القرار الرسمي العربي بوسم المقاومة بالإرهاب هل يدفع العدو الصهيوني إلى شنّ الحرب ضدّ لبنان؟
إبراهيم ياسين
طغى قرار حكومات مجلس التعاون الخليجي ومن ثم بيان وزراء خارجية الدول العربية تصنيف حزب الله المقاوم منظمة إرهابية، طغى على الأحداث في المنطقة واحتلّ مساحة كبيرة في نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية والصحافة المكتوبة، وأثار ردود فعل عاصفة في الوطن العربي رافضة لمثل هذا القرار المشين والمخزي، وفي الوقت نفسه كان محلّ ترحيب صهيوني باعتباره إنجازاً لمصلحة الكيان الصهيوني الذي طالما سعى إلى تحقيق هذا الهدف بوسم المقاومة بالإرهاب ومساواتها بتنظيم «داعش» الإرهابي في سياق مخططه لتشويه سمعة المقاومة لدى الرأي العام العربي والعالمي، بعدما فشل في القضاء عليها خلال حرب تموز 2006، والتي مُني خلالها الجيش الصهيوني بهزيمة مدوية.
على أنّ هذا القرار الرسمي العربي طرح العديد من الأسئلة بشأن ما إذا كان أحد أهدافه توفير الغطاء لقيام العدو الصهيوني بشنّ حرب جديدة ضدّ المقاومة في لبنان، والتي يستعدّ لها منذ انتهاء تلك الحرب في 14 آب عام 2006.
ويرى البعض أنّ هذا الغطاء العربي المتزامن مع الفوضى القائمة في بعض البلدان العربية نتيجة للحروب الإرهابية المموّلة خليجياً والمدعومة أميركياً وصهيونياً، توفر الفرصة المواتية لحكومة العدو اليمينية المتطرفة لشنّ هذه الحرب ضدّ المقاومة ولبنان تحت عنوان محاربة الإرهاب.
ومن دون أدنى شك فإنّ الظروف العربية الحالية تخدم الحكومة الصهيونية فيما إذا كانت تنوي فعلاً شنّ الحرب ضدّ المقاومة في هذا التوقيت بالذات، لكن من المعروف أنّ مثل هذه الظروف العربية لا تكفي لوحدها لإقدام العدو الصهيوني على تنفيذ مثل هذا القرار، فهو أصلاً لا يحتاج إلى تبريرات لشنّ الحرب، فلطالما كان يختلق الذرائع للقيام بشنّ الحروب ضدّ العرب، ومثال على ذلك اجتياح لبنان عام 1982 بذريعة تعرّض السفير الصهيوني في بريطانيا لعملية إغتيال…
فالعدو الصهيوني لا يقدم على أية حرب إلا إذا توافرت له ثلاثة شروط أساسية هي:
1 ـ توافر إجماع صهيوني، سياسي وأمني وعسكري والرأي العام بمعنى تأييد صنّاع القرار والأحزاب الصهيونية وكلّ الصهاينة لشنّ الحرب.
2 ـ توافر معلومات استخبارية كافية عن الأهداف التي سيقوم الطيران الصهيوني بقصفها، إلى جانب ضمان تحقيق النصر في هذه الحرب، لا سيما بعد هزائمه المتكرّرة أمام المقاومة في لبنان وقطاع غزة وعدم قدرته على تحمّل نتائج أي هزيمة جديدة.
3 ـ موافقة الولايات المتحدة الأميركية على شنّ الحرب ضرورية بالنسبة للحكومة الصهيونية، لأنّ لهذه الموافقة أو عدمها مترتبات سياسية واقتصادية ومالية وعسكرية، باعتبار أنّ أميركا هي التي توفر للعدو الصهيوني الدعم السياسي والديبلوماسي لحماية الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، كما تعوّضها عن الخسائر المادية والعسكرية الناتجة عن كلفة الحرب.
هل هذه الشروط الثلاثة متوافرة اليوم؟
إنّ من يدقق اليوم في الواقع الصهيوني – والواقع الأميركي يخلص إلى الأتي:
1 ـ على المستوى الصهيوني الداخلي، لا توجد حتى الآن ظروف مؤاتية لاتخاذ قرار بالإقدام على شنّ الحرب، فلا الرأي العام الصهيوني يميل إلى تأييد مثل هذا القرار لإدراكه بأنّ عواقبه ستكون كارثية عليه، لا سيما على ضوء تواتر المعلومات التي تنشرها الصحافة الصهيونية عن تزايد قدرات المقاومة الصاروخية التي تمكّنها من توجيه ضربات موجعة للمنشآت الصهيونية العسكرية والمدنية، والتي تعزّزت بعد الخطاب الأخير لقائد المقاومة السيد حسن نصر الله عن القنبلة النووية التي ستنفجر في مدينة حيفا إذا ما قصفت المقاومة ببضعة صواريخ مستوعبات غاز الأمونيا، الأمر الذي أثار حالة من الرعب والهلع وسط الصهاينة.
2 ـ أما على المستوى الأمني والعسكري فإنه وعلى الرغم من كلّ الاستعدادات الصهيونية للحرب المقبلة ومحاولة سدّ الثغرات الناتجة عن هزيمة 2006، إلا أنه لا يتوافر لدى القيادتين الأمنية والعسكرية بعد، «اليقين» بتحقيق النصر في الحرب.
لا بل هناك حالة من القلق والخوف من أن تؤدي الحرب إلى نجاح المقاومة بنقل المعركة إلى داخل فلسطين المحتلة عبر سيطرتها على المستعمرات الشمالية مع الأيام الأولى لبدء الحرب، وهو ما تحدّثت عنه المصادر الصهيونية مؤخراً من أنه جرى الاستعداد منذ الآن لاحتمال من هذا النوع عبر المسارعة إلى نقل المستوطنين إلى المناطق الداخلية، هذا عدا عن أنّ هناك احتمالات بأن تؤدّي الحرب إلى هزيمة جديدة للجيش الصهيوني قد تؤدّي إلى تداعيات خطيرة على مستقبل وجود الكيان الصهيوني.
3 ـ الموافقة الأميركية على الحرب: كلّ المؤشرات والمعطيات تؤكد أنّ الإدارة الحالية برئاسة باراك أوباما لا تؤيد الذهاب إلى حرب جديدة، وهذا الأمر تأكد بوضوح في الأزمة السورية عندما امتنع أوباما عن شنّ حرب ضدّ سورية عام 2013 خوفاً من نتائجها العسكرية والإقتصادية السلبية على الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً أنّ مثل هذه الحرب فيما لو حصلت كانت ستتحوّل إلى حرب إقليمية واسعة ومكلفة في وقت لا تزال الأكلاف الباهظة للحرب في العراق وأفغانستان تضغط بشدة على الاقتصاد والمجتمع الأميركي.
وإلى جانب ذلك فإنّ الانتخابات الرئاسية التمهيدية في الولايات المتحدة الأميركية أظهرت أنّ الاتجاه العام لعدم تأييد الحرب لا بل يميل إلى دعم التسويات وعدم التورّط في حروب جديدة، وهذا الاتجاه لا يقتصر على الحزب الديمقراطي وإنما يطاول أيضاً الحزب الجمهوري المحافظ والمعروف بتأييده لخيار «استخدام القوة في تحقيق مصالح أميركا القومية»، حيث صوّت معظم الجمهوريين للمرشح دونالد ترامب الذي يعارض بشدّة خيار الحرب ويرفض سياسات نتنياهو التي تعيق حلّ الدولتين في فلسطين.
إذاً من الواضح أنّ الشروط الثلاثة التي ذكرناها آنفاً والضروري توافرها لإقدام أيّ حكومة صهيونية على شنذ الحرب غير متاحة حالياً.
ولذلك فإنّ القرار الرسمي العربي بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية وإنْ كان يخدم العدو الصهيوني ويوفر له الغطاء لشنّ عدوان جديد على المقاومة، إلا أنه ليس الأساس أو المنطلق الذي يستند إليه العدو لاتخاذ قرار بشنّ الحرب ضدّ المقاومة.
لكن العجب العجاب أنّ العدو الصهيوني صاحب المصلحة بشنّ الحرب لا يرى أنّ الشروط اليوم متوافرة له للإقدام على ذلك، فيما نرى من العرب من يسوّق له ويشجّعه ويحرّضه على ضرب المقاومة حتى أنه أصبح أكثر عداءً للمقاومة من عدوها الأساسي المحتلّ الصهيوني الغاصب.