لكم جنيف وفنادقها… ولنا ياسمين دمشق
جمال محسن العفلق
هل يعتقد هذا العالم، سياسيوه وعسكريوه وشعوبه وزعماؤه، أكانوا أصدقاء أم أعداء، أنّ السوريين قدّموا ما قدّموه من شهداء ليأتي في النهاية أتباع الدولار والمال الملوّث بدماء الأطفال لحكمهم؟
في جنيف، كانت الوفود المعارضة والممثلة لقوى العدوان على الشعب السوري تعيش وهم الانتصار وتعيش حالة المراهقة السياسية. فهذه الوفود لم تحمل معها إلا طلباً واحداً هو الوصول إلى السلطة. وهذا السيناريو المرسوم يريد إيصال هؤلاء التابعين إلى السلطة وإعطاءهم فرصة بين ستة أشهر وسنة ينجزون خلالها من الداخل ما بقي عليهم من تخريب وتدمير، وإيصال البلاد إلى الفراغ الدستوري الذي يستوجب الطلب من مجلس الأمن التدخل، وبذلك تُوضع سورية تحت بند الفصل السابع احتلال دولي . هذا السيناريو قدّم له هؤلاء من خلال ما حملوه معهم إلى مفاوضات جنيف، وبحسب ما ورد من تصريحات، انقسم هؤلاء على أنفسهم، فمنهم مَن رفض أن يُرفع الحصار عن الشعب السوري، في وقت يدّعي أنه ذهب إلى جنيف لتمثيل الشعب السوري، ومنهم مَن يتحدّث منذ بداية الحرب على سورية عن تداول السلطة والقبول بنتائج الصناديق الانتخابية، في وقت أعلن أثناء التفاوض غير المباشر أنه يرفض أن تكون سورية دولة علمانية!
هذا التناقض بين ما يتحدث به المعارضون وبين ما يفاوضون عليه يُثبت أنّ المعارضة الخارجية، بما فيها وفد الرياض، ليس لديها ورقة عمل تُعنى بهموم المواطن السوري ولا بمستقبله، وهذا لا يحتاج إلى بحث طويل. فمُجرد التقليل من شأن انتصارات الجيش السوري، خصوصاً في تدمر، هو في حدّ ذاته دليل على أنّ هذه المعارضة لا تملك من أمرها شيئاً، خاصة ما نشره ما يُسمّى ائتلاف الدوحة الخائن عبر موقعه الإخباري عن معارك تدمر فيه حسرة وألم على تحرير المدينة من قبل الجيش السوري.
لا تزال المعارضة السورية في الخارج، خصوصاً جماعة الرياض، تعقد آمالاً كبيرة على بقاء «داعش» وهي تراهن على جمع «داعش» و»النصرة» في خندق واحد ضدّ الجيش السوري. فرغم أنّ مصادر تمويل توأم «القاعدة» اليوم واحدة، إلا أنّ الأطماع الشخصية لما يُسمّى أمراء الأقاليم تسيطر على الموقف، وما كان ينتظره وفد الرياض في جنيف هو أن تنقل وسائل الإعلام خبر فشل الجيش السوري في تحرير تدمر. فوفد معارضة الرياض لم يعُد يملك أيّ ورقة حوار سورية، وكلّ ما يفعله هذا الوفد أنه يردّد تصريحات الخارجية السعودية من دون التفكير في جوهرها. فالتصريحات السعودية لا تنسجم مع فكرة المفاوضات ولا تتفق مع فكرة الهدنة العسكرية، إنما تسعى إلى كسب الوقت وتجميع صفوف العصابات الإرهابية علّها تحقق شيئاً على الأرض، واليوم كما بداية الحرب على سورية جميع الوطنيين السوريين هدفهم الحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها وإنهاء حالة الفلتان الأمني الناتج عن وجود العصابات الإرهابية المدعومة من الدول الإقليمية والعربية والراعي الرئيسي الاستخبارات الأميركية و»الإسرائيلية»، وجميعها ترعى استمرار الحرب في سورية وإضعاف جيشها الوطني، كما يعتقدون. ولكن في واقع الأمر انتقل الجيش السوري من تصنيف 44 عالمياً إلى تصنيف 32، وهذا الانتقال دليل على أنه يتطوّر أكثر، خصوصاً بعد تحمُّله عن هذا العالم محاربة الإرهاب.
لقد حمل الجيش السوري، ومن خلفه السوريون، رغم الحصار الظالم والعقوبات أحادية الجانب والحصار الاقتصادي والتدمير الممنهج لمصادر قوتهم، عبء محاربة الفكر التكفيري والعصابات الإرهابية التي تتمّ صناعتها في دول الجوار وترسل عبر الحدود لتدّعي أنها معارضة تحارب من أجل السوريين. ولا يُنكر السوريون وقوف الدول الصديقة مع وطنهم، لكنّ المعارك تجري على أرض سورية وهذا في حدّ ذاته حمل كبير على شعب أُقفلت أمامه كلّ الأبواب، لكنه متمسّك بزراعة الياسمين والأمل، لتبقى دمشق كما كانت دائماً عاصمته الأبدية.
إنّ المعارضة السعيدة اليوم بالطائرات الخاصة التي تنقلها إلى جنيف، حيث يُمضي أعضاء الوفود وقتهم في التجوّل والسياحة وأخذ الصور التذكارية، ولا ننسى المبالغ النقدية التي تدفع لهم من قبل المشغّلين طبعاً، سيأتي يوم وينساها الناس، ورياح الشمال التي جاءت بها ستأخذها، وكما جمعت أجهزة الاستخبارات شخصياتها ستعيد تفريقهم عند انتهاء المسرحية، لأنّ هؤلاء معارضون تحت الطلب.
فكيف يمكن لعاقل أن يقبل بمعارضات تتفق فقط على بند واحد هو الوصول إلى السلطة ولا تتفق على طلب رفع الحصار عن الشعب السوري، وهي التي تدّعي أنها تمثله وأنها مقبولة دولياً ومعترف بها عالمياً؟ كيف لعاقل ووطني شريف أن يصدق أنّ معارضاً ينتظر المال من دولة معادية لوطنه، يمكن أن يكون ممثلاً عن وطنه وشعبه وأهله؟
إذا كانت المعارضة صادقة وتمتلك حقاً الأرضية الشعبية في سورية، فما الذي يخيفها من صناديق الاقتراع تحت إشراف دولي وأممي؟
ما نحن واثقون منه، هو أنّ أفضل المعارضين في الخارج يملك نصف أصوات أسرته لا كلها، فكيف لهؤلاء أن يفكروا بأنّ قراراً دولياً يمكن أن يجعلهم يحكمون الشعب السوري؟
قد لا تكون هذه الأسئلة على درجة عالية من الكياسة أو الدبلوماسية والحرفية التي يريدها الإعلام، ولكن هذا ما يتحدّث به الناس في الشارع السوري والذين لم يعد يعنيهم تحليل المواقف ووضع السيناريوات للمستقبل، فالسوريون وضعوا مشروعهم وهو إعادة سورية إلى ما كانت عليه، فدماء الشهداء لم تجفّ بعد، وأبناء سورية لا يتنكّرون لمن ضحّى من أجلهم، ومن أراد التنافس، فعليه أن يدخل دمشق أولاً، وحينها سيكون الحَكَم صندوق الانتخابات، وقبل ذلك على مَن يدخل المنافسة أن يعترف للسوريين بأنّ الجولان عربي سوري وأنّ إعادته حقّ لهم وبكلّ السبل المتاحة، وبأنّ ما يُسمّى «إسرائيل» هو كيان غاصب وبأنّ الدول التي دعمت وموّلت الإرهاب يجب أن تدفع ثمن اشتراكها في هذه الحرب، فهل لدى أحد من المعارضة الخارجية القدرة على وضع هذه الأولويات في برنامجه الانتخابي؟
نبارك لكم جنيف وفنادقها… ولكن اتركوا لنا ياسمين دمشق فنحن نعتني به. فهذا الياسمين في لغتنا هو دم الأجداد تشهد عليهم مشانق المرجة في القرن الماضي ولا يزال السوريون يقدّمون الشهداء حتى اللحظة، وسيبقون كذلك حتى التحرير وإعلان النصر على قوى الإرهاب والظلام والجهل…