فضيحة الإنترنت… مَنْ المسؤول عن خرق الأمن القومي؟

يوسف الصّايغ

قطع وزير الاتصالات بطرس حرب الشكّ باليقين، معلناً ارتباط محطات تهريب الإنترنت غير الشرعي إلى لبنان بشركات ومعدّات «إسرائيلية»، في محاولة واضحة لإيجاد وزارة اتصالات موازية، ولعلّ أخطر ما في الأمر أنّ دوائر ومقرّات رسمية بعضها على درجة عالية من الأهمية، حصلت على خدمة الإنترنت من تلك المحطات التي التي قامت بتزويدها بالشبكة بشكل مجاني، وهو ما يطرح السؤال عن الهدف من وراء هذه الخطوة.

لكنّ الأخطر من الهدر المالي الناجم عن شبكات الإنترنت غير الشرعي الجانب المتعلق بأمن لبنان واللبنانيين الذي بات مكشوفاً نتيجة ارتباط هذه المحطات الخارجية بالأراضي اللبنانية بواسطة شبكة «الماكروايف»، ما يجعل كلّ مشترك في هذه الشبكة مؤسّسات أو أفراداً ، معرّضاً للتنصُّت على كافة وسائل الاتصالات التي يستخدمها، سواء عبر الشبكة العنكبوتية أو من خلال المكالمات العادية، وبالتالي باتت وسائل الاتصال هذه معرّضة للمراقبة من جهات خارجية، وبشكل رئيسي من قبل العدو «الإسرائيلي».

ما سبق ذكره يطرح السؤال عن كيفية قيام بعض الجهات بتركيب شبكات وأعمدة إرسال في بعض المناطق اللبنانية لتزويد لبنان بخدمة الإنترنت، من دون أن يتم كشف ذلك من قبل الأجهزة الأمنية. وبالتالي من يتحمّل المسؤولية عن هذه الجريمة الوطنية الهادفة إلى خرق الأمن الوطني والقومي اللبناني؟

محفوظ: من هو مصدر الحمايات؟

في هذا السياق، يرى رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ في حديث لـ«البناء» أنّ هناك «جملة من الأسئلة المتعلقة بمسألة وجود الشركات التي تقوم بتأمين وصول شبكة الإنترنت غير الشرعي إلى لبنان وهذ الأمر من مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى»، لافتاً في الوقت عينه إلى «أنّ هذا الأمر يحتاج إلى إجراءات من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية التي تحاول من خلال لجنة الاتصال والإعلام متابعة الأمر، وعلى صعيد السلطة التنفيذية عليها من خلال تنفيذ حكم القوانين أن تتابع كيفية حصول هذا الأمر على الأراضي اللبنانية»، وعليه يعتبر «أنّ هناك نوعاً من الحمايات». وبالتالي السؤال عن مصدر هذه الحمايات: هل تأتي عبر أشخاص نافذين جداً؟

وفي ما يتعلق بارتباط شبكات الإنترنت غير الشرعية بالكيان «الإسرائيلي» على غرار شبكة التجسُّس التي تمّ كشفها قبل سنوات في الباروك، يرى محفوظ «أنّ على الدولة والقضاء متابعة هذا الأمر لكشف ملابساته والتأكد من مسألة الاختراق «الاسرائيلي» لهذه الشبكات، وهل هو بعلم أصحابها أم أنه تمّ بطرق وأساليب غير مباشرة».

الرفاعي: أين الأجهزة الأمنية؟

يشير عضو لجنة الإعلام والاتصالات النائب كامل الرفاعي، من جهته، في حديث لـ«البناء» إلى أنّ سعي بعض الجهات وراء المكاسب المالية، «جعلها تفرط باقتصاد الوطن وأمن مواطنيه ومن يقوم بهذا العمل هو خارج عن مفهوم المواطنية ويسيء إلى هيبة الدولة».

ويبدي الرفاعي أسفه «لأنّ هذا الخرق لم تكشفه الأجهزة الأمنية المعنية بأمن الوطن وسلامة المواطنين»، متوجهاً بالشكر «إلى وزارة الاتصالات التي قامت بكشف هذا الموضوع أمام الإعلام والشعب اللبناني». ويشير الرفاعي إلى «أنّ خطورة الأمر تكمن في عدم تمكن الأجهزة الأمنية من كشف هذه المحطات وأعمدة الاتصال الخاصة بها، والتي يبلغ ارتفاعها بين 20 و23 متراً سائلاً: أين الأمن وهل ينحصر دوره فقط في توقيف مخالفات البناء بينما يغفل عما هو أخطر؟».

ويلفت الرفاعي إلى الجلسة الموسّعة للجنة الاتصال والإعلام يوم الاثنين المقبل والتي ستضمّ وزراء الداخلية والدفاع والاتصالات والمدعيين العامين المالي والتمييزي، والتي ستتمحور حول الخطوات الواجب اتخاذها على هذا الصعيد، لافتاً إلى أنّ المدعي العام التمييزي أوقف شخصين على صلة بشبكة الإنترنت غير الشرعية.

وإذ يشير إلى أنّ الهدف هو الاستفادة المادية بالدرجة الأولى من قبل الجهات التي قامت بتأمين شبكة الإنترنت إلى الأراضي اللبنانية بشكل غير شرعي، لا يستبعد الرفاعي «أن يكون الكيان الصهيوني استفاد من هذه الشبكات غير الشرعية لاختراق أمن لبنان واللبنانيين».

أما بالنسبة إلى الجهة المسؤولة عن هذا الخرق الأمني عبر شبكة الإنترنت، لا بدّ من الإشارة إلى الاتفاق الذي تمّ بين شركة «أوجيرو» وعدد من مقدمي خدمة الإنترنت غير المرخصين تمّ بموجبه ضمهم إلى شبكتها، وتفيد المعلومات بأنه لا يوجد سوى 12 شركة إنترنت مرخصة، تشتري سعات بسيطة من «أوجيرو»، بينما تشتري الكمية الأكبر من قبرص وتركيا بأسعار رمزية، ما دفع بالشركات المرخّصة إلى تقديم شكوى إلى وزارة الاتصالات تتهم فيها عدداً من الشركات الغير قانونية بالمنافسة غير الشرعية، من خلال تزويد السوق بخدمات الإنترنت بطريقة مخالفة للقانون، كونها لا تشتري سعات الإنترنت من «أوجيرو» بل من خارج لبنان، وبحسب التقديرات فإنّ هذه العمليات غير الشرعية تكلف خزينة الدولة ما يزيد عن مليوني دولار شهرياً.

محطة الباروك

أعادت فضيحة الإنترنت غير الشرعي إلى الأذهان الحديث عن محطة الباروك التي كانت مرتبطة مباشرة بالكيان «الإسرائيلي»، خصوصاً أنّ التقنية والأسلوب المستخدمين هما نفسيهما، كما أنّ بعض الأسماء التي ثبت ضلوعها في محطة التجسّس في الباروك هي أيضاً متورطة بهذه الشبكة الجديدة.

وبناء على ما سبق ذكره، لم تستبعد بعض المصادر أن يكون جبل الباروك أحد المناطق التي تستقبل الإنترنت غير الشرعي من المحطات الخارجية، خصوصاً أنّ إسرائيل قامت بثبيت صحون لاقطة عند مرتفعاته على الخط الفاصل بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة بغية مراقبة الاتصالات الهاتفية الخليوية في لبنان، إضافة إلى وجود معلومات عن وجود عمود إرسال في جرود تنورين، إلى جانب شبكتين في الضنية وصنين، وثالثة في الزعرور.

سرقة الإنترنت أمام النيابة العامة التمييزية

أحال وزير المالية علي حسن خليل كتاب سرقة الإنترنت إلى النيابة العامة التمييزية، استناداً الى المعلومات التي كشفتها لجنة الإعلام والاتصالات النيابية وما تلاها من معلومات تتعلق بقيام البعض بسرقة الإنترنت، خلافاً للأصول القانونية وهو ما يتعارض مع القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لا سيما ما نصّ عليه المرسوم الاشتراعي رقم 156 الصادر بتاريخ 16/9/1983.

وكان رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله أطلع رئيس مجلس النواب نبيه بري على التفاصيل المرتبطة بهذه القضية وما حققته لجنة الإعلام التي ستجتمع يوم الاثنين المقبل للوصول إلى كشف كلّ الملابسات المتعلقة بهذه القضية وحماية أمن اللبنانيين ومالية الدولة التي تعرضت لاعتداء من هذه الشبكات».

ولفت فضل الله إلى أنّ «الرئيس بري يتابع الموضوع وحجم الإهدار المالي الذي تعرضت له مالية الدولة، ونحن أمام قضية أكبر مما يتوقع لأننا أمام محاولة إقامة بنية تحتية للإنترنت موازية لبنية الدولة، لافتاً إلى أنّ «اللجنة دعت وزارة المال إلى الاجتماع يوم الاثنين، وكذلك وزارات الاتصالات والداخلية والدفاع، إضافة إلى الأجهزة المالية والقضائية، وأنّ المجلس سيقوم بمهمّته الرقابية كاملة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى