«إسرائيل»… الدولة المجرمة بكامل مكوّناتها
شارل أبي نادر
لم تكن عملية إعدام الشهيد الفلسطيني الشاب عبد الفتاح الشريف بإطلاق الرصاص على رأسه مباشرة بعدما كان ينزف مصاباً على الأرض من قبل جندي «إسرائيلي» في مدينة الخليل في الضفة الغربية هي عملية الإعدام الوحيدة، بل هي واحدة من عشرات العمليات المشابهة التي تحدث يومياً على معابر مدن الضفة الغربية، ولكن ما ميّزها هو أنها قد صُوّرت ونُشرت على وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في غفلة من رجال الأمن والجيش «الإسرائيلي»، حيث حظيت بكمّ هائلٍ من التعليقات المتباينة وردود الفعل المختلفة.
في الحقيقة، تتعرّض مكوّنات دولة العدو كافة، من سلطة حاكمة إلى معارضة إلى أجهزة أمنية وعسكرية ومستوطنين لضغوط ليست ببسيطة، بعد أن أخذت العمليات الفلسطينية تمتدّ وتنتشر وتتطوّر، فهذه العمليات تحدث في أغلب مدن الضفة الغربية حيث الاختلاط بين العرب واليهود، وأيضاً في مدن الاحتلال غير المختلطة حيث يتواجد اليهود «الإسرائيليون» فقط، وأصبحت تطال كامل مكونات دولة العدو من المستوطنين المدنيين إلى رجال الأمن وحتى رجال الجيش الذين ينتشرون بكثافة داخل الأحياء والشوارع لمؤازرة عناصر الأمن والشرطة «الإسرائيلية»، وأيضاً تطوّرت هذه العمليات من الدهس بسيارات ومركبات إلى الطعن بسكاكين منزلية أو بسكاكين خاصة، إلى إطلاق النار بأسلحة فردية تسرّبت إلى أيدي الفلسطينيين بطرق مختلفة.
هذه العمليات الفلسطينية والتي هي نتيجة حتمية وطبيعية للاحتلال بكافة أبعاده ونتائجه، جاءت على خلفيات مختلفة، منها على الخلفية الدينية ذات الرمزية الكبيرة بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني المؤمن، والتي لها علاقة بالتعرّض للمقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس، كالتقسيم الزمني والمكاني حول تقييد المصلين المؤمنين بدخول المسجد الأقصى الشريف لممارسة الشعائر الدينية، ومنها أيضاً على خلفيات اجتماعية ضاغطة تتعلّق بالفقر وبالبطالة وبكافة الحقوق البديهية للمجتمع وللأسرة وللفرد حول العمل والتعليم وغيرها من الحقوق الإنسانية والطبيعية لكلّ كائن حيّ، والتي هي ليست مؤمنة وليست متوفرة للإنسان الفلسطيني بشكل عام، وحيث نرى السلطة الفلسطينية غائبة عن متابعة هذه الحقوق لأسباب تتعلق بقدرتها المحدودة في ذلك، أو لأسباب تتعلق بالانقسام بين الأخيرة وبين الشعب الفلسطيني حول المنحى الذي تأخذه هذه المطالبات والذي تعتبره هذه السلطة عنيفاً وغير مقبول.
من ناحية أخرى، نجد أنّ «إسرائيل» بكامل مكوناتها، قد ذهبت بعيداً في مواجهة قاسية وظالمة ومجرمة ومفتوحة على كلّ أنواع التحريض والقتل وحماية مطلقي النار القتلة من رجال الشرطة والجيش «الإسرائيليين»، وذلك بدلاً من التطلع إلى أسباب هذه الانتفاضة أو هذه الصرخة المليئة بالوجع وبالقهر وبالشعور بالظلم وبالحرمان، خصوصاً في ظلّ التعرّض لمقدّسات الشعب الفلسطيني ولحقه الطبيعي في ممارسة شعائره الدينية.
لقد ظهر «المجتمع المدني الإسرائيلي» بأغلبيته مؤيداً لما قام به الجندي «الإسرائيلي» حول إعدام المصاب الفلسطيني، والذي كان يتخبّط بدمائه على الأرض، حيث أظهر استطلاع للرأي عن وجود نسبة 57 /100 مؤيدة لهذا التصرف، كما أنّ وسائل الإعلام بأغلبيتها الساحقة نشرت البرامج والتحليلات المؤيدة والمبرّرة لهذا الإعدام الوحشي، وحتى المنظمات «الإسرائيلية» والتي هي قليلة عادة، وغالباً ما تُظهر رأياً مستقلّاً حول حقوق الإنسان التي يجب أن تكون مؤمّنة للشعب الفلسطيني، وهي بالعادة تصوّب على الممارسات الضاغظة للجيش وللأجهزة الأمنية، أخذت على خلفية الحادثة المذكورة منحىً قريباً جداً من تبرير هذه الإعدامات لدرجة القول إنهم يفضّلون رؤية «مخرّبين» قتلى وليس جنوداً أو رجال أمن «إسرائيليين».
أما على الصعيد الرسمي، حكومة أو جيش أو أجهزة أمنية، فالواضح أنهم ذهبوا بعيداً في التشدّد وفي القرارات العنيفة والتي تخالف أبسط القواعد القانونية والأصول المعروفة حول التوقيفات وحول إجراءات حفظ الأمن وضبط المخالفين للقانون او الأشخاص الخطرين، كما أنهم بتصرّفاتهم هذه أزالوا كلّ أشكال القواعد الجنائية والجزائية متخطّين القانون وسامحين لأنفسهم بتنفيذ إعدامات ميدانية دون الأخذ بعين الاعتبار التحقيقات وقواعد الإثبات والاعترافات وضاربين بعرض الحائط المفاهيم والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان كافة.
وأخيراً… هذه الظواهر المجرمة لناحية العصبية أو العنصرية، والتشدّد نحو القتل والذي ظهر إجمالاً لدى أغلب مكونات كيان العدو «الإسرائيلي»، تدلّ على انّ هذا المجتمع لم يخرج من فكرة التأثير الديني المتطرف لدى هذا الكيان في نبذ الآخر لأسباب اختلاف الدين والمذهب والثقافة، ويدلّ إلى أنّ هذا المجتمع والذي يبدو ظاهرياً مجتمعاً متطوراً لناحية العلم والاختراعات والتكنولوجيا ومستوى المعيشة والانفتاح الاقتصادي والتجاري مع العالم، هو بالحقيقة مجتمع عنصري، متطرّف ومتشدّد، لا يعطي للإنسانية أية قيمة. هو مجتمع تسيّره عصبيته خارج القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، بشكل مخالف لاتفاقيات جنيف ولأغلب المعاهدات الدولية. هو مجتمع ينتهك أغلب القواعد القانونية الإنسانية المعروفة، مجتمع يتفنّن بممارسة جرائم الحرب وبانتهاكات حقوق الإنسان.
عميد متقاعد