جديد أوباما… تكذب النيّات ولو كان الكلام معسولاً
جمال رابعة
طالعنا الرئيس الأميركي باراك أوباما بتصريحات لمجلة «أتلانتيك» بعناوين صاخبة استقطبت الإعلام بمحاوره وتوجهاته المختلفة، وتباينت المواقف والآراء والتحاليل لجهة هذه التصريحات في ظرفها الزماني والمكاني.
ما هي الأهداف التي يريد أن يحققها أوباما من جراء تلك التصريحات؟
عوّدتنا واشنطن أن لا شيء ينطق عن هوى وارتجال، بل نقاط ارتكازها في رسم السياسات واستيلاد الخطط والبرامج والمواقف وحتى التصريحات لكبار الرسميين الأميركيين منبعها مراكز الدراسات الاستراتيجية، والتي يشرف عليها ويوجّهها كبار السياسيين والخبراء والاستراتيجيين، بوصلتهم بذلك مصلحة من يدير الإدارة الأميركية لتصبّ نتائج كلّ المعطيات بعد ذلك بما يخدم السياسات التي رسمتها واشنطن في المنطقة والعالم.
يقول أوباما لمجلة «أتلانتيك»: «إنّ السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين المتطرفين إلى البلد، وفي عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهّابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة».
في معرض قوله هذا اتهم أوباما، بشكل مباشر، آل سعود بنشرهم التطرف الديني التكفيري والإرهاب في المنطقة والعالم، عبر المذهب الوهّابي وأعطى مثالاً على ذلك باستخدامهم البترو الدولار في تغيير طبيعة الإسلام المعتدل، كما حصل في إندونيسيا.
وعند عن سؤاله إن كانت السعودية بلداً حليفاً للولايات المتحدة، أجاب أوباما: «الأمر معقد». وأوضحت المجلة في هذا الصدد أنّ المسؤولين الأميركيين يقولون لزائريهم «إنّ العدد الأكبر من منفذي هجوم 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين»، حتى أنّ أوباما نفسه يهاجم السعودية في الغرف المغلقة، ويقول: «إنّ أيّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث».
هاجم الرئيس الأميركي بشدة نظيره التركي رجب طيب أردوغان ووصفه بـ«الفاشل والديكتاتور»، واعتبر أوباما أنّ أردوغان أحد مصادر إحباطه، فمن كان ينظر إليه أوباما في البداية على أنه «قائد مسلم معتدل يمكن أن يكون جسراً بين الشرق والغرب»، يعتبره «فاشلاً واستبدادياً، يرفض استخدام جيشه الضخم من أجل المساهمة في إعادة الاستقرار إلى سورية».
منذ بداية تأسيس هذه المملكة الإرهابية الوهّابية بتبنٍّ بريطاني أولي انتهى باحتضان واشنطن، للحفاظ على استمرارية عرش آل سعود وحمايته أولاً من شعب شبه الجزيرة العربية وثانياً من محيطه العربي والإسلامي، والأمثلة كثيرة.
أليس كلّ ما يجري على هذه الأمة من بلاء ومصائب وكوراث منذ عشرينيات القرن الماضي وصولاً إلى ما يسمى بالثورات العربية وما جرى في العراق وليبيا وسورية واليمن من دمار وقتل وانتشار الإرهاب وحروب بالإنابة بأدوات تكفيرية إرهابية كـ»القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وما شابهها، صنيعة المخابرات الأميركية والبريطانية؟ ألم يكن كلّ ذلك بتمويل آل سعود ودعم أردوغان وتحت أنظار وحماية واشنطن والغرب الأطلسي بتأمين الغطاء السياسي في المحافل الدولية؟
باعتقادي أنّ رفع الغطاء عن آل سعود وأردوغان ومشايخ الخليج هو في الإعلام فقط، لكنّ الحقيقة والواقع مختلفين ويعكسان أمراً آخر، ونحن نشاهد شعوب المنطقة تدفع أثماناً باهظة لحريتها وسيادة قرارها الوطني.
أما مبررات ذلك ودوافعه لدى واشنطن، فهو من تمتين العلاقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني وهذا ما شاهدنا بوادره خلال الفترة الماضية حيث أعادت تركيا العلاقات مع الكيان الصهيوني بعد حادثة السفينة «مرمرة»، كذلك استقبل آل سعود، منذ فترة، وفداً من الكيان الصهيوني في الرياض وفق القناة العاشرة «الإسرائيلية».
كلّ ذلك يمهّد لتمكين واشنطن من إدارة أزمة الشرق الأوسط، بالإنابة عبر حلف يجمع تركيا ودول الخليج والكيان الصهيوني، في مواجهة محور المقاومة الممتد من إيران إلى العراق فسورية إلى لبنان، وبذلك تتفرغ واشنطن لمواجهة المارد الصيني بعد أن نقلت العام الماضي مقرّ قيادة القوات البحرية الأميركية من البحرين إلى أستراليا للتوجه نحو جنوب شرق آسيا.
بشكل عام، إنّ هذه التصريحات لا تصبّ مطلقاً في مصلحة شعوب المنطقة لكنها تخدم عقيدة أوباما الدموية وعقيدة سلمان الطائفية.
في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية ردّ رئيس الاستخبارات السعودية العامة الأسبق تركي الفيصل على أوباما مدوناً اعترافاً صريحاً بأنّ آل سعود كانوا سبب تدمير وخراب دول المنطقة، خصوصاً سورية والعراق واليمن وليبيا وأنهم دعموا الولايات المتحدة الأميركية بارتكاب أشنع المجازر بحقّ شعوب المنطقة في أفغانستان والعراق وليبيا. احتجّ تركي الفيصل بعتاب رقيق على أسياده بقوله: «لا يا سيد أوباما… هذا ما قمنا بدفنه سوية».
عضو مجلس الشعب السوري