نصر تدمر… انتصار الحضارة وقوة الإرادة السورية
سعدالله الخليل
في الشكل لا يخرج انتصار الجيش العربي السوري في تدمر وإعادتها إلى كنف الشرعية السورية عن سياق المعركة السورية في مواجهة الإرهاب بأشكاله المختلفة ومرجعياته الإقليمية والدولية، أما في المضمون ثمة مؤشرات ودلالات لا بدّ من الوقوف عندها بدءاً من الدلالات الوجدانية وما تختزنه المدينة من مكانة في الذاكرة السورية بعمقها الفكري الأثري الإنساني، وبالتالي فإنّ عودتها منحت السوريين جرعة أمل بحماية ما تبقى مما هو جميل في حاضرهم ومستقبلهم وماضيهم.
أما في البعد العسكري فيأتي إنجاز تدمر ليرسّخ وليظهر مفاعيل قرارين غاية في الحساسية والأهمية، قرار وقف العمليات القتالية والخطوة الروسية سحب جزء من قواتها العاملة في سورية، وبالتالي أثبت تحرير تدمر استمرار الفاعلية الروسية في العمليات العسكرية الدائرة على الأرض السورية ضدّ تنظيمات «داعش» و«النصرة»، وليفتح الطريق أمام القوات السورية بالتقدّم إلى دير الزور، وبالتالي فإنّ معركة البادية السورية تمضي قدماً باتجاه التضييق على تنظيم «داعش» الإرهابي في ساحات لطالما اعتبرها التنظيم معاقل لا تُطال سواء في الرقة أو ريف دير الزور، أما في المقلب الآخر فشكل قرار وقف العمليات القتالية فرصة للجيش السوري والقوات الروسية بتكثيف العمليات على تنظيم «داعش» الإرهابي عبر سحب جزء من القوى الفاعلة على جبهات المواجهة مع التنظيمات التي التزمت بالهدنة دون أن يترك الجيش ظهره مكشوفاً كي لا يتعرّض لمفاجآت منعها قرار وقف العمليات القتالية الذي ما زال فاعلاً رغم الخروقات المتعدّدة والتي ما تزال في الحدود المتوقعة بالرغم من السعي الروسي الحثيث بعدم السماح لتلك الخروقات بالتحوّل إلى سلوك يومي تعتمده تلك التنظيمات بحيث تقتصر مهمة قاعدة «حميميم» للمصالحة على رصد الخروقات وإحصائها وتقديم تقارير دورية مشابهة لتقارير قوات «يونيفيل» في الجنوب اللبناني وهو ما استبقته موسكو بالتهديد بالردّ على أيّ خروقات للقرار.
في السياسة يتوسّط إنجاز تدمر جولتي النسخة الثالثة من مباحثات جنيف بما تشكله من انعكاسات على طاولة المفاوضات بالرغم من ادّعاء الأطراف القائدة للحرب على سورية بأنّ الخطوة لن تغيّر من مسار المفاوضات، فإنّ المفاوض السوري لن يسمح بتمرير فرصة استثمار الواقع الميداني على طاولة المفاوضات، وهذا ما يطرحه المنطق، فأيّ معركة على الأرض لا بدّ وأن تستثمر في التفاوض خاصة في مثل الظروف التي تمرّ بها مباحثات جنيف من شدّ وجذب باتجاه رسم مستقبل سورية وخياراتها لعقود مقبلة. ومن السذاجة أن يرى أيّ طرف إقليمي بأنّ الجولة المقبلة من المفاوضات والتي ربما تنبئ الأيام العشرة المقبلة، التي تسبق انعقادها، بتطورات ميدانية أخرى تغيّر في المعادلات كما غيّرت معادلة تدمر التي أنهت أية آمال تقسيمية تدور في خاطر أيّ طرف من الأطراف الدولية أو الإقليمية أو الوفود المفاوضة من بوابات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية أو أيّ مصطلحات أخرى.
وبعيداً عن السياسة والميدان فإنّ أحداً من السوريين لم يكن لديه القناعة الكافية بأنّ مدينة تدمر لم ولن تبقى رهينة فكر تنظيم «داعش» الظلامي، فالمملكة التي حفرت في أعماق التاريخ ضاربة جذورها في لبّ الأرض لا قدرة لوافد من هامش التاريخ والجغرافيا أن يمسح حضارة القرون وشتان بين صحراء حوّلها أبناؤها بفكرهم وجهدهم إلى واحات غنّاء عبر السنين وبين صحراء غدت بؤرة قتل وإجرام بسطوة من لا تاريخ لهم.
نصر تدمر انتصار لإرادة السوريين في الحياة الكريمة ولقرارات وخيارات القيادة السورية وتحالفاتها العميقة التي أثمرت وتثمر على الأرض السورية.