بعد خمسة أعوام من غزو «ناتو»… هل يستفيق الليبيون؟

هشام الهبيشان

يبدو أنّ ما يجري في طرابلس من اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين الميليشيات في شارع الجمهورية وباب العزيزية، هو خير شاهد على نتائج عدوان «ناتو» الغربي والعربي على ليبيا قبل خمسة أعوام، وها هي ليبيا اليوم غارقة في الفوضى والإرهاب المصطنع الهادف إلى إعادة تفتيت الفسيفساء الليبية خدمة لمطامع ومشاريع غربية ـ صهيونية في ليبيا.

يبدو واضحاً للجميع حجم الكارثة التي لحقت بالليبيين نتيجة هذا الغزو المحسوب الأهداف والنتائج، فاليوم تحولت ليبيا للأسف، وبتآمر من بعض من يدّعون أنهم من أبنائها، إلى بؤرة تطرف جاذبة للإرهاب والإرهابيين، ويتزامن التوريد المستمر للإرهاب إلى ليبيا مع استمرار فصول الصراع العسكري على الأرض والذي ترك، بدوره، عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومئات الآلاف من المشردين والمهجرين واللاجئين ودماراً واضحاً وممنهجاً للبنى التحتية كافة.

على مدار خمسة أعوام وجدت ليبيا نفسها في خضم حرب عالمية بأشرس صورها، حرب معقدة مركبة للغاية أُسقطت فيها كلّ المعايير الإنسانية. آلاف من الإرهابيين العابرين للقارات، وملايين الأطنان من الأسلحة التي دُمرت بها مدن ليبية بأكملها وقُتل أهلها وضربت بها مقومات حياة المواطنين فيها. حورب المواطن الليبي حتى في لقمة عيشه اليومية، حرب معقدة قوامها الكذب والنفاق والمصالح الصهيو أميركية. حرب لا علاقة لها بكلّ الشعارات المخادعة التي تتستر بها، ففي ليبيا جُهزت تفاصيل الحرب على مراحل وحلقات وبمشاركة دول عربية وإقليمية.

عكس غزو حلف «ناتو» الغربي ـ العربي لليبيا حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما جري في هذا البلد، وهي أهداف ورهانات تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة العربية والثروات الطبيعية فيها وموقعها الجيوسياسي إلى أقصى الحدود، فاليوم نسمع عن مؤتمرات دولية لا تغني ولا تسمن من جوع الليبيين التوّاقين إلى الاستقرار، كما نسمع عن تشكيلات لحكومة وفاق ليبية، وهذه المؤتمرات والحكومات تتمّ في مناطق جغرافية خارج الوطن الليبي، ما يدلّ على حجم الأزمة التي تعيشها الدولة الليبية المتمثلة بانعدام الأمن والاستقرار وتمدُّد الإرهاب.

من هنا يمكن القول إنه بات من الواضح أنه ومنذ مطلع عام 2011، وتحديداً منذ 19-3-2011، تحوّلت ليبيا ونتيجة الغزو الذي تمّ بتحالف بعض العرب مع «ناتو»، إلى دولة معدومة الاستقرار ويبدو أنّ هذا الحال سيستمر للأعوام المقبلة، فقد شهدت الدولة الليبية منذ مطلع العام الحالي تطورات دراماتيكية دموية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، والواضح أنها ستمتدّ على امتداد أيام هذا العام، وقد اشتعلت جبهات عدة على امتداد الجغرافيا الليبية، وفي شكل سريع ومفاجئ جداً، في ظلّ دخول متغيرات وعوامل جديدة وفرض واقع وإيقاع جديدين على الخريطة العسكرية الليبية، خصوصاً بعد تمدُّد القوى المتطرفة في شكل واسع في مناطق شرق وجنوب شرقي ليبيا.

هذا الواقع الذي فرض نفسه على ليبيا عسكرياً، وتحديداً في العاصمة طرابس ومدينة بنغازي، ومؤخراً مدينة مصراته وبعض مدن الجنوب والشرق الغنية بالنفط، يدلّ بشكل كارثي على الحالة الماسأوية للشعب الليبي ودولته بكل أركانها، فقد فرض الواقع العسكري نفسه وبقوة على كلّ التجليات المأساوية التي عاشتها ليبيا مؤخراً، وشهدت البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، صراعاً دموياً محلياً كبيراً، صراع مدعوم بأجندات خارجية، وكانت أطراف هذا الصراع متعدّدة الولاءات، فمنها على سبيل المثال لا الحصر، ميليشيات وكتائب عسكرية متعدّدة ومنها كتائب المدن والقبائل وما يسمى بـ«أنصار الشريعة» و«كتائب فجر ليبيا» ومجالس الثورة وميليشيات المدن الليبية و«داعش» إلخ…

وأفرز تعدُّد هذه المليشيات المسلحة على الأراضي الليبية حالة صراع دائم فيما بينها، وارتبط هذا الصراع المحلي بصراع إقليمي ـ دولي، ما ينذر بالمزيد من الفوضى داخل الدولة الليبية مستقبلآ، وهذا بمجموعه كان مخططاً له من قبل حلف «ناتو» عندما قرّر غزو ليبيا، فهذا الحلف رسم مستقبلاً قاتم المعالم للدولة الليبية لإبقائها في حالة اللاسلم واللاحرب، في ظلّ غياب أي سلطة فعلية للدولة على الأرض، متزامناً مع ظهور جماعات متطرّفة في شرق وجنوب شرق ليبيا، أعلنت ولاءها ومبايعتها لتنظيم «داعش» الإرهابي، وهذا ما سيزيد التعقيد المستقبلي للحالة الليبية المضطربة أصلاً، وهذا الوضع قد يستمر لأعوام مقبلة قبل الحديث عن جراحة دولية وعربية وإنشاء حلف دولي لمحاربة القوى المتطرفة، وهذا ما بدأت علامات ظهوره تتضح مؤخراً، والهدف هو اقتسام الكعكة الليبية بين القوى الكبرى.

ختاماً، وبعد مرور خمسة أعوام على غزو حلف «ناتو»، بدعم عربي، للأراضي الليبية، يمكن القول إنّ المشهد الليبي يزداد تعقيداً مع مرور الأيام، وهذا ما يستلزم وضع خطط عمل فاعلة على الأرض من قبل بعض القوى الليبية الوطنية، لوضع حدّ للفوضى وتنسيق حلول مقبولة لإيقاف حالة النزيف التي يتعرض لها الوطن الليبي، وإلا ستبقى ليبيا الدولة بكلّ مكوناتها تدور في فلك فوضوي طويل عنوانه العريض الفوضى والصراع الدائمين على الأرض الليبية، والخاسر الوحيد من هذه الفوضى هو الشعب الذي يدفع اليوم من دمه ومن مستقبله ومستقبل أجياله القادمة ضريبة خطأ تاريخي كبير ارتكبه بعض أبنائه الذين شاركوا، بوعي أو لاوعي، بمشروع تدمير ليبيا؟

كاتب وناشط سياسي ـ الأردن

hesham.habeshan yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى