داعش يمهّد للخروج من المنطقة ويسقط 300 بين قتيل وجريح في بروكسل
كتب المحرّر السياسي
لم يمرّ التفجير المركب الذي استهدف العاصمة البلجيكية وسقط بنتيجته ثلاثمئة بين قتيل وجريح في تفجير مزدوج في مطار بروكسل وتفجير ثالث في محطة القطارات المركزية وسط العاصمة قرب مقار حكومية وأوروبية حساسة، دون أن يفتح نقاشاً عميقاً في النخب الأوروبية ومؤسساتها الأمنية، حول أسباب تجذّر الإرهاب ومصادر قوته، بعدما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن العمليات، وهو الذي كشف نيته القيام بضربات من هذا النوع منذ أسابيع، أدت لرفع درجة الاستنفار الأوروبي ولم تنجح في منع أو ضبط أي من العمليات.
وفقاً لمصدر دبلوماسي فرنسي سابق تشهد المؤسسة الحاكمة في أوروبا على مستويات الأمن والدبلوماسية نقاشاً مفصلاً وورش عمل متصلة، لمعرفة مصادر قوة التشكيلات الإرهابية وتجذّرها في أوروبا وفشل محاولات الاستئصال والسيطرة التي تقوم بها وزارات الداخلية وأجهزة الاستخبارات.
ويقول المصدر الدبلوماسي الفرنسي الذي زار عواصم الشرق الأوسط مراراً، ومنها بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة، مكلفاً بمهام أمنية خاصة مشتركة بين المؤسستين الدبلوماسية والأمنية، أن الأرضية التي وفّرها الفشل في سياسات دمج الأجيال الثانية والثالثة للمهاجرين من أصول مغاربية يشكل خلاصة أولى متفقاً عليها بين المعنيين، وأن الركود الاقتصادي وانتعاش تشكيلات اليمين العنصري فاقما من هذا التأثير، فتولدت بيئة حاضنة للتطرف المبني على الحقد تجاه من يمكن تسميتهم بالسكان البيض الأصليين للبلاد الأوروبية، تقابله كراهية لأصحاب البشرة السمراء الوافدين للمنافسة على فرص العمل بأجور متدنية في بلاد تنتمي في أصول سكانها لديانة أخرى، ويتلهى الكثير من قادتها بإحصاء عدد المساجد للقول إن المسيحية الأوروبية في خطر.
يقول المصدر إن هذا العامل الاجتماعي الثقافي الاقتصادي السياسي خارج نطاق السيطرة، لكنه يخلق بيئة متنافرة، ولا يكفي لنشوء ونمو وتفاقم وتجذر الإرهاب، ليضيف ثلاثة عناصر يجزم أنها صارت تشكل ما يشبه القناعة الراسخة لدى المسؤولين عن المؤسسات الأمنية في البلاد الأوروبية، والمؤسسات الأوروبية المشتركة المعنية بمكافحة الإرهاب: العنصر الأول هو المقايضة التي يجريها حكام أوروبا أمام شعوبهم بين الإفادة من أموال حكومات الخليج والمساومة على الانتهاكات التي لا تحتمل لهذه الحكومات في قضايا الديمقراطية المفقودة وحقوق الإنسان المستباحة، ما يجعل كل أوروبي يفتخر بما يسمّيه القيم الحضارية لبلاده يحتقر نفسه وهو يرى تقليد الأوسمة لحكام الخليج والهدايا الباهظة التي يتلقاها رؤساؤهم من هؤلاء الحكام، ويرى بيع المؤسسات والمنشآت والأندية لهم بصورة تضع كل الثقة بمشروع حضاري يستحق
التبني والتضحية، وتضعف الثقة بفكرة الدولة المدنية الحضارية التي تتباهى بها أوروبا، ويضيف المصدر أن سقوط التفوق الأخلاقي الأوروبي أمام إغراء المال الخليجي يحمل ضمناً مقايضة الصمت عن انتهاكات الخليجيين لمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان بصمت خليجي عن تمييز عنصري يلحق بالمسلمين في كثير من البلاد الأوروبية، ما يجعل نوعاً من الحرب الأهلية الباردة تجري تحت سطح المجتمع في موازاة النفاق المتبادل على المستوى الرسمي والعلني.
يقول المصدر إن السقوط الأخلاقي لمؤسسة الحكم في الدول الأوروبية تَكرَّس في الحرب التي تشهدها سوريا، وبدأت أوروبا تدفع ثمن نفاقها وتشجيعها خيار تسليم سوريا للتنظيمات الإرهابية التي شكل المتطوعون الذاهبون بالمئات من بلدان أوروبية قوتها الضاربة، طالما يسمح ذلك بالتخلص من الرئيس السوري، وليس خافياً أن ذلك كان يجري بالتنسيق مع تركيا والسعودية وإسرائيل وبضماناتهم بعدم تعرّض أمن أوروبا للخطر من هذه المجازفة. وبرأي المصدر الأوروبي الدبلوماسي والأمني، أن ما نشهده هو تداعيات فشل الصفقة في كل أبعادها وانفلاتها من السيطرة، وتشتت أطرافها كل عند حدود مصالحه ما جعل قضية اللاجئين أزمة أوروبية، بدأت استغلالاً تركياً للضغط من أجل الحصول على الدعم لمشروع المنطقة الآمنة، وها هي تنتهي بملايين المتدفقين على أوروبا، يختفي بينهم مئات الإرهابيين العائدين إلى البلاد الأوروبية، بينما تكتشف أوروبا أنها سلمت أجيال المهاجرين الناشئين لأئمة مساجد بناها ويمولها ويديرها السعوديون والقطريون، فتتخرج منها أجيال وهابية وإخوانية عقائدية هي التي تتشكل منها النواة الصلبة لهذه الجماعات الإرهابية.
يختم المصدر أن أوروبا أمام كارثة أمنية اجتماعية لا تنهيها، نهاية الأزمة والحرب في سوريا، خصوصاً مع احتمالات مؤكدة لانتقال داعش إلى ليبيا، وأن أوروبا تحتاج لثورة مدنية ثانية تعيد الاعتبار لمفاهيم العلمنة وتزيل مظاهر التمييز العنصري، وتعيد ترسيم السياسات على مقاييس الأمن القومي قبل اعتبارات المصلحية الانتهازية تجاه الأوضاع الملتهبة في بلدان الجيرة المتوسطية.
يكشف المصدر عن نصائح تقدمت بها أجهزة الأمن الفرنسية والإيطالية والأسبانية والألمانية والهولندية لحكوماتها طوال السنوات الثلاث الماضية على الأقل بضرورة الإسراع بالتشجيع على تطبيع العلاقة مع الدولة السورية والتعاون معها لضمان مقتضيات الأمن القومي الأوروبي، لأن العدو الذي تقاتله سوريا هو العدو الذي يتربّص بأوروبا، لكن هذه المذكرات الموثقة بقيت بلا آذان صاغية.