هل قُطع حبلُ السّرّة البري الذي يربط «داعش» بلبنان؟
هتاف دهام
تشكل مدينة تدمر عقدة وصل استراتيجية، لقربها من حقول النفط والغاز، فالخط الإيراني للغاز يأتي من العراق تدمر حمص- اللاذقية أو طرابلس، والخط القطري من ريف دمشق – تدمر- النبك – حمص – معرة النعمان، ولذلك فإنّ أهمية المعركة تكمن بأنها حرّرت لؤلؤة الصحراء وقطعت الطريق على الخط القطري.
شكلت معركة تدمر نموذجاً سيُحتذى به في معركتَيْ دير الزور والرقة فتقدّم الجيش السوري في هذه المدينة الأثرية شكل أحد العناصر المركزية في المنطقة التي يمكن أن تعتمد في الحرب على الإرهاب، وأعطى الجيش السوري وحلف المقاومة تأثيراً ذا مدى بعيد يمكن البناء عليه في اجتماع إرادة عالمية لهزيمة الإرهاب الداعشي الذي وصل إلى الغرب. فقيامة تدمر أتت بعد انفجار بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، علماً أنّ الدول الغربية لم تتقاطع مصالحها حتى الساعة لضربه دفعة واحدة وبيد واحدة، وهي مصرّة أن تتحمّل تداعيات النهج التكفيري وما يخلفه من ضحايا مدنيين في دولها، وبين أن تدفع الثمن السياسي المترتب عليه لخلق وحدة عالمية لمكافحته.
تعتبر معركة تدمر وفق ما يؤكد مصدر عسكري لـ«البناء» أكبر معركة مدينية تربحها سورية دولة وجيشاً ضدّ «داعش» بالذات. وهذا تطوّر كبير ومهمّ وأول إنجاز في الميدان بعد الانسحاب الروسي وبعد جنيف 2 وقبل جنيف 3، ويدل على أنّ الميدان لا زال العنصر الأساس في صنع الحلّ السياسي، وتبقى كلّ المقولات التي صدرت عشية بدء جنيف3 ليست ذات قيمة. فموازين القوى هي الفيصل في رسم معادلات السياسة، وتدمر ساهمت في تقوية منطق الرئيس السوري بشار الأسد باتجاه أولوية الحرب على الإرهاب ووحدة التراب السوري واستعادة كلّ أراضي سورية مهما طال الزمن.
إنّ انسحاب إرهابيّي هذا التنظيم من الميدان التدمري له ارتباط وثيق، كما يرى المصدر العسكري، بقدرة «داعش» وأخواته على تجسيد خط إضافي، لأنّ سقوط تدمر وسقوط القريتين الوشيك سيكون بمثابة تلقيه ضربة عملانية كبيرة، لا سيما أنهما تشكلان المسلك الحقيقي لكلّ إرهابيّي «داعش» باتجاه لبنان ربطاً بالرقة، وهذا يعني أنّ حبل السّرّة البري الذي يربط «داعش» بلبنان قد تمّ قطعه. ويشير المصدر إلى أنّ «داعش» الذي مُنيَ بخسارة كبيرة في «المدينة التي لا تقهر»، كان لديه دائماً خطط نحو لبنان لوصل البادية بالشاطئ اللبناني عبر القريتين والقلمون قارّة والجراجير التي تقاتل فيهما جبهة النصرة ، وعرسال التي يتواجد فيها التنظيمان الإرهابيان، لكن عندما حرّر الجيش السوري وحلفاؤه تدمر، انكسرت الحلقة الرئيسية للربط بينها ولبنان، وتراجع معه خطر الخرق من الشرق باتجاه طرابلس بشكل كبير، واستجدّ خطر بديل بمسارعة واضطرار هذا التنظيم للبحث عن ملجأ آمن وقاعدة بديلة له تمكّنه من التحصّن فيها. ويبدو أنه وجد ذلك في جزء من القلمون السوري وجرود عرسال ورأس بعلبك. ولأجل ذلك بدأ تنظيم «داعش» حربه الوجودية مع «جبهة النصرة» بعد 24 ساعة فقط من إخراجه من لؤلؤة البادية.
ويفسّر المصدر العسكري نفسه سبب مسارعة زعيم «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي إلى استرجاع المواقع التي انتزعتها قيادات «داعش» منه، وحاول أن يستثمر فيها. وهذا يجعل معركة حزب الله حاسمة في جرود عرسال، الجراجير، قارة، رأس بعلبك، والقاع ضدّ الإرهابيين، لأنها ستخفف على الأقلّ من تغذية هذه الخلايا التي من الممكن أن تقوم بأعمال إرهابية. فالشبكات الإرهابية موجودة بقوة في لبنان، وهناك تحذيرات أوروبية وأميركية من نية جماعات تابعة لها متواجدة في بعض المخيمات الفلسطينية، وكذلك مخيمات للنازحين، من افتعال أحداث أمنية لإرباك الوضع في لبنان.
لم يشطب أحد من حساباته معركة تنظيف عرسال من «داعش»، وإن كان توقيت الحسم السياسي اللبناني، كما يقول المصدر العسكري، مرهوناً بمجموعة اعتبارات على صلة بالمعركة الأكبر ضدّ الإرهاب في سورية، وكيفية التعاطي مع أزمة النازحين، لا سيما أنّ من بينهم مَن يشكل بيئة حاضنة للإرهابيين. وهذا يفرض على لبنان تحدياً كبيراً، ويطرح السؤال عن السلوك الحكومي حيال التمدّد الداعشي باتجاه جرود عرسال في ظلّ القرار السياسي المتردّد بتكليف الجيش باستعادة عرسال إلى حضن الدولة اللبنانية؟