الصحافيون المصريون.. تاريخ من إهدار الحقوق
بشير العدل
في مقال سابق تحدّثنا عن نقابة الصحافيين المصريين والجمعية العمومية لها، في محاولة متواضعة لتفسير أسباب التراجع نسبة استجابة أعضاء الجمعية العمومية لدعوات المجلس، وقلنا إن ثمة علاقة تربط بين المجلس والجمعية كانت سبباً في تراجع تلك النسبة إلى حدود لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجمعيات العمومية للنقابة.
غير أن أموراً أخرى تبدو من الأهمية بمكان الإشارة إليها وهي جانب حقوق الصحافيين، وهو الجانب المسؤول عنه الدولة بالدرجة الأولى وبكل مؤسساتها، حتى وإن كانت النقابة طرفاً غير أنها طرف لا ينفصل عن الدولة رغم أنها نقابة مستقلة.
وفي محاولة سريعة لتسليط الضوء على تلك الأزمة، نجد أن كثيراً من الصحافيين في مصر تعرّضوا خلال السنوات الأخيرة، لمشاكل خطيرة فرضت نفسها على مهنة الصحافة، وعلى الواقع الذي يواجهه الصحافيون، الأمر الذي جعلهم لا يستطيعون الحصول على ضرورياتهم اللازمة في وقت تمارس عليهم الحكومات المتعاقبة ضغوطاً شديدة أثرت جميعها بالسلب على الجماعة الصحافية بشكل عام.
ففي الوقت الذي يعاني فيه الصحافيون غياب ضروريات البقاء سواء المادية أو المهنية، فإنهم يواجهون في الوقت ذاته بمطالب دعم خطط الحكومة والتركيز على ما تراه جوانب إيجابية في أدائها، الأمر الذي أفقد المهنة أصولها وحوّل كثيراً من الصحافيين إما إلى أبواق للسلطة أو معاونين لرجال الأعمال ومدافعين عن أصحاب رؤوس الأموال الخاصة التي سيطرت وبشكل واضح على عالم الصحافة، سواء كانت رؤوس أموال اقتصادية أو حزبية.
فالواقع الذي يعيشه الصحافيون يتّسم بالمرارة، خاصة أن كثيراً منهم وأغلبهم من المنتمين إلى الصحف الحزبية والخاصة، يعانون تاريخاً من إهدار الحقوق، فقد لحقت بهم ويعانون البطالة وعدم صرف رواتبهم منذ سنوات طوال ودخلت أزمتهم عامها السابع، فضلاً عن قيام أصحاب الصحف الخاصة بتسريح العديد منهم بحجج الخسارة المادية، الأمر الذي انعكس في النهاية بالسلب على أوضاع الصحافيين عموماً، بعد أن فقد أغلبهم مورد رزقه الأساسي نتيجة إغلاق الصحف وتشريد الصحافيين بها من ناحية، وبسبب عدم قدرة الدولة على تسوية ملفاتهم التأمينية من ناحية أخرى، مما يهدّد مستقبل أسرهم نظراً لارتباط ذلك الأمر بمعاش الضمان الاجتماعي المفروض على الدولة.
وإذا كان هذا هو واقع الصحافيين في الصحف الخاصة والحزبية، فإن نظراءهم في الصحف المملوكة للدولة، أو ما يطلق عليها الصحف القومية، أحسن حالاً نظراً لتكفل الدولة بسداد مرتباتهم وأقساط التأمين عليهم، وهو ما يعني تأمين أوضاعهم ومستقبلهم إلى حد كبير مقارنة بالآخرين في الصحف الحزبية والمستقلة.
بجانب الأزمات المالية التي تواجه الصحافيين، فإن هناك تحديات أخرى تتمثل في قوانين وتشريعات صحافية وإعلامية مرتقبة، كان من بينها إقرار مشروع مكافحة الإرهاب، وهو القانون الذي ناضلت معه الجماعة الصحافية بعد أن لاقى اعتراضات شديدة بسبب الحبس في قضايا النشر، والذي كان من نتيجته استبدال الحبس بالغرامة المالية، غير أن هذا التعديل لم يلب مطالب الجماعة الصحافية كاملة.
ومن المنتظر أن تكون هناك تشريعات أخرى تتمثل في مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي تمّ تقديمه للحكومة المقالة برئاسة إبراهيم محلب، وهو القانون الذي يمثل – حال إقراره – عبئاً جديداً على الصحافيين ويحمل تحديات أخرى تتمثل في عدم وجود ضمانة لحقوق الصحافيين مادياً ومهنياً، وتركيزه وبشكل أساسي على الصحافيين في المؤسسات المملوكة للدولة وإغفاله وبشكل كبير في معظم مواد مشروع القانون للصحافيين في المؤسسات الخاصة والحزبية، وهو ما طالبنا في لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بضرورة تعديله بما يضمن تأمين الصحافيين جميعهم دون تمييز فيما بينهم على أساس المؤسسة التي ينتمون إليها كونها مملوكة للدولة أو خاصة أو حزبية.
ومع تلك التحديات وخاصة المادية تأثّر أداء الصحافيين، مما دفع بالكثيرين منهم إلى تحويل دفة الأداء المهني والحياد عن المصداقية، وذلك إما لخدمة الحكومة والتسبيح بحمدها، وهو ما تطالب به الحكومات دائماً، وإما الدفاع عن رجال الأعمال سواء في الصحف الخاصة أو الفضائيات التي يملكونها لتكوّن المهنة والصحافيون هم الخاسر الأكبر في عملية التحول السلبي في الأداء المهني، ليكون وضعهم في النهاية ما بين مطرقة مطالب وضروريات المهنة وسندان الحكومة الذي ينزل عليهم.
تبقى المسؤولية عن هذا التراجع في الأداء والتحديات التي تواجه الصحافيين والمهنة، عموماً على كاهل الدولة بالدرجة الأولى، التي تملك زمام القدرة على تقنين الأوضاع، بعد أن تغافلتها الحكومات المتعاقبة وصمت آذانها عنها حتى تفاقمت إلى حدود خطيرة تتطلب من القيادة السياسية أن يكون الحل ضمن أولوياتها، حماية للصحافيين من تاريخ طويل من إهدار الحقوق.
ومن المؤكد أن مع إنهاء الدولة للتاريخ الطويل من إهدار حقوق الصحافيين، أو الحد من عملية امتداده لما هو أبعد، وتعاون النقابة في هذا الشأن، تكون له تأثيراته الإيجابية على الجمعية العمومية للنقابة، وعلى نسبة المشاركة فيها، ومن ثم تتحقق نتائج إيجابية تستفيد منها المهنة والدولة على حد سواء.
eladl254 yahoo.com