الرئاسة اللبنانية بين الأزمتين
روزانا رمّال
الترابط الوثيق بين لبنان وسوريا الذي عزّزته الأزمة السورية منذ خمس سنوات حتى اليوم على صعيدَي الأمن والسياسة والذي نشأ أصلاً بقيامة تاريخية بفعل التاريخ والجغرافيا لم يعُد يقتصر على سوريا وحدها في تحديد المصير والمسار بعدما انفتح الشرق الأوسط على الاحتمالات والآفاق كافة جراء دخول لعبة التحالفات وتصدرها المشهد السياسي منذ اندلاع أزمات الربيع العربي.
لم يكن متوقعاً قبل خمس سنوات أن تدخل إيران المعروفة بسياسات التروي والدبلوماسية دوامة معركة طاحنة في سوريا اضطرتها إلى الحضور فيها بين دعم استشاري وأمني، وصولاً إلى تبني كامل لسلامة النظام وبقائه، مهما كانت الكلفة نظراً لما لديها من مصالح استراتيجية معه، هذا تماماً ما لم يكن متوقعاً حول لبنان في أن يرتبط مصير أزمته الأساس في تطوّرات اليمن وتحديداً مصير كرسي الرئاسة فيه، فالأزمة اليمنية التي بدأت منذ عام تجسّدت بحرب سعودية لم تهادن أو تتوقف باتت اليوم واحدة من أبرز عوامل التأجيل الحاصل في ملف الرئاسة اللبنانية.
ذوبان الحدود وانكشاف العالم أمام الإرهاب والاصطفاف الحاصل بين المحاور جمع الملفات في عقدة أو سلسلة متكاملة لا يمكن حل واحدة فيها دون أن تنعكس على الأخرى وفي هذا الإطار بات كل دخول جديد لأزمة تشعباً لسابقتها هكذا حدث مع سوريا التي فتحت الباب أمام أزمة في اليمن على الأفرقاء يسجلون نقاطاً في أهداف المحور، الأمر حتى ارتبط مصير الأزمتين السورية واليمنية ببعضهما بشكل وثيق أخذهما اليوم إلى عتبة الحلول السياسية.
لبنان العالق بين الأزمتين ينتظر الانفراجات من أجل البت في استحقاقاته الرسمية المؤجلة لكن الأزمة اليمنية تلعب بشكل أساسي دوراً مباشراً فيه يفرضه الحضور السعودي، فيحضر لبنان تحضر السعودية ويغيب بغيابها عن ارتباطه باليمن. الحضور السعودي في لبنان المتمثل بفريق سني وازن وهو تيار المستقبل حليف المملكة السعودية في لبنان وحضوره في اليمن المتمثل بفريق من المعارضة مع مجموعة منصور هادي تمثل السعودية أيضاً. وفي الحالتين لا تضع الرياض في سلة الدبلوماسية موقفاً من شأنه أن يسحب منها نقطة ربح في المقلب الآخر وهو لبنان الذي ينتظر موقف السعودية الأهم بالنسبة إليها في اليمن، لكي ينطلق نحو الانفراجات.
تستفيد السعودية بشكل واضح من قدرتها على فرملة الحلول في لبنان، وهي هذا الإطار لا تتقدّم نحو دعم العماد ميشال عون الذي تعتبره حليف حزب الله القادر على هزمها في الساحة اللبنانية باحتساب النقاط من جهة والقادر على الفوز بإجماع غير مسبوق من جهة أخرى، بالتالي كان لا بد من إعلان ترشيح آخر عبر حليفها سعد الحريري تمثل بوصول النائب سليمان فرنجية بعلم مسبق أن حزب الله لن يتوجه مباشرة نحو ترشيحه ولن يتخلى بسهولة عن مرشحه الأول النائب ميشال عون.
قطعت السعودية الطريق ورد حزب الله عبر أمينه العام بعدم استعداده للخروج وانتخاب رئيس للجمهورية ولو كان مرشحه من دون مشاركة أصوات الفريق السني الأكبر، وبالتالي فإن حزب الله يكرس استعداداً للانتظار بدل إيصال مرشحه للرئاسة مع خلافات كبرى ستكون مسؤولة عن إفشال عهده، وربما تدخل لبنان في حساسيات ميثاقية وطائفية بالغنى عنها.
يؤكد حزب الله بهذا أنه غير معني بمبادرة جعجع التي رشح فيها عون للرئاسة والتي استخدمها بشكل أساس للتصويب على حزب الله وعلى علاقته بحلفائه متجاهلاً تماماً أن المسألة لا تتعلق فقط بحلفاء حزب الله وبالضغط عليهم بل بحساب السلم والاستقرار الداخلي فتجاهل فصيل أساسي كتيار المستقبل غير وارد عند حزب الله الذي يدرك أنه تجاهل لأصوات أكثرية طائفة برمّتها بالمجلس، ليبقى الرهان على تغيّر في الموقف السعودي يسمح بإطلاق العنان للمضي قدماً بترشيح عون، وكل ذلك غير وارد قبل انقشاع الأزمتين في سوريا واليمن بشكل أساسي.
يلفت التزامن الواضح بين إعلان الهدنة في سوريا التي رعتها كل من واشنطن وموسكو وبين إعلان عن هدنة مثيلة لها تبدأ في العاشر من نيسان في اليمن من جهة ومرافقة الإعلانين بتمهيد للحل السياسي في سوريا واليمن، حيث بدأت طلائع المعارضة السورية بأغلبية أطيافها تحضر بالتتالي إلى جنيف من اجل البحث بهوية الحاضرين ومطالبهم وهذا التزامن، ليس مصادفة بل تكريس للارتباط الوثيق بين الأزمتين وإعلان جدي عن بدء الحلول في المنطقة.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي زار العاصمة الروسية والتقى الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره سيرغي لافروف كان قد بحث بشكل واسع الأفق بالعملية السياسية في سوريا، وحسب مصادر لـ«البناء» تحدث الجانب الأميركي عن بعض العرقلة السعودية وعما يمكن أن يكون مخرجاً مريحاً للأطراف فقدم اقتراحاً سيعرضه على السعوديين من شأنه أن يسرع وتيرة العملية السياسية. ويلفت بهذا الإطار حضور أزمة حزب الله والسعودية على طاولة البحث أيضاً.
لبنان العالق بين الأزمتين يتوجّه نحو فترة من الانتظار قد تمتد أشهراً إضافية تحسب من عمر الرئاسة التي أصبحت حكماً مرتبطة بسير التسويات التي بالمنطقة والتي بدورها تتسابق مع ما تبقى من عمر لولاية باراك أوباما نهاية الخريف المقبل.