ما بعد بروكسل

عامر نعيم الياس

بعد لندن ومدريد وباريس، واليوم بعد بروكسل، ما الذي سيحصل؟

سؤال أضحى على لسان غالبية الأوروبيين الذين يرون عجزاً في نخبهم السياسية وحكوماتهم في مقاربة ملف محاربة الإرهاب. فها هو رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس يقول: «إنها حرب تختلف عن غيرها من الحروب»، فيما يخرج وزير الداخلية الألماني ليقول: «إن الحرب مع داعش طويلة».

«الإرهاب»، مصطلح يحضر على استحياء في القاموس الأوروبي لتوصيف الانفلاش «القاعدي» في مختلف الاتجاهات والضرب من دون سقف أو ضوابط. الأجهزة الأمنية البلجيكية «الغبية» وفق توصيف أحد تقارير صحيفة «لوفيغارو» قبضت على صلاح عبد السلام، المشتبه به الأول في هجمات 13 تشرين الثاني في باريس، «بالصدفة وعن طريق وشاية»، حيث لم تنفع أربعة أشهر من استنفار الأمن الفدرالي البلجيكي وأجهزة الشرطة في الوصول إلى نتيجة مرضية.

خرج الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ليعلن بفخرٍ يعتريه العته المزمن القبض على «صلاح عبد السلام»، هذه هي الاستراتيجية الغربية لمكافحة الإرهاب التي تريدها أو تستطيع باريس العمل بموجبها، لكن «داعش» وخلاياه المنظّمة، والإمكانيات اللوجيستية المتطوّرة في قلب أوروبا لم تمهل هولاند ورئيس الوزراء البلجيكي سوى ثلاثة أيام لتنفجّر عاصمة المشروع الأوروبي، حيث لا وجود «للذئاب المستوحدة» بعد اليوم.

أوروبا الكاذبة:

«ما قبل 22 آذار ليس كما بعده»، هذا الكلام كُرّر كثيراً في العواصم الأوروبية، وكان آخر ما تردّد في باريس في 13 تشرين الثاني من السنة الماضية، لكن ما الذي تغيّر في السياسات الفرنسية؟

في الذكرى الخامسة لبداية الخراب في سورية خصّصت كل من صحيفتَي «لوموند» و«ليبيراسيون» الفرنسيتين صدر صفحاتهما للحديث عن «الثورة السورية» ومن يريد «استمرار الثورة حتى النهاية». وفق «لوموند»، لم يختلف شيء، استحضار للمصطلحات التي بدأ الترويج لها منذ عام 2011 لتدمير سورية، وتسويق لظاهرة «الحرب المقدّسة» والجهاديين، وفي أفضل الأحوال مهاجمة «الإرهاب» ممثلاً بـ«داعش فقط» لا «النصرة»، عبر ربطه «بالدولة السورية».

لا تزال فرنسا على يمين الإدارة الأميركية في سياستها السورية، وحتى الإعلام الأوروبي لا يزال يربط التمدّد الإرهابي في أوروبا «بتراجع داعش في سورية والعراق»، فهل المطلوب ترك «داعش» في سورية والعراق وعدم الحدّ من تمدّده في هذين البلدين؟

الإرهاب المنتج أوروبياً من لندن إلى حي «مولينبيك» في بروكسل ومنذ 15 سنة لا يخفى على أحد، فالحي الذي يقطنه 100 ألف نسمة وفيه 24 جامعاً، 16 منهم ناشطون، وفق الأمن البلجيكي، في تجنيد الشبكات الجهادية إلى سورية والعراق، لم يتم التضييق عليهم، ولا تزال التساؤلات الفكرية والقانونية تطرح في العواصم الأوروبية حول شرعية «محاكمة الجهاديين العائدين من سورية»، فيما تحرّك الأخوان خالد وابراهيم البكراوي بكل حرية في مطار بروكسل، وهما وفق ما أعلنه «راديو بلجيكا» معروفان وملاحقان ومراقبان من قبل جانب الأجهزة الأمنية البلجيكية!

لا وجود لتوجه أوروبي يوحي بالتغيير في محاربة الإرهاب الذي بات له ديناميكيته الذاتية في أوروبا والتي تستمد جزءاً من طاقتها من الفوضى السورية العراقية. تلك الفوضى التي صنعها الغرب ولا يزال يصرّ على الاستمرار بها، فالأولوية لا تزال لإسقاط الدولة السورية وحجز موقع لمحمد علوش على رأس الوفد المفاوض لـ«المعارضة المعتدلة» التي تملك سفيراً لها في باريس، وليس لاجتثاث «داعش» عبر الاعتراف بالقوى القادرة على اجتثاثه وفي مقدّمها الدولة السورية والجيش العربي السوري.

الثمن السياسي لا يمكن أن تدفعه أوروبا، ودموع موغريني ذرفت على أبناء جلدتها في حين لا تزال هي واتحادها الأوروبي يناوران في ابتكار حلول جزئية لأزمة معروف مسبّبها ويملك هو وحده الترياق لها.

ما بعد بروكسل تحصيل حاصل لسياسات أوروبية لا تريد الحلّ، ولا تريد محاربة الإرهاب، فالنخب تحرّكها توجهات وطموحات تختلف عن توجهات الرأي العام الذي سيستمر في أخذ أوروبا نحو اليمين.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى