معادلات جديدة وساعة الصفر اقتربت…
سناء أسعد
تهاوت مخططات العدو بجميع احتمالاتها مثبتة فشلها الذريع حتى صار استكمال أي خطوة فيها أو ابتداع أخرى مجرد سباق وهمي لن يفيد الاستعجال فيه ولن ينفع الركون وترقب تغيير ما يمكن أن يحدث.
صحيح أنهم هم من ابتدعوا زيف الثورة ونظموا ظروفها وإحداثياتها بأجواء ومناخات مؤاتية لجميع فصولها، لكننا نحن من جعل منها ثورة انقلابية بمفهومها الصحيح، وقد تمكنا من التلاعب بأوراق فضائها وكشف ملابساتها.
لم نعد في زمن الأحلام والتخيّلات الواهمة، ولم تعد تستهوينا الخدع البصرية ولم نعد نتمتع بمناظر ألعاب السحر الخفية، فصندوق ثورتهم لم يعد محطة تستقطب الأنظار. لعبتهم صارت مكشوفة وأساليبهم بالية وغير مجدية وإن كانوا قد حصدوا الكثير من الأرواح البريئة كنتاج لتلك الثورة البربرية، لكننا نحن من جعلنا عدّاد الزمن يشهد ولادات جديدة تتكاثر عبر جغرافية ممتدّة تعانق حدودها وترسم بداية نهاية مشروعهم الاستعماري وأطماعهم الصهيونية.
أمام هذه الانتصارات التي يحققها أبطال الجيش السوري وحلفاؤه وبسرعة فاقت التوقعات في ساحات الميدان كافة، لا سيما الانتصار الساحق في بوابة الشرق عروس الصحراء ومملكة زنوبيا تدمر، التي لا يعتبر تحريرها من قبضة «الدواعش» هزيمة كبيرة للعدو أو حدثاً ميدانياً مهماً من حيث موقعها الاستراتيجي فحسب، بل هو حدث تاريخي بامتياز، سيكون بمثابة ورقة جديدة تُضاف إلى الملف السوري. ورقة ستزيد من صلابة ومتانة موقف الوفد السوري الرسمي إلى المفاوضات في جنيف، بالرغم من اتباع أجندات خاصة من الضغوط العالية السقوف عليه للتنازل، خصوصاً في المطلب الأساسي والرئيسي الذي يصرّ عليه وفد الرياض الواهم وهو الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وتشكيل هيئة حكم انتقالي. اليوم ما على هؤلاء إلا أن يعيدو ترتيب أوراقهم ويراجعوا حساباتهم راضخين مستسلمين لوقائع أثبتت فعاليتها على أرض الواقع بدلائل واضحة وقوية لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن نكرانها. فالحقائق المرة باتت وجبات جاهزة على طاولاتهم ولا خيار أمامهم إلا تذوقها أو الموت جوعاً وعطشاً، متناحرين فيما بينهم للحصول على وجبة أفضل. فقصور اسطنبول الفارهة تحولت إلى حظائر والعطور الفرنسية الفاخرة صارت تعبق برائحة الدماء، وأميركا لم تعد «سوبرمان» الذي لا يستطيع أن يقف في وجهه أحد، وعملية السطو على التاريخ ومحاولات إحياء زمن السيف المرعب والعباءة التي تنحني لها الهامات إجلالاً وتقديراً باءت بالفشل.
نحن الآن في زمن الثورة الحقيقية التي ستحرّرنا من ثورتهم المزعومة. نحن في زمن الانتصار الكامل المتكامل المشترك في صلب خطط تنفذ بتكتيك عسكري بارع وباستراتيجية ذكية ناجحة بعيداً عن الأحادية والتبعية وتقسيمات الحدود التي تتمخّض من المصالح البحتة التي تجوب محيط السلبيات وتسبح في فضاء النزعة الاستعمارية باستماتة مطلقة من دون وجود خيارات للحياد عنها.
لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ العالم كله يسير في عملية انقلابية كببرة تصبُّ في مجرى متغيرات الأحداث بشكل كبير، حيث هناك قوى تتراجع إلى درجة احتمال الغياب المطلق، وقوى تتصاعد ويكبر حجمها ودورها وتأثيرها البارز في رسم خرائط جديدة للمنطقة بالكامل إلى درجة فاقت التوقعات والتكهنات بكثير، حتى أنها حولت المخاوف إلى حقائق، لا يستطيع حتى العدو نكرانها، مهما حاولوا التضليل والتعتيم والاختباء وراء ما ابتدعوه لمنع الوصول إلى ما تمّ الوصول إليه الآن من كافة المحاور المتعلقة بالصراعات الدائرة على الساحات الإقليمية والدولية.
يبدو أنّ عملية التشخيص لمجريات الأمور كانت غير موفقة، بالرغم من القدرات الهائلة والإمكانيات العالية التي وُظفت في خدمة هذه الحرب الشرسة وذلك من جميع القوى التي خططت لها وشاركت فيها من الاتجاهات كافة، متمثلة بما أُعلن وبما أُضمر من أهداف كانوا تأمل تحقيقها. فهل بمقدور تلك القوى إعادة ترتيب قراءة جديدة للوضع أمام هذه المتغيرات والمستجدات للتمكن من التعامل مع واقع تمّ إنجازه وصياغته بطرق وأدوات مختلفة كلياً عن ما تمّ التخطيط له، لا سيما بعد تعرية الأمور وكشفها والفضائح بالجملة التي نستدلّ من خلالها إلى حجم المؤامرة التي حيكت ضدّ سورية بين أطراف محور الشر، عندما تعامل الأسياد مع مصالحهم بمنهجية مختلفة تماماً عن ما يريده الأتباع.
هذه النقطة بالذات كان يجب أن يتم إدراكها وكان من المفروض على تلك القوى أخذها في الحسبان وإداراجها كأحد بنود خططها من حيث اعتبار الأولوية لمصالح كلّ جهة عند حدوث أي اختلاف أو غياب الاتفاق على شأن ما وذلك تبعاً لوقائع ونتائج فرضت نفسها على الساحة بحسابات خاطئة لهم.
أحدثت تركيا والسعودية، ومن ورائهما الولايات المتحدة، هزة كبيرة بهدف زعزعة الأمن القومي والداخلي لكلّ من سورية واليمن والعراق وغيرها من البلدان كقائمة تنطوي ضمن مرمى أهداف المشاريع الصهيونية المستباح تحقيقها في المنطقة باللجوء إلى أساليب جهنمية، بتصدير الإرهاب وتغذية منابعه وتمويله وتسليحه وتأجيج العداء والتحريض لإشعال الصراعات المذهبية والطائفية ومنع نشوء نظام حكم مستقر في أي بلد متكامل بطوائفه، لكنهم لم ينجحوا، بالرغم من الانزلاقات الكثيرة التي حدثت فأمر السيطرة بات محصوراً بقوة في محور المقاومة الذي ازداد قوة بالوجود الروسي الذي أحدث تحولاً جذرياً في المنطقة بتسلُّم زمام قيادة الأقاليم.
لا شك أنّ أي سياسة اتبعتها أميركا سابقاً، أو تنوي اتباعها الآن على أسس ومنهجية التغيير ستبقى تخدم وتحمي بالدرجة الأولى وجود الكيان الصهيوني في المنطقة وجعلها مرتعاً لمصالحه من خلال استمرار الحروب والصراعات فيها، ما يؤخِّر تطورها ونموها اقتصادياً، عبر استنزاف خيراتها وضرب أمنها الإقليمي والقومي عبر إثارة الفوضى والانقسامات.
لكنّ أمر الاقتناع والتسليم والمضي بعكس التيار الذي رسموه صار ضرورياً، وإن كان من المستحيل تخليهم عن العرقلات وإنشاء المطبات والعوارض عبر المداخل والمخارج هنا وهناك، ولكن مهما حاولوا لن يستطيعوا منع محور المقاومة سواء في سورية أو اليمن أو العراق أو إيران من قطف ثمار النصر بعد كلّ هذا الاستبسال العظيم في عملية دحر العدو الصهيوني وإفشال مخطّطاته. فالجيش العربي السوري سيواصل سلسلة انتصاراته المتتالية على كلّ شبر من أرض سورية وسيتم الاعتراف به كأقوى جيوش العالم شاؤوا أم أبوا، كطرف قوي، مع حزب الله وإيران وروسيا، في معادلة تقلب الموازين، وقد قدمت روسيا في معركة تدمر أجوبة كثيرة عن أسئلة حول طبيعة انسحابها الذي أعلنته مؤخراً.
علمتنا هذه الحرب أن نقرأ ما بين السطور، وليس ما هو مكتوب فوقها فقط، وأن نبحث عن الأبعاد الصحيحة الكامنة في خبايا القرارات الصادرة.