مدينة كل ما فيها يكرهك…
خضر سلامة
مدينة كل ما فيها يكرهك، إسفلتها يبصق على السائقين غيظاً من أخلاقهم السيئة وعاداتهم المضرّة بمزاجات الناس، حيطانها تبول على المارة من بعض ما يرشح منها من أوساخ وشعارات صدئة وإعلانات رخيصة، وهم يكملون مشاويرهم نفسها كل يوم غير عابئين بما يتنفسون وما يأكلون وما يشربون وما يحلمون.
مدينة كل ما فيها يكرهك، ابتسامة المصرفيّ قبل توقيع القرض وانقلابه على الصداقة الطارئة بعد التوقيع، يد الشرطي وهي تحرر مخالفة سير من دفترها، لتضع دخلك المحدود مكانها في قفص الدفتر، فم البائع وهو يقنعك بشراء ما لا تحتاج بمال لا تملكه من أجل خدمة لن تحصل عليها أبداً… الأخضر في إشارة المرور وهو يدعوك إلى طريق مسدود والأحمر حين يقفل عليك سبيل النجاة من الاختناق.
كل ما فيها يكرهك، إلا تلك الوجوه التي ربيتها بالحب، أهل الحي وخلافاتهم على موقف سياسي في الإقليم أو على موقف سيارة في شارع جانبي، الجميلة التي تقص الأعشاب الضارة من نهارك وتحضر لك أطباق الورد في حديقة الليل، العادة التي لم تغيرها الأسرة منذ قرون بالطواف حول موقدة واحدة في الشتاء ونهر واحد في الصيف.
المدينة صارت تكرهنا منذ صارت لا تشبه ناسها، وسيأتي عليها يومٌ بعد أن يموت الجيل الذي يعرف أسامي شوارعها القديمة، ويحفظ المواويل والقصائد والأمثال الشعبية، ويعرف أسماء سكان المنازل العتيقة التي جرفتها المولات، بعد أن تنقرض آخر موجة تتذكر أن تكسر النون في «الزيتونة» لا أن تنصبها لغاية في نفس النصابين، عندما ينتهي هؤلاء الذين يعرفونها على بساطتها وحقيقتها، ستجد مدينتنا نفسها عجوزاً جداً، وحيدةً جداً وقد تلف الطمث زهوها بالزمن الجميل.
ولن ينفع عندها الشعر.