السعودية تطلق رصاصة من أخطر أسلحتها على نفسها
سلّطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الضوء على الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في نصف القرن الماضي مسخّرة النفط كسلاح لخدمة مصالحها.
وأفادت الصحيفة في مقال عنونته بـ«كيف صوّبت السعودية أخطر سلاح إلى نفسها»، أن النفط كان رهينة دولة واحدة فقط هي السعودية، إلا أنه خرج عن سيطرتها عندما استخدمته للمرة الأخيرة في خريف 2014.
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن المملكة استخدمت سلاحها النفطي لحسم الخلاف مع «إسرائيل» أثناء حرب تشرين الثاني عام 1973، حيث أوقفت السعودية وبشكل مفاجئ توريد شحنات النفط للولايات المتحدة ردّاً على دعمها لـ«إسرائيل»، ما أدّى إلى ارتفاع سعر برميل النفط 4 أضعاف ما كان عليه، وهو ما أسفر عن ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة في الغرب وزيادة معدّل البطالة وتنامي السخط الاجتماعي.
ووفقاً للصحيفة، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر ردّاً على الإجراء السعودي: «لو كنت الرئيس لأجبرت العرب على ضخّ النفط». إلا أن الرئيس الأميركي في ذلك الوقت ريتشارد نيكسون لم يكن يجرؤ على أن يملي إرادته على السعوديين.
واعتبرت الصحيفة أن سلاح النفط السعودي ظلّ مؤثراً منذ بدء استخدامه وحتى عام 2014، حين انقلب السحر على الساحر وانخفض السعر أكثر من المتوقع، وتأتي فعاليته هذه المرة من كونه حقق أهدافه في توجيه ضربات موجعة لكل من إيران وروسيا، ولكن الفارق أنه خرج عن السيطرة هذه المرة بنزوله تحت حاجز 60 دولاراً للبرميل، ما أصبح تهديداً حقيقياً للسعودية ودول الخليج الأخرى، إضافة إلى عدد من منتجي النفط العالميين كنيجيريا وفنزويلا التي وصل التضخم فيها بسبب الأزمة إلى 720 في المئة.
وبحسب الصحيفة، فإن الحروب النفطية للقرن 21 قد بدأت، معتبرة أن أزمة النفط الحالية ناتجة عن السياسات الإقليمية لا عن تقلبات العرض والطلب في السوق، مشيرة إلى أن الحروب الحالية لا تشكل خطراً على اقتصاد الغرب، كونه لا يشكل هدفاً رئيساً للسعوديين.
كيف تحارب الرياض طهران نفطياً؟
عرضت «نيويورك تايمز» وجهة نظرها في هذه المسألة مبيّنة أنه في عام 2006 حذر نواف عبيد، الذي شغل حينذاك منصب المستشار العسكري السعودي، حذّر الرياض من استراتيجية خفض أسعار النفط لخنق الاقتصاد الإيراني، وبعد ذلك بسنتين عاود السعوديون الكرّة لشلّ قدرة طهران على دعم «الميلشيات الشيعية» في العراق ولبنان وأماكن أخرى.
وأضافت الصحيفة أنه في عام 2011 أخبر رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل مسؤولي الناتو أن الرياض مستعدّة لإغراق السوق بالنفط لإثارة القلاقل داخل إيران. وبعد مرور ثلاث سنوات على ذلك، قام السعوديون بتوجيه الضربات مرة تلو الأخرى ليس فقط لإيران بل لكل أعدائهم السياسيين أو منافسيهم العالميين في السوق النفطية، وذلك من خلال زيادة الإنتاج، وهذا ما فعلوه أيضاً لخفض أسعار النفط الصخري الأميركي المنافس الأول للهيمنة النفطية السعودية في العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه السياسة أطاحت بشاه إيران عام 1977 بعدما أغرقت السعودية السوق بالنفط لكبح جماح النفوذ الإيراني، ومضت الصحيفة قائلة: بالتأكيد كانت هناك الكثير من الأسباب الأخرى الأكثر أهمية في الثورة الإيرانية، ولكنه إغراق السوق كان أحد العوامل التي ساهمت في زعزعة الحكم قبل أن يطيح به آية الله الخميني مستبدلاً النظام الملكي الموالي للغرب بدولة دينية بالكامل. بناءً على هذا الطرح، يمكن القول إن معركة سوق النفط كانت سبباً في صعود الإسلام السياسي.
النفط السعودي يطيح بالاتحاد السوفياتي
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن البلدان المنتجة للنفط كالاتحاد السوفياتي لا تحظى بتنوع كبير لمصادر الدخل الاقتصادي، بل يمثل النفط قاعدة كبرى في اقتصادها، وتقوم ميزانياتها بالأساس على عدم انخفاض سعر النفط تحت مستوى معين، وإن انخفضت الأسعار عن هذا الحدّ، حالاً يلوح الانهيار الاقتصادي في أفقها. وهذا ما أراده السعوديون بالضبط للضغط على روسيا وإضعاف قدرتها على دعم حلفائها في العراق وسورية.
ونوّهت الصحيفة الأميركية إلى أن أسعار النفط أنهت الحرب الباردة، حيث كان الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت قوة شيوعية عظمى ومنتجاً أساسياً للنفط يعتمد اقتصاده على عائدات كل من النفط والغاز. إلى أن قررت المملكة في عامي 1985 و1986، إغراق الأسواق بالنفط والذي يشير البعض إلى كونه جاء بتوجيهات من إدارة ريغان في واشنطن حينذاك، والتي أدّت بدورها إلى انهيار الأسعار، ما ترك الاقتصاد السوفياتي يعاني من فوضى كبرى.
وسبق للخبير الاقتصادي الروسي إيغور غايدار أن كتب: «يمكننا أن نعيد الخطّ الزمني لانهيار الاتحاد السوفياتي إلى 13 أيلول 1985، حين أعلن وزير البترول السعودي الأسبق أحمد بن زكي يماني، أن السعودية قد قرّرت تغيير سياساتها النفطية بشكلٍ جذري».
السعودية تعيد الكرّة وتوجه سلاحها إلى روسيا
يعتمد نصف الدخل القومي الروسي في الوقت الراهن على عائدات النفط والغاز، ومع انخفاض أسعار النفط حالياً إلى 40 دولاراً للبرميل، وانخفاض السعر تحت معدّل 30 دولاراً مرتين هذه السنة، نرى السيناريو يتكرّر، وكما يظنّ ميخائيل ديميتريف، نائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الروسي السابق، فقد وصلت قيمة التضخم في البلاد إلى أرقام غير مسبوقة السنة الماضية، كما استنزفت ما يسمّى بصندوق الثروة السيادية»، بحسب الصحيفة.
تأثر الدول المنتجة للنفط
فنزويلا من أكثر الدول التي تأثرت بانخفاض أسعار النفط إذ يمثل الذهب الأسود 95 في المئة من قيمة صادراتها، ومع توقعات صندوق النقد الدولي أن يبلغ حجم التضخم 720 في المئة فإن فنزويلا ستصبح تقريباً دولة بلا اقتصاد وسيحشر الرئيس الفنزويلي في زاوية ضيقة قد ترمي به إلى الهاوية.
نيجيريا أيضاً دولة عصفت بها أزمة النفط، لا سيما أن الدولة تقع تحت ضغط محاربة جماعة «بوكو حرام» الإرهابية التابعة لـ«داعش»، وهذا أيضاً ينطبق على بعض دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأذربيجان اللتين تسعيان إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
العراق أيضاً تأثر بشكل كبير وتراجعت قدرته على محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، في حين عانت دول خليجية كقطر والإمارات من خسائر قدّرت بنحو 360 مليار دولار من قيمة صادراتها السنة الماضية. وأكدت الصحيفة أن الوضع الراهن سيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في جميع الدول التي تشارك في الحرب على سورية واليمن .
هل ستتأثر السعودية نفسها؟
بـ«نعم ستتأثر»، أجابت «نيويورك تايمز». والسبب أن المسؤولين في السعودية لم يتوقعوا على الإطلاق أن تنخفض أسعار النفط تحت 60 دولاراً للبرميل، ولم يتوقعوا أن تفقد البلاد سيطرتها على السعر، على رغم كونها أكبر منتج داخل منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبيك».
على الجانب الآخر، كان صندوق النقد الدولي قد حذّر من أن السعودية قد تواجه الإفلاس بحلول عام 2020 إذا لم تتحكم في الإنفاق الحكومي بشكل مناسب. ففي مشهد غير معتاد تسعى السعودية، التي تعتبر صاحبة أكبر احتياطي من الذهب الأسود في العالم، إلى اقتراض مليارات الدولارات من جهات أجنبية حالياً، وزادت من خططها التقشفية.
وطرحت الصحيفة عدداً من التساؤلات عن قدرة الملك السعودي على تحمّل أعباء الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أنه يواجه جبهتين كبيرتين في الوقت ذاته، وهو ما لم تتمكن منه أي دولة نفطية سابقاً.
في الوقت نفسه، تحرّرت إيران من العقوبات الدولية، الأمر الذي يضيف مصدراً جديداً للنفط في السوق العالمي الذي فقدت الرياض السيطرة عليه بالفعل لما يسود فيه من حالة عدم الاستقرار والمتاعب الاقتصادية الراهنة، ويبقى الجانب الرئيس في القضية هو كيف تأذّى السعوديون من سلاحهم.