الجبير: ريفي أقرب إلينا من الحريري

روزانا رمّال

يبدو وزير العدل اللبناني المستقيل أشرف ريفي متمسكاً بخياره الذي يحول دون بقائه في حكومة يتهمها بكونها «لا تحرّك ساكناً في قضية ملف إطلاق سراح الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة على خلفية ملف تورطه بنقل أسلحة من لبنان إلى سوريا من دون التوصل إلى محاكمة تعاقبه أو تدينه» والقصد بالطريقة التي يرغب فيها الوزير ريفي.

لم تسمح وزارة العدل لريفي ضمان حسم القضية بما يتوافق مع رؤيته، فكشف أن البلد الذي كان يدار منذ مرحلة ما بعد 2005 بطريقة أحادية لصالح الفريق المناهض لسوريا لم يعُد كذلك وأن تغيراً كبيراً طرأ، مرسلاً إشارات واضحة إلى ما يتعدى قضية سماحة والتي لم تكن سوى المخرج المناسب القادر على منح ريفي هامشاً يحفظ قدر الإمكان مكانته كشخصية شمالية جهدت لإنجاح ومساندة كل ما من شأنه المساهمة في إضعاف الدولة السورية وإسقاطها مع فريق إقليمي تقاطع ريفي مع أجندته بشكل مباشر يتمثل بتركيا والسعودية.

خروج ريفي من الحكومة أكد أنّ هناك ما يضرب خياره الذي سلكه بالأزمة السورية وضلوعه بشيء «ما» له علاقة بسير الأمور فيها. فهو ليس اسماً هامشياً في اللعبة الأمنية المتعلقة بالميدان السوري من بوابة لبنان، وفي كلّ ما من شأنه تأمين المساعدة للخيار الذي يصبّ بمصلحة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد عسكرياً وسياسياً.

في الشمال وفي طرابلس تحديداً، استطاع ريفي إثبات نفوذه لدى مجموعات متطرفة محدّدة وقدرته على المنافسة والخصومة بينه وبين قوى طرابلسية بقيت على أشدها، خصوصاً مع الرئيس السابق نجيب ميقاتي الذي راعى الخصوصية الطرابلسية سابقاً بمواجهة ريفي حين كان رئيساً للحكومة.

اجتمعت الإشارات التي تؤكد أنّ ريفي مسؤول أمام أهل الشمال ومطالَب بوعود قطعها في بداية الحرب.

يتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن الهبة السعودية المخصصة لدعم الجيش اللبناني في وقت دقيق من المفترض أن تتضافر الجهود وتتوحّد من اجل دعم ما تبقى من جيوش في المنطقة لقتال الحركات «الجهادية»، فيكشف عن أحد أسباب إيقاف الهبة ويقول «إن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة ليس مؤشراً لاستقلال الجيش اللبناني، والمملكة حريصة على استقرار لبنان، لكن الجبير يشعر بالأسف لوجود «جماعة مصنفة إرهابية، تمسك بقرار هذا البلد والمقصود حزب الله».

يدخل الجبير بتفصيل لبناني بحجم قضية سماحة ليكشف مدى ارتباطه بالأطراف المؤيدة لمعاقبة سماحة وتثبيت التهمة عليه، بل استعداده للظهور كمتدخل في عمل القضاء اللبناني وهو المعترض بشدة حتى الاستعداد للقتال على ما وصفه بالتدخل الإيراني في شأن القضاء السعودي في قضية الشيخ نمر النمر، وهي قضية أشد تبريراً لإيران للتدخّل، فالمعني هو أحد رجال الدين الشيعة من تلامذة مدينة قم الإيرانية، بينما المعني هنا طائفياً وسياسياً لا يتيح للسعودية أي مبرر للتدخل. ويتمادى الجبير في الكشف المثير عن نية التدخل بلا حرج، عندما يربط وقف الهبات بقضية الموقف من المحكمة العسكرية ليربطه بالموقف من الجيش، بما في ذلك من اتهام للمؤسسة العسكرية بالوقوف وراء أحكام المحكمة واعتماد المحاباة السياسية على حساب استقلال القضاء، بينما لو كان الأمر مجرد سماع ما يقوله الحلفاء، فكان يكفي السماع لقول الوزيرة والقاضية شبطيني المحسوبة على الحليف المعني بالهبات السعودية الرئيس السابق ميشال سليمان التي قالت إن سلوك المحكمة كان قانونياً وأن حملة حليفها وزميلها أشرف ريفي كانت عصبية ومبالغاً بها.

تؤكد مواقف الجبير أيضاً متابعة السعودية لتباينات الحلفاء وقرارها انحيازاً لرواية واحدة هي رواية ريفي، لأنها على صلة بما يهمّها بوعي وهو ما يجري من أحداث في طرابلس منذ مدّة طويلة بدأت مع استغلالها اللافت لقضية سماحة التي تصير فجأة قضيتها، لأنها كانت تعتمد عليها لاتهام الرئيس السوري بشار الأسد بالعبث بأمن لبنان في قضية كان من المفترض أن تضيف نقطة إلى رصيدها أمام المجتمع الدولي لإثبات إدانة موثقة للنظام السوري عبر المحاكم اللبنانية تؤكد تدخل سوريا في جيرانهـا واعتبار النظام خطراً على كل المحيطين به.

يلفت هنا موقف الرئيس سعد الحريري الذي لم يبد موقفاً متشنجاً من خروج سماحة من التوقيف، معتبراً أن مواقف الوزير ريفي لا تمثله قائلاً «لا يزايدنّ أحد علينا باغتيال وسام الحسن أو محاكمة سماحة. فكل من ارتكب جريمة سينال عقابه». لم يبد الحريري أيضاً اهتماماً بالغاً بقضية استقالة ريفي على حد سواء، معتبراً أن لكل شخص حرية مطلقة في اختيار موقفه ومصيره، يؤكد مصدر في تيار المستقبل. كلام الحريري في هذه القضية واهتمام السعودية المبالغ فيها وربط مصير الجيش اللبناني بها، عبر تصريح الجبير يشير إلى وضع غير سليم يشوب العلاقة بينه وبين مسؤولين سعوديين يمثلون العهد الجديد، لكنه يلفت أيضاً إلى بعض التغير في لهجته ترسم علامات استفهام بدورها فهل تمايز الحريري عن الموقف السعودي هو مناورة، أم أنه رهان على تغير ما بالمنطقة سيغلب أصوات الاعتدال، بدلاً ممن برزوا كرأس حربة طيلة الأزمة السورية بينهم ريفي والجبير وغيرهما من الشخصيات المحلية والإقليمية أم الذي تغير هو السعودي الجديد الذي يفهمه ريفي، بينما لا يزال الحريري يتصرّف وفي باله السعودي القديم الذي عرفه جيداً وما عاد يفهم عليه هذه الأيام؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى