دور الطلاب في بناء المجتمع
عبد الهادي محفوظ
«البحث عن الحقيقة»، كان أحد الاهتمامات الأساسية للمفكر السياسيّ وعالم الاجتماع أنطون سعاده الذي اختار ما سمّاه «طريق الوعي القومي للخروج من التخبّط في ماهية حقيقتنا». في من نحن وما هو وجودنا وما نبغي في الحياة؟!
لقد أدرك أنطون سعاده مبكراً خطورة التجزئة والانقسام، وردّ ذلك لغياب الهدف الواحد والإرادة الواحدة. وما حذّر منه أنطون سعاده نجده حاضراً في واقعنا اللبناني والعربي بحيث تتحكم الطوائفية والقبلية والجهوية… وهي عوامل تساهم إلى حدّ بعيد بتهديد وحدة النسيج الاجتماعي والوطني والقومي.
الوعي القومي الاجتماعي هو الاتجاه الصحيح الذي يُعيِّن للأمة الطريق الصحيح. ولأنّ الطلاب هم الذين يسعون إلى طلب الحقيقة ومعرفتها قبل غيرهم، يُعوِّل الزعيم أنطون سعاده عليهم لإنقاذ الأمة. فالعنصر الشاب هو الذي يصنع التغيير. ولا شك في أن هذه المقاربة هي في مكانها. فالطلاب في الجامعة الأميركية توزّعوا في تأسيس الأحزاب القومية الأساسية. حزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة القوميين العرب. وكان أنطون سعاده أستاذاً في هذه الجامعة ومعه المفكر قسطنطين زريق فيما كان جورج حبش طالباً…
كان أنطون سعاده سبّاقاً في الرهان على الطلاب. فأوروبا عرفت في الستينات من القرن الماضي ما عُرف بالثورة الطلابية. وهذه مقاربة فيها الكثير من الرؤية المستقبلية لمؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي.
كلّ الأحزاب تجعل من الطلاب هدفاً مركزياً لها. فالمجتمع على ما يقول أنطون سعاده هو معرفة والمعرفة قوة تُولِّد وعي الجماعة وعياً حقيقياً. ومثل هذه المعرفة الحقيقية تجعلنا نمعن في التفكير القومي الإجتماعي الذي يقوم على «معرفة الواقع ومعرفة الفعل فيه».
في كلّ الأحوال، نظرية «معرفة الواقع ومعرفة الفعل فيه» تفترض أن يكون للطلاب، طلاب المعرفة الدور الأساسي في نقد نظام المحاصصة الطوائفية اللبناني الذي صادر فكرة المواطن في وطن لصالح فكرة المواطن في طائفة ما أضعف فكرة الدولة وما عزّز من فكرة العصبيات التي لا تبني وطناً على ما استنتجه سابقاً ابن خلدون. ومن هنا تعقيدات الأزمة اللبنانية والمشاريع الطوائفية انعكست على وضع الطلاب بحيث أنهم ليسوا بمعزل عن تأثيراتها السلبية، خصوصاً أنّ الهاجس المعيشي والقلق من المستقبل يتحكمان بهم ويحولان بينهم وبين وعي طلابي قومي ونهضوي في ظل التوترات الطوائفية الراهنة وفي ظل الركود الاقتصادي والبطالة وغياب المخارج الداخلية لها. فالأكثر تضرّراً من الأزمة اللبنانية الحالية هم الطلاب. ففي المعلومات الإحصائية أن 70 في المئة من الجامعيين الشباب لا يتوقعون الحصول على عمل مناسب بعد التخرّج، وأنّ 96 في المئة متشائمون بالنسبة إلى المستقبل. وسنوياً يتخرّج 40 ألف طالب من الجامعات اللبنانية ولا يتوفر لهؤلاء سوى 10 آلاف فرصة عمل. كما أنه في دراسة أجرتها الجامعة اليسوعية يتبين أنّ 40 في المئة من الشباب اللبناني يرغبون في الهجرة بحثاً عن فرصة عمل، وأنّ نسبة الساعين إلى الهجرة ترتفع إلى 45 في المئة لدى الشباب مقابل 25 في المئة لدى الشابات. وفي إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية 70 في المئة من المهاجرين أعمارهم بين العشرين والأربعين.
كلّ ذلك يُشكّل خسارة الكفاءات وتحويل المجتمع اللبناني إلى مجتمع كهل بأفكار مظلمة أساسها رفض الآخر والاحتماء بمظلة الطوائفية الواهية والمزارع السياسية الفاسدة وغياب الدولة القادرة والعادلة وتعميم اليأس والقنوط.
لكن، ورغم ذلك، ثمة أمل في الحراك الشعبي الذي يقوده الشباب والطلاب والذي عنوانه الأساس الإصلاح والعدالة ومواجهة الفساد ومعالجة موضوع النفايات وإيجاد آليات للرقابة والمحاسبة الشعبية. هذا الحراك الشعبي الشبابي يأتي في لحظة أصبحت الطبقة السياسية عاجزة عن تجديد النظام السياسي. ولذلك المطلوب من هذا الحراك أن يُغلِّب المشترك بين اللبنانيين وألا يذهب إلى سياسات مغامرة وأن يعمل على تكوين الحاملة الاجتماعية لعملية التغيير بنَفَس طويل وبحسابات مدروسة وبتوفير الظروف الموضوعية لمتّحد اجتماعي يؤمّن انخراط مؤسسات المجتمع المدني. فأنطون سعاده والإمام السيد موسى الصدر كانا يلتقيان على فكرة «المتّحد الاجتماعي». وهذه الفكرة تجد رصيدها البقاعي في كون البقاع الشمالي أشبه بلبنان مصغّر فيه كل المكوّنات اللبنانية التي يجمعها الحرمان وإهمال الدولة… ذلك أنّ ثمة حاجة إلى وعي طلابي وشبابي بقاعي لطرح مطالب توحّد بين الهرمل الشيعية ورأس بعلبك والقاع الكاثوليكيتين وعرسال السنّية وبعلبك والفاكهة المختلطتين ودير الأحمر المارونية وجميعها عملياً تنتمي إلى طائفة الحرمان.
البقاع الشمالي يحتاج إلى مساهمة طلابية في تعميم الوعي لإخراجه مما هو فيه من انقسامات ومن إهمال ومن غياب سياسات إنمائية ومن ضعف حضور الدولة. ما يحتاج إليه البقاع اعتماد الدولة رؤية لدور الشباب ومستقبلهم وتوفير فرص العمل لهم وبإقامة البنى التحتية لشبكات الصرف الصحي والكهرباء والماء وبناء السدود واعتماد سياسة زراعية ومعالجة مشكلة المطلوبين عبر قانون عفو يشمل أبناء عكار أيضاً. وتعزيز دور الجامعة اللبنانية والمدرسة الرسمية وحضورها في الأطراف والأرياف وأيضاً تصنيع المنتوج الزراعي ومنتوج الحشيش لأغراض طبية كما فعلت دول كثيرة… وأخيراً، دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية والتنسيق بينها وبين المقاومة في حماية الحدود اللبنانية. واستطراداً أن يساهم الطلاب في معالجة أيّ خلاف أو سوء تفاهم في البقاع بين مكوّناته بالحوار، وتدارك الأخطاء مباشرة.
لا يسعنا إلا أن نرى في فكر أنطون سعاده عملاً نهضوياً بنّاءً واستقراء لواقع المنطقة ومستقبلها. إذ ليس من قبيل الصدفة أنه ركّز في كتاباته ومحاضراته على مخاطر الصهيونية على الأمة وعلى كون «تركيا هي أقرب وأقوى وأخطر الدول التي تنظر إلينا بعين جشعة وهي ترتقب الفرص الدولية لتتمكن من عمل شيء من هذا القبيل».
من حُسن الحظ أن لبنان الصغير المقاوم أخرج الاحتلال «الإسرائيلي» من لبنان وأسقط نظرية الجيش «الإسرائيلي» الذي لا يُقهر. وأنطون سعاده حذّر من عملية التشريح والتقسيم وطمع الغير بنا اعتماداً على فقدان التجانس والإرادات الجزئية… وهكذا، لا بدّ في المثال اللبناني من سحب سياسات التحدّي بين المكوّنات اللبنانية وبين الفريقين 8 آذار و14 آذار ومن تنازلات متبادلة والتلاقي على فكرة الدولة المدنية، لا سيما أن الفكر التكفيري لا يلغي الآخر فقط، إنما يؤسّس لحروب داخلية لا تنتهي ولا يستفيد منها إلا العدو «الإسرائيلي».
نصّ المحاضرة التي ألقاها رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ، خلال الندوة التي نظّمتها منفذية الهرمل في الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ أيام في مكتبة الأسد، وذلك لمناسبة الأول من آذار، عيد مولد باعث النهضة الزعيم أنطون سعاده.