تقرير
نشر موقع «فوكس» تقريراً يحلّل فيه أسباب وتداعيات الانسحاب المفاجئ للقوات الروسية من سورية.
وجاء في التقرير: كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن بشكل مفاجئ البدء على الفور في سحب القوات الروسية الرئيسة من سورية، بعد ما يقارب ستة أشهر على التدخل الروسي للمرّة الأولى في الحرب.
يقول الكاتب إن هناك سبباً حقيقيّاً يدعو إلى الاعتقاد بأن بوتين صادق في قراره وأن انسحابه يمكن أن يكون خطوة إيجابية نحو إنهاء النزاع السوري الذي أصبح أسوأ حرب في القرن الحادي والعشرين. ولكن ينبغي علينا أن ننتظر ونرى إلى أي مدى سيلتزم بوتين بكلمته.
فقد أرسلت روسيا قوات كبيرة إلى شرق أوكرانيا، رغم إنكارها ذلك، وتدخلت في سورية وقصفت بكثافة من دعاهم الكاتب «المتمردين غير المتطرّفين» رغم زعمها استهداف المتطرّفين فقط. لذلك هناك ما يدعو إلى الشك.
يشير التقرير إلى أنه حتى لو لم ينسحب بوتين، سيظل أمراً مفاجئاً التوصل إلى اتفاق سلام هذه السنة حتى ولو على الورق، وستكون صدمة كبيرة إذا انتهت الحرب في سورية بالفعل قبل عام 2020. ولكن إذا انسحب بوتين من سورية التي يقول إنه سيبدأ يوم الثلاثاء فإن العالم سوف يكون أقرب قليلاً نحو تحقيق هذا الهدف.
ما الذي أراد بوتين تحقيقه في سورية؟
هناك توجه غريب في واشنطن للتعامل مع روسيا باعتبارها قوة عظمى تسعى نحو الهيمنة على العالم، ولكن في موسكو، ثمة إدراك بأن القوة الروسية أكثر محدودية من ذلك بكثير، وغالباً ما تهدف إلى الحفاظ على ما تبقى من النفوذ الروسي العالمي.
يقول الكاتب إن الهدف من التدخل الروسي في سورية كان منع سقوط بشار الأسد وتقوية موقف روسيا في محادثات السلام، التي جرى استئنافها يوم الاثنين الماضي بالتزامن مع إعلان الانسحاب الروسي.
تملك روسيا قواعد عسكرية في بلد واحد فقط خارج الاتحاد السوفياتي السابق، وهذا البلد هو سورية. حتى عندما بدا أن الرئيس السوري بشار الأسد على وشك السقوط، كانت موسكو تحاول يائسة دعمه ليصمد.
تمكنت روسيا من المساعدة في تحويل دفة الأمور في الحرب. فقد نجح التدخل الروسي، جنباً إلى جنب مع التدخل الإيراني الأكبر، في مساعدة الأسد على استعادة أراضٍ تكفي لبناء دولة قابلة للبقاء على قيد الحياة. كما تدخلت أميركا لدعم من تسميهم بالمعتدلين، فتصاعدت حدة التوتر بين القوتين العظميين.
إلا أنه من الجدير بالذكر أن الحرب في سورية ومنذ البداية، تأرجحت بين تقدم من أطلق عليهم الكاتب اسم «المتمرّدين» تارة وتقدم الأسد تارة أخرى. ما أوصل الحرب في سورية إلى طريق مسدود. وهو ما يعني أن القتال سيستمر لسنوات، وعلى حساب الجميع، ما لم يكن هناك سلام عن طريق صفقة.
يقول الكاتب إنه على رغم التدخل الروسي، الذي بدا مختلفاً بشكل كبير، وانخراط دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا التي تدعم من سماهم الكاتب «المتمرّدين» منذ سنوات، لا بل حتى أميركا، لم يؤدّ هذا إلى علاج المشكلة الأساسية في الحرب في سورية.
يشير التقرير إلى أنه قبل التدخل الروسي، ظهرت مؤشرات قوية على أن روسيا تفقد نفوذها على الحكومة السورية، التي كانت تهيمن عليها قبل تزايد النفوذ الإيراني في دمشق. وهو ما يقودنا إلى الهدف الثاني من تدخل روسيا في سورية، وهو تغيير قواعد اللعبة في الحرب لدعم موقف روسيا على طاولة المفاوضات، وبالتالي ضمان أن موسكو لديها فرصة للضغط من أجل ضمان مصالحها في أي اتفاق سلام نهائي. ولا يستطيع أن ينكر الآن أي أحد في دمشق أو جنيف أن روسيا لاعب كبير في الحرب السورية.
في الواقع، تشير بعض التقارير إلى أن الأسد دعا روسيا إلى التدخل لمواجهة النفوذ الإيراني. لذا فبينما تبدو كل من روسيا وإيران متحالفتين ظاهرياً، إلا أنهما في واقع الأمر تتنافسان على النفوذ الإقليمي.
لا بد من إشراك روسيا في محادثات السلام. وقد بات لديها بالفعل مقعد على الطاولة، والذي يمكن استخدامه لضمان احتفاظها بقواعدها العسكرية في سورية والعلاقات رفيعة المستوى مع الجيش السوري.
لماذا تنسحب روسيا الآن إذن؟
شهدت سورية وقف إطلاق نار مؤخراً، وبينما كانت هناك تأكيدات بحدوث انتهاكات، ووقف إطلاق النار هش للغاية ويمكن أن ينهار في أي لحظة، إلا أنه حدث انخفاض كبير في أعمال العنف. وقد بدأت للتو محادثات السلام مرة أخرى، والتي تبدو وللمرّة الأولى قابلة للاستمرار، أو على الأقل ليس محكوماً عليها بالفشل المؤكد.
يقول الكاتب إن وقف إطلاق النار قد أنقذ عدداً من الأرواح، وسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي كان من الصعب الوصول إليها من قبل، ما جعل مفاوضات السلام تبدو أكثر واقعية.
وهذا هو الوقت المناسب بالنسبة إلى موسكو للتراجع خطوة إلى الوراء. فقد حققت روسيا بالفعل أهدافها المباشرة، لذلك فلا حاجة للانخراط في القتال أكثر من ذلك. حيث يمثل الوضع الراهن مصدراً للتفاؤل لبوتين بما يدفعه إلى قبوله واستخدامه كأساس للمفاوضات.
أظهرت روسيا مراراً وتكراراً أن لديها تأثيراً محدوداً جدّاً على نظام بشار الأسد، الذي أثبت تهوره، والذي غالباً ما صاعد من حدة القتال حتى في اللحظات عندما لم يكن ذلك حكيماً من الناحية الاستراتيجية. وبالتالي يتعين على بوتين بذل المزيد من الجهد لإجبار الأسد على قبول السلام. إذا أرادت موسكو تجميد الوضع الراهن في سورية، فعليها أن تقنع الأسد بالتفاوض بحسن نية وليس خرق وقف إطلاق النار فوراً.
يشير التقرير إلى أنه في سبيل سعي روسيا لإجبار الأسد على قبول حل التفاوض، تقضي استراتيجية بوتين بسحب جزء معتبر من قواته العسكرية في سورية، ما سيجعل الأسد في موقف أضعف، وبالتالي يجعل التفاوض أكثر جاذبية.
كما أن الحفاظ على ما يكفي من القوة الروسية في سورية يهدف إلى ردع القوى المعادية للأسد المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من التصعيد، عن طريق التهديد ضمناً بأن روسيا ستعيد التدخل وقت الحاجة. وهذا في الواقع هو ما يقوم به بوتين.
إذا كان هذا التحليل صحيحاً، فإن هذا يشير إلى أن روسيا مستعدة للتفاوض بشكل جدي، وأن موسكو تعتقد أن بشار الأسد قد يكون مستعداً لفعل الشيء نفسه. هذا لا يعني أن السلام بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الأطراف يمكنها التوصل لتوافق، أو أن بوتين أو الأسد على وشك أن يصبحوا شركاء في السلام، ولكنها علامة جيدة.
تكاليف المغامرة الروسية في سورية تخطّت فوائدها، فربما تكون روسيا قد أعلنت تحقيق أهدافها في سورية، ولكنه نصر باهت، وقد تخللته نكسات حقيقية. فقد فشل الأسد في تحقيق هدفيه المعلنين وهما دفع الجيش السوري إلى الانتصار في الحرب، وبناء تحالف دولي بهدف القضاء على المتطرفين.
يقول الكاتب إن من شأن هذا التحالف العالمي الذي دعا بوتين إلى تشكيله السنة الماضية ليس فقط ضمان مصالح روسيا في سورية، ولكن إنهاء عزلة روسيا في الغرب، ولكن لا تزال روسيا معزولة عن الغرب الذي لم يستجب لطلبها الضمني بعقد صفقة، فقد عرضت روسيا أن تساعد في سورية مقابل التغاضي عن جرائمها في أوكرانيا.
لذا سيمثل الانسحاب من سورية الآن إعلاناً للهزيمة بقدر ما هو إعلان للنصر. فلم يكن ما تحقق في سورية نوع الانتصار السياسي الداخلي الذي كان يأمل به بوتين.
عام 2014، وحين كان الاقتصاد الروسي يعاني من انكماش خانق، أقدم بوتين على التدخل في أوكرانيا، ما زاد من شعبيته بشدة داخل روسيا، ومكّن نظامه من الصمود في وجه الأزمة. لكن التدخل في سورية لم يحظ بالقبول الشعبي في البداية، إلا أنه تحسن لاحقاً.
لكن نشوة الانتصار الروسي في أوكرانيا سوف تتلاشى حتماً، وحتى إذا أراد بوتين أن يشعر بالأمان في حكمه، فسيحتاج إلى تحقيق نصر سياسي كبير آخر، ولن يكون ذلك في سورية.