الدم الفلسطينيّ والأوكازيون العربيّ

د. سليم حربا

رغم غنى اللغة العربية وجملها وكثرة قواميسها وجِمالها وأحمالها وإحكام قواعدها وقلة شواذها وأحرف العلة والمصيبة والأحرف المشبّهة بالفعل فيها، فإنّ ما يحصل من عدوان إرهابي إجرامي صهيوني على فلسطين وغزة وإرهاب إجرامي «داعشي» تكفيري على سورية والعراق والعروبة والدين، والسبات الكهفي العربي على ما يحصل، وشراكة العربان وشركتهم المساهمة اللامحدودة في العدوان، إنّما يعقد اللسان ويعجز عن وصفه القلم والبيان، ويحتاج المرء إلى لسان سيبويه ليصف ما يحصل، وإلى عبقرية ابن حيان لتحليل جينات العربان وإلى أي سلالة مخصيّة عاقر من النخوة والشيم والقيم ينتمون، وإلى فلسفة ابن رشد وابن خلدون والمعرّي ليركّب المشهد ويعلّل ويحلّل ويستنتج ويجيب عن السؤال اللغز.

الدم الفلسطيني يلوّن شوارع غزة والضفة وجدرانهما ويرسم ملحمة صمود أسطوري تتحطم على جدران لوحتها جميع القبب الحاخامية الحديد وتتحول «الميركافا» الأسطورة إلى مقبرة النخبة الصهيونية بل إلى نخبة المقابر، ويختبئ المستوطنون في شقوق الزلزال الذي أصاب الكيان «الإسرائيلي»، ويصمت العربان ويطول سباتهم ولم يصحُ النايم ليوحّد الدايم، حتى يأتيه صوت مسحّر صهيوني ومبخّر أميركي يدعوه إلى نجدة أحفاد هرتزل من خراب الهيكل فينتفض أصحاب الكروش والعروش ويفتحوا طاولة البازار على الدم الفلسطيني ويبدأ المزاد والأوكازيون والتنزيلات بين عروض مدهشة لبراميل الدم الفلسطيني في بورصة أسهم الرياض، وتقديم إغراءات بأن الريع الخيري لهذا المعرض سيذهب بالتساوي إلى المساكين اليهود وإخوتهم «الدواعش» في التلمود لينافس معرض الدوحة «الإخواني» برعاية أردوغان العثماني الذي يُـقـدّم أفضل العروض خدمة للصهاينة ووفاء لموروث «الهاغاناه» برسم المشهد الأخير من تصفيه دماء القضية الفلسطينية على مذبح معبد يهودي وقبلته الحائط المبكى.

عشرون يوماً من ذبح فلسطين وشعبها وقَـبلها عقود لم تُحرّك «الضمائر» المستترة خلف عباءات العروبة التي التفوا بها ولم تجعل «الضمائر» المنفصلة عن العروبة والدين والقيم والأخلاق تتحوّل إلى ضمائر متصلة بأي قيمة أو قيم، ولم تجعل جامعة النعاج تُجمع على قول أو فعل يصرف في قواعد اللغة والعروبة وأفعالها ومفاعيلها. إنهم تجار الدم وسماسرته وتلامذة «شايلوك» «تاجر البندقية»، وفي معارضهم وبازاراتهم ورقابهم آلاف الأشلاء من حلب وحماة والرقة ودرعا والموصل وصلاح الدين والضفة وغزة، وآلاف عبوات الدم الطاهر المعتّـق منذ 1948 وحتى الآن لأطفال رضّع وخدج ونساء وشيوخ وأبرياء يبيعونها لإعلاء الحائط المبكى وبقاء القلنسوة الحاخامية الصهيونية خدمة لعمهم سام.

آه يا لغة الآباء والأجداد من آرام ونارام وأبجد وهوز، رغم غناكِ وأدبكِ وآدابكِ وقواعدِ إعرابك وحسابك، لم تسعفينا في وصف هذه المخلوقات العجيبة وتوصيفها، لكننا نُـقدّر أنك أتيت من القلب والعقل والوجدان إلى الإنسان، وكنتِ لغة الإنجيل والقرآن لتُقوّمي السلوك واللسان، فكانت هذه الأعراب خارجك وخارج التاريخ ولعنة على الجغرافيا وخارج السياق الآدمي، ولنا في ما يفعله الإرهاب بوجهيه الصهيوني والوهابي «الداعشي» أبلغ مَشاهد وسيبقى التاريخ خير شاهد ودماء شعوبنا الطاهرة وانتصارات جيشنا وشعبنا ومقاومتنا خير شهود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى