سهام الإرهاب كالطاعون وعدواها سريعة الانتشار…
ميشيل حنا الحاج
هل بات المجتمع العالمي بكافة أطيافه، في الشرق وفي الغرب، يدرك أخيراً أنّ الحروب مرتع لتفريخ التطرف الذي غالباً ما يقود الى الإرهاب؟ فهم حين كانوا يغذونها ويباركونها، إنما كانوا يساعدون على ظهور التطرف، ومنه الإرهاب الذي وصل اليهم أخيراً.
بعد بروكسل، بات على الجميع أن يتوقعوا كلّ شيء. فلا ينبغي أن تكون هناك مفاجآت بعد الآن، اذ بات من المرجح أن تقع مستقبلاً، مزيد من الأعمال الإرهابية التي ساهم الجميع في تكوين بذورها، بدءاً من جورج دبليو بوش الذي غزا العراق ودمرّه بدون مبرّر، انتهاء بالرئيس باراك أوباما، الذي ساعد على تغذية الحرب في سورية، فسجلت نقطة سوداء في سجله الذي كاد يكون رائعاً عندما تبنّى الرغبة في السلام والمصالحة، مقرّراً تبني الدعوة لتجنّب الحروب… كلّ الحروب، الا حرباً واحدة في سورية.
ولا ينبغي أبداً أن ننسى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي كانت بلاده أكثر الدول الأوروبية ممارسة في حقن قنابل الموت بالآلاف للمعارضة السورية المسلحة التي غالباً ما حذرنا مع العديد من الكتاب، بأنها لم تعد حرباً منتجة لأهدافها المفترضة، بل باتت موقعاً لتفريخ الإرهاب بكلّ أشكاله وأنواعه.
ولا ننسى «الطيب الذكر» رجب طيب أردوغان، الذي فتح حدوده على مصراعيها، ممهّداً لمرور السلاح والإرهابيين عبرها الى الداخل السوري والعراقي، ومرور نفطيهما من الداخل السوري والعراقي ليُباع بطريقة غير شرعية، وتستبدل قيمته بمزيد من الأسلحة التي باتت تدريجياً تتحوّل الى خناجر تطعن صدور كلّ من شجع الحرب غير المبرّرة في سورية، والتي لم تعد على أرض الواقع، وبما فرّخته من إرهاب وارهابيين، حرباً ضدّ سورية، بل باتت حرباً ضدّ شعوبهم التي أصبحت تعاني من التفجيرات المتواصلة التي لا تنقطع، وقد لا تنقطع لسنوات كثيرة مقبلة.
تريدون تغيير النظام في سورية؟ حسناً، ليكن ذلك… ولكن هل كان من الضروري أن تشعلوا حرباً عادت بالويل والثبور على السوريين وعليكم في آن واحد؟
ماذا كان يمنع أن تكتفوا بالتظاهرات السلمية حتى لو صدق ادّعاؤكم، بأنّ النظام كان يطلق النار ويقتل المتظاهرين؟
ألم تنجح ثورة الياسمين في تونس، في إسقاط النظام الدكتاتوري، عبر التظاهرات السلمية ودون تحويلها الى حرب؟
ألم تنجح التظاهرات السلمية في مصر بإسقاط النظام الدكتاتوري دون تحويلها الى حرب، رغم لجوء النظام المصري السابق الى استخدام العنف ضدّ المتظاهرين، كما في موقعة الجمل، وماسبيرو، وما رافقها من سحق بعض المتظاهرين بواسطة الدبابات التي داست على أجسادهم؟ ومع ذلك لم يرفع المصريون السلاح في وجه الدولة والنظام؟
ألم تنجح الثورة السلمية في إيران، في قلب نظام الشاه، رغم كلّ العنف الذي استخدمه جيشه ورجال سافاكه، مؤدّياً إلى قتل المئات من الإيرانيين؟ وأنا لا أنسى تلك الثورة التي غطيتها في كافة مراحلها، وشاهدت في إحدى المرات سلاح الجوّ التابع لشاه إيران السابق، يستخدم الهليكوبترات ليطلق منها النار على المتظاهرين، فيحصد العشرات، بل المئات من الأرواح البريئة.
ولكن اعتماد أسلوب الحرب في سورية، كان مقصوداً لذاته اعتقاداً من مفجّريها، بأنها سوف تستعجل إسقاط النظام في سورية، فهم لم يرغبوا في الاكتفاء بعملية التظاهر لأنها قد تستمرّ طويلاً قبل تحقيق أهدافها، هذا إذا كانت قابلة للتحقيق، أو هكذا صوّرت تركيا أردوغان الأمر لدول الخليج وللولايات المتحدة. فدول الخليج المغرّر بها من قبل تركيا للأسف ، والتي دغدغت أوتار الخلافات الطائفية السنية الشيعية، لتشعل حرباً هي المستفيد الوحيد منها، الى أن أصابتها سهام السمّ الذي زرعته في حديقة الكراهية بين الاخوة العرب.
ألم تلحظوا كم استفادت تركيا من تلك الحرب…؟
1 ـ لقد ساعدت على تدفق أموال الخليج عليهم كمكافأة على تسهيل مرور الأسلحة والمسلحين الذين سيشعلون الحرب في سورية والمرغوب بها خليجياً لأسباب خاطئة وغير مدروسة.
2 ـ فتحت الأسواق الخليجية لبضائعهم باعتبارهم أصدقاء وحلفاء، والأجدر بتشجيع صناعاتهم ومنتوجاتهم على كلّ صناعة ومنتوج من دول أخرى.
3 ـ رغم تدفق اللاجئين عليهم، فإنّ هذا التدفق قد واكبه تدفق أموال أوروبية ودولية، لمساعدتهم على معالجة أزمة اللاجئين.
4 ـ استطاعت ابتزاز أوروبا عبر استخدام ورقة تدفق اللاجئين الى أوروبا مروراً بالأراضي التركية. وها هي لا تكتفي بثلاثة مليار دولار لمعالجة قضية اللاجئين، اذ رفعت الرقم الى ستة مليارات.
5 ـ مستخدمة قضية اللاجئين، لجأت الى ابتزاز آخر لدول أوروبا، فهي تحثهم على قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تردّدت دول أوروبا طويلاً في تقبّله لسلوك الحكومة التركية أساليب لا تعتبرها الدول الأوروبية أساليب ديمقراطية.
6 ـ شاغلت سورية عن المطالبة بإقليم الاسكندرون السوري، الذي انتدبها في عام 1939 الحاكم الفرنسي المنتدب على سورية، لإدارته لفترة زمنية موقتة، ولكنها استحوذت عليه وضمّته الى أراضيها.
7 ـ دمّرت الاقتصاد السوري، وليس فقط الصناعة السورية التي كانت المنافس الأكبر للصناعة التركية ومنتجاتها.
8 ـ و و و و و… فالنتائج الحاصلة لمصلحة تركيا لا تعدّ ولا تحصى. وكان يفترض أن تظلّ تدور في دائرة المنافع، الى أن أصابها خنجر الإرهاب كما أصاب سورية ولبنان وتونس ومصر وفرنسا وبلجيكا وأميركا والحبل على الجرار.
ألم يدرك قادة العالم بعد، أنّ الحروب لا تولد فحسب القتل في ساحة المعارك، بل تولد التطرف ومن ثم الإرهاب؟
أناشدكم يا قادة العالم أن تعوا ما تفعلون وعواقب ما تفعلون نتيجة التأخير في حلّ المعضلة السورية التي باتت، الى جانب المعضلة الفلسطينية، مصدرين لتشجيع الإرهاب ولولادة المزيد من معتنقي مفاهيمه.
وأناشد السعودية بشكل خاص، مع كلّ محبتي للشعب السعودي، واحترامي لقادتها، أن يعوا عمق الهوة التي استدرجتهم تركيا اليها، سعياً لتحقيق أهداف أنانية أردوغانية… التي أصابها أخيراً سهم الإرهاب. وأنا أعتقد بأنّ سهام الإرهاب كالطاعون، عدواها سريعة الانتشار.
واذا كانت قد وصلت الآن الى تركيا، فإنّ عدواها قد تصل قريباً الى السعودية ودول خليجية أخرى، التي عانت السعودية النزر اليسير منها حتى الآن، ولكن تسونامي الإرهاب قد يصلها لاحقاً، بقوة أبشع من كلّ التسوناميات التي سمعنا عنها.
العقل… الحكمة… التسامح… المرونة يا سادة… ينبغي أن تصبح بعد الآن شعاركم، بعد كلّ الكوارث التي حلت جراء الإرهاب.
سارعوا إلى اتخاذ قرارات شجاعة تضع حداً للحروب في سورية، في اليمن، في ليبيا… وركزوا أيضاً مزيداً من جهودكم المستقبلية لإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، والتي من نتائجها وحيثياتها، نتجت الحرب في سورية كواحدة من أسبابها. فلا يصحّ بعد ذلك كله الا الصحيح.
هل من مستمع…؟ هل من مجيب…؟