جزء محدّد في درعا وسقطت منظومة «الفيلق الاول» وعُطّلت «غرفة الموت» في الأردن وأصبحت الجبهة راكدة ولا تشكل أي تهديد لدمشق. أما في ريف دمشق فتحقّق أمران: الأول في الجانب الغربي حصلت المصالحات في الزبداني، وخطر الإرهاب المهدد لدمشق من الغرب انتهى، وبقيت مضايا وأجريت المصالحات في الغوطة الجنوبية وفُصلت داريا عن المعضمية، وخرجت دمشق من الجنوب من إطار أيّ تهديد. استكملت المصالحات في القدم والحجر الاسود، وأُبعِد خطر مخيم اليرموك عن دمشق. أما الجانب الشرقي فحصل خرق هام في الغوطة الشرقية ووصل الجيش السوري إلى مطار «مرج السلطان»، وبات تهديد المسلّحين للعاصمة من دوما قليلاً جداً، وتم قطع اتصال «جيش الاسلام» مع البادية. أما منطقة ريف حمص فتم الخرق في مهين، وتمت حماية صدد، وأصبح الجيش على مشارف تدمر. ويمكن أن تعالج خلال أسبوع، كل ريف حمص الشرقي في القبضة السورية، أما في شمال حمص فحصلت المصالحات في حي الوعر وعزلت الرستن وانتهى التهديد لحمص من الشمال. في ريف حماه هناك شطران: الاول استعادته الدولة والآخر محاصَر. في منطقة الشمال تم تطهير الريف الشمالي للاذقية بشكل شبه كامل وعزلت الحدود التركية عنه وبقي مثلث إدلب ـ جسر الشغور ـ سهل الغاب. أما في حلب فكان الإنجاز الأهم بتحرير معظم ريف حلب الجنوبي وخرق كبير في مطار «كويرس» وتحرير نصف ريف حلب الشرقي، وتقدّم الجيش السريع باتجاه نبّل والزهراء وفكّ الطوق عنهما ثم طرد المسلحين بين أعزاز والحدود الشمالية بالتعاون مع الأكراد، وفُكّكت الجبهة حول حلب، وثبت الجيش القوى في دير الزور، وأعاد منابع النفط. وفي ريف الحسكة ثُبّتت القوة ودخلت القوى إلى الشدادي وقطعت الطريق مع العراق في جنوب الحسكة.

القرار الروسي تبع الاتفاق الأميركي ـ الروسي لوقف إطلاق النار في سورية، ألا يظهر ذلك التنسيق الكامل بين أميركا روسيا؟

– لو كانت أميركا قادرة على تحقيق أهداف العدوان على سورية كما شاءت لما كانت استمعت إلى روسيا. ولو كانت روسيا قادرة على طرد أميركا كلّياً من سورية لما كانت مدّت اليد نحوها. روسيا التي رأت أنها بتدخلها غيّرت الميدان، ليس من مصلحتها أن تستفزّ أميركا وتجبرها على الردّ وتفسد الانتصار. روسيا تعتبر نفسها أنها التحقت بالفريق الذي صمد وانتصر، وتريد أن تنزل أميركا عن الشجرة وتشركها في الانتصار، وهذا ما تفعله مع السعودية المهزومة والمأزومة التي تحتاج إلى رجل ذكي كي ينزلها عن الشجرة وهو بوتين الذي يستعين بأميركا للضغط على السعودية، وهو بدوره يقدّم لها الحضن الدافئ.

هل هذا التنسيق يعني أن روسيا هي التي ستحكم المنطقة وأميركا تسهّل لها لعب هذا الدور؟

– هناك فرق بين تصرّف روسيا وتصرّف أميركا مع الأطراف الإقليمية. أميركا تتصرّف على قاعدة التابع والمتبوع. أما روسيا فهي صديقة لإيران وسورية وحزب الله. الصمود الأسطوري في سورية يعني أننا نتجه إلى شرق أوسط صديق لروسيا وليس منطقة النفوذ والحكم.

هل كشف القرار الروسي عجز أميركا في الضغط على حلفائها لدفع مسار الحلّ السياسي لا سيما السعوديين والأتراك؟

– أميركا منذ أن قبلت دخول مشاورات فيينا كان لديها نوع من الانقلاب في الموقف من سياسة إسقاط سورية عسكرياً، إلى حفظ المصالح الأميركية بالسياسة في ظل قرار استراتيجي أميركي بالانزياح عن الشرق الأوسط عسكرياً والتحوّل نحو أفريقيا وشمالها بالنفوذ الاقتصادي. الانسجاب الروسي هو لتسهيل الدور الأميركي في عملية الانزياح ومساعدتها للضغط على حلفائها نحو الحل السياسي.

هل هذا يعني أننا دخلنا في جدّية الحلول؟

– المشهدان الدولي والإقليمي محكومان بثلاثة عناصر، الأول قناعة من كل اللاعبين الاساسيين في المنطقة والعالم بأن الحرب انتهت، والثاني أن الخروج من المستنقع لا بدّ أن يكون بحلّ سياسيّ يحفظ مصالح الجميع، والثالث الدخول في التفاوض بجدّية، وفي جنيف بدأت تلوح هذه الجدّية.

هل ستطول العملية السياسية؟ وهل هي مرتبطة بالانتخابات الأميركية؟

– لا أتوقع سرعة في العملية السياسية. للوصول إلى حل يجب تجميع المعارضات المتنافرة والتي ما زالت تشتبك مع بعضها. قطر انكفأت عن المشهد السوري، وتركيا ضربها الإرهاب والسعودية، تستعد لتنزل عن الشجرة. تشكيل حكومة جامعة يمكن أن يتم خلال الأشهر الستة المقبلة. أما عملية وضع الدستور والانتخابات فستطول. نعيش اليوم المرحلة التي تفصل الحرب عن السلام، أي أننا نسير بجدّية نحو الحلّ السياسي لأن الحلّ العسكري وصل إلى حائط المسدود، وبدأت تتآكل قدرات الفريق الذي اعتدى على سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى