مواجهة الإرهاب لا تكون في المرحلة الأخيرة قبل التفجير
شارل أبي نادر
بالرغم من التحذيرات الجدّية، ومن المعلومات الدقيقة والمبنية على معطيات واقعية عن الأخطار شبه المؤكدة عن تفجيرات إرهابية ستستهدف أماكن عامة، ومنها بالتحديد مطارات ومحطات للمترو وللقطارات، لم تستطع أجهزة أمن دول الاتحاد الأوروبي وتحديداً البلجيكية من إبعاد أو منع أو تعطيل العمليات الإرهابية الدموية التي طالت أمس مطار العاصمة البلجيكية بروكسل وإحدى أكبر محطات المترو فيها، حيث حصدت عشرات الشهداء الأبرياء وأوقعت مئات المصابين في واحدة من أكثر العمليات الإرهابية رعباً ودموية والتي طالت أوروبا في الفترة الأخيرة.
هذا الضعف الواضح في المواجهة، حيث بدت أجهزة الأمن عاجزة عن منع أو تخفيف النتائج الكارثية لثلاث عمليات إرهابية امتدّ تنفيذها فترة من الزمن ليست ببسيطة، إذ من المفترض أن يكون ردّ فعلها أسرع في ظلّ الأجواء المتشنّجة والحساسة في العالم بشكل عام وفي أوروبا بشكل خاص، وأيضاً على ضوء توقيف العقل المدبّر لهجمات باريس الدموية الأخيرة، كان سيكون مماثلاً لدى أكثر الأجهزة الأمنية فعالية وسيطرة، حيث تتدنّى كثيراً إمكانية إفشال عملية إرهابية في مرحلتها الأخيرة قبل التنفيذ بعد أن تكون قد أشبعت تخطيطاً وتحضيراً ودراسة، وحيث تكون قد أصبحت ضمن خانة القرار النهائي الذي لا رجوع عنه خاصة في العمليات الانتحارية.
من خلال إجراء دراسة واسعة لأغلب العمليات الإرهابية التي طالت العالم مؤخراً، والتي جاءت على خلفيات متشدّدة، وعلى خلفيات تتعلّق بالحرب في الشرق الأوسط والتي تُشنّ على التنظيمات الإرهابية كـ»داعش» أو «القاعدة»، يمكن استنتاج ما يلي:
إنّ مواجهة الإرهاب الصحيحة والفعّالة هي سياسة متكاملة للمجتمع الدولي ولكلّ دولة معنية، هي سياسة تشريعية تطال القوانين المتعلقة بصناعة الأسلحة والمتفجرات ونقلهما، وهي سياسة تطال القوانين المتعلقة بالمدارس والجمعيات الدينية وغيرها والتي تكون مصدراً للتشدّد وللتحريض على رفض الآخر وعلى تكفيره وعلى قتله، وهي سياسة قضائية تفرض التشدّد في الأحكام التي تطال جرائم لها جذور وأصول وامتدادات إرهابية.
أيضاً، هي سياسة إدارية تفرض مراقبةً وتشدّداً على المعابر التي تربط الدول ببعضها، وأيضاً على المواقع الالكترونية السلفية والمتشدّدة التي تمارس التحريض وتبثّ سموم الفتنة والتكفير، والتي تشكل وسيلة للتجنيد ولتنظيم وإدارة العمليات الإرهابية.
هي سياسة دولية في فرض ضغوط جدية على الدول التي ينشأ الإرهاب في مجتمعاتها دون أن تراقبه أو تتابعه لأسباب عقائدية ودينية داخلية، وأيضاً هي سياسة دولية في الضغط على الدول التي تشكل ممراً ومعبراً للأسلحة وللذخائر بهدف محاربة أنظمة مناوئة لها، لأن في ذلك تهريباً وتسريباً لمتفجرات الإرهاب ولأسلحته الفتاكة.
إنّ المواجهة الفعّالة للإرهاب تكون في مساعدة الدول والأنظمة التي تعاني من تمدّده كسورية والعراق، ولا تكون في المساعدة والعمل على إضعاف سلطة هذه الدول خدمة لمشاريع دولية مشبوهة ومرتهنة، حيث بذلك يستفيد الإرهاب وينتشر في مدن وفي محافظات وفي مناطق خارج سلطة هذه الدول المستهدفة، فيدرّب عناصره ويحرّضهم ويُخضعهم لدورات دينية وعسكرية متشدّدة ويطلقهم في الميادين الواسعة لتنفيذ عملياتهم الدموية.
إنّ مواجهة الإرهاب الصحيحة تكون في القرار الواضح والحاسم في وضع النقاط على الحروف حول مَن هو المسؤول عن تمدّده وانتشاره، حول مَن يموّله ومَن يدعمه ومَن يغطيه، حول مَن يحميه ومَن يرعاه ويحضنه بهدف الاستفادة منه في تنفيذ السياسات الخبيثة الدنيئة المجرمة.
انها في النهاية معركة مفروضة ضدّ هذا الإرهاب لا مفرّ منها، حيث أصبح يشكل خطراً وجودياً على المجتمعات وعلى الدول، ولا يمكن مواجهته بشكل منفرد أو أحادي، وهذه المواجهة تفترض تعاوناً واسعاً وصادقاً من الجميع، وتفترض العمل بمسؤولية وبجدية من خلال خطة دولية مشتركة، تضع جانباً الانقسامات والخلافات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خطة شاملة تتجاوز خلافات المال والسلطة والسيطرة، فالجميع مستهدَف والجميع معنيّ والجميع مسؤول.
عميد متقاعد