مرويّات تاريخيّة
لبيب ناصيف
منذ بدايات تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، لعبت المرأة دوراً ناشطاً افتتحته الرفيقة عفيفة حداد، ثم توالى على الانتماء عشرات الرفيقات، فمئات، فآلاف، عرفن السجون والملاحقات والتشرد، وتولين المسؤوليات المركزية والمحلية، وقاتلن في المواقع العسكرية، ورافقن الحزب في مسيرته، وتحملن الصعاب والقهر والعذاب. ومثل الرفيق، كن استشهاديات يقدمن حياتهن فداء للحزب وللأمة، ولا يعرفن تردداً ولا وجلاً.
عن المرأة القومية الاجتماعية يمكن أن تُكتب مجلدات، عسانا نفعل أو يفعل أي رفيق ينصرف بوجدانه وعقله الى تاريخ حزب عظيم، من حقه على أعضائه ان يوثقوا، وحوادثه وسير شهدائه ومناضليه، وكل مواقف العز التي توّجت تاريخه الصراعي الطويل.
هنا إضاءة وفاء وتقدير، لكل أم قومية اجتماعية اضاءت شمعة نضال في درب الصراع، لكل أمينة ورفيقة صمدت وواجهت وقاتلت وبقيت على إيمانها، لكل شهيدة ارتفعت الى الخلود حيث سعاده، لكل رفيقة سُجنت وتعرّضت للكثير وتحملّت، وبقيت طوداً من شموخ وإباء .
أول امرأة قومية اجتماعية
تستحق الرفيقة عفيفة جرجس حداد أن تعتبر أول امرأة قومية اجتماعية فهي أول من تعرفت إلى وجود الحزب وكانت مرافقة للخطوات الأولى التي بدأ يقوم بها سعاده. قبل أن تؤدي قسم الانتماء كان سعاده يعهد إليها بحراسة مكان الاجتماع في منزل والدها 1 حتى إذا انتمت، راح سعاده يكلّفها بتسجيل بعض وقائع الاجتماعات.
كانت تعتبر نفسها معنية بسعاده عندما تعرّض للاعتقال بعد انكشاف أمر الحزب، فكانت تقوم بنقل الطعام إليه، والثياب، وتؤمن ما يحتاج إليه. من جهته كان سعاده يمرر بواسطتها أوامر مكتوبة بشكل خفي إذ كان مسموحاً لها بمقابلة الزعيم. ولها سلّم سعاده مرسومه بتعيين الرفيق زكريا لبابيدي وكيلاً لعميد الداخلية.
عنها يقول الأمين عبدالله قبرصي 2 : «كانت، في السجن الأول، تحمل الزاد إلى حبس الرمل سنة 1935 من دون أن تنهار أعصابها أو تتراجع. يكفي أنها نفذت بدقة تستدعي الإعجاب موجبات القسم والزاماته، فما عصت أمراً ولا فضحت سراً ولا تخلت عن رفيق في حاجة تستطيع سدها».
مواطنات تصرّفن مثل رفيقات
إذا كان تاريخ الحزب حافلاً بآلاف المواطنات اللواتي قدمن خدمات جلى للحزب، معنوية وأو مادية، من أمهات وزوجات وشقيقات لأمناء في الحزب، ولمناضليه من الرفقاء، بحيث نرى واجباً، وفاءً لهن، أن نتمكن، او رفقاء آخرون، من تسجيل هذا الكم الهائل من الممارسات لما فيها من مواقف رائعة ومن خدمات حقيقية لمسيرة الحزب، إلا أنه من المفيد أن نشير بتقدير إلى الدور الذي قامت به السيدة كلودا ثابت 3 منذ سنوات التأسيس الأولى إلى أن طرد شقيقها نعمة عام 1947، وإلى أمهات الرفقاء نعمة ثابت، كامل ورفيق أبو كامل، جبران جريج، يوسف الدبس، فخري ورشدي وحلمي وفوزي وكمال وفايزة معلوف، مسعد حجل، وفكتور أسعد.
تعرفت كلودا ثابت إلى الحزب في مرحلة التأسيس الأولى وأؤتمنت على سر وجود الحزب وحافظت عليه، وكانت بحكم حصول اللقاءات والاجتماعات في منزل العائلة، تتعرف إلى ما يحصل، خاصة أن اجتماع الأول من حزيران عام 1935 الذي فيه ألقى سعاده خطابه المنهاجي الأول – عقد في «قصر» آل ثابت في الغبيري.
في الجزء الأول من «عبدالله قبرصي يتذكر» ص 182 يقول الأمين قبرصي عن كلودا ثابت: «أما كلودا ثابت وهي عنوان الأناقة والرصانة فجمعت في جمالها الساحر بين المسحة الأوروبية والطابع السوري. تخالها إذا شئت قادمة من العائلة المالكة في لندن، ويمكنك أن تشبهها في الوقت ذاته بغيداء تمتطي صهوة جواد قادمة من الصحراء. كلودا ثابت كانت ذات ثقافة عالية، تتكلم الإنكليزية كالإنكليز وتنطق بالعربية كأحسن ما ينطق بها أبناء الشوف. من دون أن تقسم يمين الانتماء وقد أتت من الخدمات ما عجز عنه شقيقها نعمة نفسه، فكم من الاتصالات والمقابلات والمهمات الناجحة جرت بمبادرة منها وبمساعيها والخطط التي كانت ترسم».
ومن المواطنات اللواتي كان سعاده يثق بهن ويكلفهن بمهمات، وتقديراً لهن ولإخلاصهن كان يناديهن بـ «رفيقات»، نذكر المواطنات تقلا، وجميلة وكوكب عازار، شقيقات الرفيق الشهيد جميل عازار، وكن مطلعات على الحزب في فترة العمل السري، واستمررن مخلصات للحزب وحافظن على بيتهن في الأشرفية بعدما سقط شقيقهن الرفيق جميل شهيداً، مفتوحاً للقوميين الاجتماعيين وللمناسبات الحزبية.
وعن والدات الرفقاء، من المفيد أن نشير إلى أن والدة الرفيقين كامل ورفيق أبو كامل تعرضت للاعتقال على يد قوة من الدرك كانت داهمت منزلها في عالية بحثاً عن سعاده، الذي كان قد غادره إلى دمشق في سيارة الرفيقة وداد ناصيف – إنما اعتقل عند حاجز للدرك في بلدة المريجات في 9 آذار 1937 فاعتقلت الشقيقين الرفيقين رفيق وخليل 4 واعتقلت والدتهما، ما أثار سخطاً واحتجاجاً في المنطقة بحيث أن السلطات أخلت سبيلها بسرعة. لقد اجابت الضابط الذي سألها، وهي رابطة الجأش: «إن كنتم تقصدون إذلال أولادي بهذه المعاملة فهذا لا يشرفكم أبداً وإني فخورة بهم وبحزبهم وبزعيمهم».
نشكر حضرة الأمين ربيع الدبس الذي زوّدنا المعلومات التالية عن جدته: «اسمها تسبينا مشتق من اليونانية thespian، وهي من مواليد دير الغزال 1881، وتوفت عام 1981، اي انها اكملت مئة عام من العمر. كانت تسبينا بالنسبة إلى الأمين يوسف، أمه وأباه لأن الاخير توفى والأمين يوسف لا يبلغ من العمر أكثر من 11 عاماً.
«اضطلعت «ام يوسف» بمسؤولية الأم والوالد، خاصة عندما سجن الامين يوسف في معتقل المية ومية، وهو عازب، ثم خلال سجنه بعد الثورة الانقلابية. كانت تعشق مبادىء الحزب وتؤيده وتدافع عنه رغم الآلام النفسية الكثيرة التي عانتها بسبب الاضطهادات التي تعرّض لها الحزب وأعضاؤه.
أما عن والدة الرفيق فكتور أسعد، فيقول الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من كتابه «من الجعبة» ص 441 : «إن والدة الرفيق فكتور أسعد، السيدة فني جريديني أسعد، لم تتخّل يوماً عن نشاطها الذي بدأته يوم دخل نجلها السجن، ولا غرو فلقد كان لها نشاطات اجتماعية شتى قبل الحركة السورية القومية الاجتماعية، منها رئاستها لجمعية «تهذيب الفتاة السورية» التي كان مركزها بلدة الشويفات».
بدورها تعرضت والدة الرفقاء فؤاد، يوسف وعفيفة حداد للاعتقال. كان ذلك في حزيران عام 1938 بعد مغادرة سعاده لبيروت متوجهاً إلى دمشق، عمان، حيفا، قبرص فإلى المهاجر. يقول الأمين جريج في الجزء الرابع من كتابه «من الجعبة» ص 262 : «… فعاثوا في البيت غير مراعين حرمة ونقبّوا في أرض الحديقة وقلعوا بلاط الدار متوهمين أنهم بمثل هذا «التفتيش» يتمكنون من الحصول على وثائق حزبية وأدلة على أعمال الحزب. ولما لم يعثروا على شيء استاقوا الرفيقين فؤاد ويوسف حداد وأمهما إلى السجن بداعي أنهم وجهوا إلى المهاجمين مثل هذه العبارات: «لا يجوز أن تدخلوا البيت وتفتشوا بدون حضور المختار، يخرب بيوتكم، خربتو بيتنا!».
أولى الرفيقات
يعتبر الأمين جبران جريج أن الانتماء الرسمي لعضوية الحزب بدأ في بيروت بجمال ناصيف 5 أما الثانية فكانت الرفيقة عفيفة شماس من أميون 6 .
بعد وقت انتمت الرفيقة أديبة شامية التي كانت تشرف، كممرضة، على خدمة والدة نعمة ثابت، المريضة، وهي كانت وراء انتماء الرفيق عبدالله الجميل الذي كان له نشاطه الحزبي النضالي، وتولى مسؤولية منفذ عام بيروت.
هذا في بيروت، أما في طرابلس، التي شهدت بدورها انتماء رفيقات في بداية سنوات التأسيس، فقد انتمت أولاً الرفيقة فاطمة قدسي 7 ، تلتها الرفيقة ليلي فاخوري شقيقه الأمين أنيس ، فنجلا معتوق 8 ثم نوفة حردان 9 ، وإميلي الحلبي 10 .
عن الرفيقة نجلا معتوق يقول الأمين جبران جريج في الجزء الأول من كتابه «من الجعبة» ص 284 : «أن الرفيقتين فاطمة القدسي وليلي فاخوري تعاونتا على العمل لإدخال نجلا معتوق، سيدة المجتمع المثقفة، ذات الصيت الاجتماعي الرفيع في أوساط المدينة، فكان لنجاحهما في جذبها إلى الحزب السري دوي، اعتبر ضمها كسباً عظيماً عزّ نظيره».
من المهمات التي قامت بها الرفيقة نوفة 11 أنها كلفت من قبل الرفيقين أنيس فاخوري الأمين لاحقاً وعبدالله أيوب بملازمة الرفيق الشاعر يوسف الخال في المستشفى الأميركي في الميناء، الذي كان معروفاً باسم مستشفى الدكتور «بويز» خوفاً من أن يفشي أمر الحزب وهو تحت تأثير البنج.
في الاجتماع الأول الذي عقد للرفقاء في أول حزيران 1935 لم تكن الرفيقات غائبات عنه. بعد انتهاء الجانب الرسمي من الاجتماع، ألقيت بعض القصائد «ثم أنشدت بعض الأصوات الجميلة نشيد «أنت سورية بلادي» منها صوت الرفيقة نجلا معتوق حداد والرفيقة استير مينا، وبعدهن أنشد الرفيق يوسف تاج بصوته الرائع مقطوعة زجلية 12 .
أول مديرية للسيدات
أما في بيروت، فإن من أولى الرفيقات نذكر: أسما سلام، أميرة تيماني، نعم فاخوري 13 ، سلوى بدران 14 ، حرية شمنق 15 وشقيقتها سميحة، سلوى بستاني، أدال باسيل كلاب 16 ، أنجال عبد المسيح شقيقة الرفيق جورج عبد المسيح .
ومن أسماء الرفيقات يورد الأمين جبران في الصفحة 441 الجزء الثالث من مجلده «من الجعبة»، «الرفيقات انجا» من دون أي تفسير آخر. قبل ذلك، الجزء الثاني ص 184 يورد اسم الرفيق عبد الغني انجا من بين الرفقاء الذين نشطوا في فترة الأسر الأول الذي تعرض له سعاده وهو تابع لمديرية رأس بيروت، واسم الرفيقة أمينة أو جميلة؟ العيتاني، مضيفاً أنها كانت «أخت الرجال» وتابعة لمديرية ساقية الجنزير .
بعدما توالت الانتماءات، كان لا بد من إنشاء فرع حزبي، فتمّ إنشاء مديرية للسيدات وتولت مسؤولية المديرة الامينة جمال ناصيف.
نورد للمناسبة عن جريدة «النهضة» العدد 107 تاريخ 04 03 1938 الخبر عن نشاط قامت به مديرية السيدات، مع كلمة حضرة الزعيم:
أقامت مديرية السيدات في منفذية بيروت للحزب السوري القومي، مساء الأربعاء، حفلة ليلية على شرف الزعيم تجلّت فيها إمكانيات المرأة السورية في العمل القومي والمساهمة في إحياء النهضة القومية، والمشاركة في الجهاد لانتصارها.
وقد كانت هذه الحفلة، من الحفلات القومية النادرة، التي كان لها معنى خاص، لأنها اعطت دليلاً وافياً على حيوية المرأة السورية وجدارتها بحمل أعباء المسؤوليات المترتبة عليها تجاه الأمة.
وبعد أن قام الجميع الى مأدبة ظريفة حوت ما لذّ وطاب من المآكل، ألقت عفيفة حداد كلمة قيّمة عن مولد الزعيم الذي كان مولد البطل السوري الأول الذي أعطى المرأة السورية حقها في الحياة، وأدرك أهمية المرأة في المساهمة مع الرجل بإنشاء الامة السورية الجديدة، قوبلت بالاستحسان.
ثم تكلم غيرها من القوميات بهذا الموضوع فكان لكلامهن أثر جميل. وبعدئذ قدم الأستاذ جورج عبد المسيح الى الزعيم، بالنيابة عن أحد الجنود القوميين هو الأمير أمين إرسلان سيفاً تاريخياً جميلاً مشفوعاً بكلمة رائعة.
وكأن هذا المظهر الحيوي المهيب، قد أثر في قلب الزعيم، ففاضت عيناه ببريق من القوة والعزم وارتجل كلمة رائعة استطعنا أن نلتقط منها الفقرة التالية:
كلمة الزعيم
ليس العمل القومي وقفاً على الرجال. لن يكون العمل قومياً حتى تشترك فيه المرأة وتكون عضواً عاملاً فيه. وإنني عندما فكرت بإمكانيات رجال سورية، فكرت أيضاً بإمكانيات المرأة السورية، التي كانت، في أدوار تاريخنا الخاص، عاملاً أساسياً في تقدمنا ورقينا، وفي تلك المدينة التي وزعناها على العالم.
قد يعجز الرجل ان يدرك بعقله ما تستطيع المرأة ان تدركه بقلبها. وكما يجب على الرجل ان يعمل في سبيل امتنا، كذلك نريد من المرأة ان تكون عضواً عاملاً في مجتمعنا. نحن في حاجة شديدة الى المرأة. إنني أهنئ السوريات القوميات، هؤلاء اللواتي قد ابتدأن هذه الحياة القومية، وفتحن السبيل لأخواتهن السوريات اللواتي نتوخى منهن أن ينضممن الى الحزب السوري القومي بالاندفاع ذاته الذي صار مع الرجل.
إنني مسرور بهذا الاجتماع الصغير بعدده، والكبير بمعنوياته. إذا كان الرجال يشتغلون ويفكرون بعقولهم، فالنساء يفكرن بقلوبهن. وهذا التفكير الاحساسي أو هذا الاحساس التفكيري وهذا الاحساس المجرّد من كل تفكير، هو شيء جوهري في كل نهضة، وبغيره لا نستطيع الوصول الى غايتنا.
لهذه الحفلة معنى كبير عندي، أشعر أنني مدين به لهن. لقد عملن في السر والعلن بما يستطعنه لخدمة القضية القومية، وقضية الحزب، وكانت نتيجة ذلك هذا السيف المقدم لي. وأعتقد انه مقدم لي بفكرة جلية واضحة، وإنني أقبله أيضاً بفكرة جلية واضحة.
قد لا نستعمل هذا السيف في الحروب، ولكنه الرمز. إنه الرمز للقوة التي لن نبلغ أهدافنا بدونها.
إنّ قضيتنا ليست قضية منطق، فخصومنا يدركون أنّ لنا حقوقاً، ولكن هذا الادراك لا يعطينا حقوقنا فالحقوق هي نتيجة نزاع الجماعات. وإذا لم نسترجع حقوقنا بالقوة فعبثاً نسترجعها، ولذلك سنكون مستعدين للدفاع عن حقوقنا».
المرأة في خدمة العمل الحزبي
يروي الأمين جبران جريج في الجزء الثاني من مجلده «من الجعبة» ص 86 أنه: «عند انكشاف أمر الحزب جاء الرفيق زكريا لبابيدي إلى بيت جرجس الحداد يتفقد مجريات الأمور بعد الاعتقال وإذ به يفاجأ بالرفيقة عفيفة حداد تسحب من صدرها مرسوماً بخط الزعيم ينص على تعيينه وكيلاً لعميد الداخلية، وعلى تعيين الرفيق فؤاد أبو عجرم ناموساً للعمدة. كان تاريخ صدور المرسوم 14 تشرين الثاني 1935 أي قبل انكشاف أمر الحزب بيوم واحد، وكان الزعيم قد كلفها بتبليغه للرفيق لبابيدي.
يضيف الأمين جريج في الصفحة نفسها: «وهنا لا بد من إبداء ملاحظة وهي أننا عرفنا فيما بعد أن الزعيم كان قد عين الرفيق عادل عسيران نائباً إدارياً له عند انكشاف أمر الحزب، لكن بقي المرسوم دون تبليغ 17 ، بقي المرسوم بحوزة شقيقة الرفيق جميل عازار، وقد بقيت محتفظة به كذكرى مدة طويلة من الزمن».
في الاعتقال الأول الذي تعرض له سعاده ومعاونوه، والعديد من الرفقاء إثر انكشاف أمر الحزب، كان للرفيقات دور مهم في تأمين المال لمساعدة الرفقاء الأسرى ولتغطية حاجات التحرك الحزبي، في تلك الفترة الصعبة تشكلت من الرفيقات لجنة مالية ضمت الكثيرات، نذكر منهن حرية شمنق أرسلان، شقيقتها سميحة، جمال ناصيف، أميرة تيماني، نعم فاخوري، سلوى بدران، أسما سلام وتولت الرفيقة ناصيف رئاستها.
مثل بيروت وطرابلس، انتمت رفيقات في الكورة إلى الحزب في سنوات العمل السري، إلى الرفيقة عفيفة شماس التي كانت انتمت في بيروت، فإن رفيقات عديدات عرفن الحزب، منهن بدرا سلوم، حنة سابا ملكي، جنفياف سعاده وبلقيس الأيوبي. من أعمالهن، تصرف جريء جدير بأن يروى:
في تموز 1936 قررت القيادة الحزبية خارج السجن، وبناء لتوجيهات من سعاده، قيام الرفقاء في مناطق عديدة في لبنان بالتظاهر دعماً لموقف سعاده في أسره الثاني، وكانت الأوامر تقضي بالتظاهر أمام السرايات المحلية أو مخافر الدرك وتبليغ السلطات أنه: «لما كنتم قد اعتقلتم زعيم الحزب من أجل عقيدته ولما كنا نحن أيضاً ندين بنفس العقيدة، لذلك جئنا طالبين اعتقالنا إلى أن يفرج عن الزعيم من السجن».
جرت اعتقالات في الكثير من المناطق، ومنها الكورة التي كان الأمين جبران جريج يتولى مسؤولية منفذ عام فيها، فشكل وفداً نسائياً قام بزيارة تفقدية للمعتقلين في سراي أميون وللقائمقام احتجاجاً على توقيف الرفقاء وطلباً للإفراج عنهم. تألف الوفد من الرفيقات المذكورات آنفاً ومن مي سعاده الدكتورة عقيلة الأمين عبدالله سعاده ، وبرئاسة الرفيقة بلقيس الأيوبي. قد تبدو هذه الواقعة اليوم، من الأمور العادية، إنما أن تحصل عام 1936، وأن يضم الوفد نساء ليس لهن صلة قربى مع الرفقاء الموقوفين وعلى رأس الوفد رفيقة من طائفة غير طائفتهم، فهذا دليل على فعل العقيدة القومية الاجتماعية في نفوس أبنائها، وفي المجتمع السوري بأسره.
لاحقاً، عندما قام سعاده بزيارته إلى طرابلس الكورة في تموز العام 1937 واعتبرت من أيام الحزب التاريخية عمد إلى زيارة الرفيقة بلقيس الأيوبي في منزلها في بلدة عفصديق، تقديراً لها، وللبيت القومي الاجتماعي الذي منه منفذ عام بيروت الرفيق أسعد الأيوبي ومدير مديرية ديترويت الرفيق صلاح الدين. قبل ذلك كان سعاده قد تناول العشاء في منزل الرفيقة نجلا معتوق حداد في طرابلس.
إلا أن الدور الذي قامت به الرفيقة وداد ناصيف في الثلاثينات يعتبر بارزاً، فعنها يقول الأمين عبدالله قبرصي في الجزء الأول من مذكراته، ص 184: «بعد خروج سعاده من السجن سنة 1936 تعرّف بواسطة نعمة ثابت إلى السيدة وداد ناصيف وكان بيتها في محلة الصنائع قد بات مركزاً سرياً نلجأ إليه لعقد الاجتماعات السياسية واللقاءات الإذاعية. في دارها اجتمعنا بالأستاذ حميد فرنجية وصلاح لبكي وجورج حكيم وتداولنا في إنشاء المجلس الأعلى وصلاحياته، ومن منزلها انطلقت مع عبد الحكيم مراد المحامي الذي كان عميداً للإذاعة في فترة من الفترات لمقابلة السيد كيفر. تلك المقابلة التي ذكرها سعاده في إحدى مقالاته في «الزوبعة» الأرجنتين»، ويضيف: « لقد تحملت السيدة وداد، وكانت طريحة الفراش أكثر الأوقات إزعاجات جواسيس السلطة حتى مغادرة سعاده الوطن عام 1938».
من المعروف أن سعاده غادر بيروت في 11 حزيران 1938 في سيارة الرفيقة وداد ناصيف ويقودها سائقها، وكان بصحبته جورج عبد المسيح. في بلدة المريجات أوقف حاجز للدرك السيارة، إلا أن سعاده وجورج عبد المسيح تمكنا من الهبوط منها والتوراي نحو تل مجاور. عندما شاهد سعاده الدرك يسوقون الرفيقة وداد إلى المخفر، هبط من المكان الذي كان فيه وسلّم نفسه، رافضاً أن تعتقل الرفيقة وداد بسببه.
رئيس لجنة تاريخ الحزب
هوامش
1. جرجس حداد: صاحب المطعم في شارع بلس، تجاه الجامعة الأميركية، حيث كان يتردد إليه سعاده، والمنزل في شارع جان دارك الذي استأجر فيه سعاده غرفة قبل أن ينتقل لاحقاً إلى المنزل الذي اصطلح الرفقاء على تسميته بالكوخ. والد الرفقاء فؤاد، يوسف وعفيفة.
2. الجزء الأول من «عبدالله قبرصي يتذكر» الصفحة 182.
3 شقيقة نعمة وفلادو ثابت، اقترنت بالنائب شفيق ناصيف من رأس بيروت .
4 لم يعتقل الرفيق كامل أبو كامل لأن سعاده كان كلفه بنقل بعض الأوراق كي لا تقع في أيدي السلطات في حال دوهم المنزل بشكل مفاجئ.
5. «من الجعبة» الجزء الأول ص 282 . وقد منحها سعاده رتبة «الأمانة». سنخصص لاحقاً نبذة عن سيرتها.
6. جرى انتماؤها، والرفيقة جمال ناصيف في منزل الرفيق جميل شكر الله في منطقة طلعة جنبلاط، رأس بيروت، رافقتها هيلدا موقدية، وفيما أقسمت الرفيقة عفيفة، تراجعت هيلدا في آخر لحظة.
7 كانت تعمل قابلة قانونية. انتمت بواسطة طالب الحقوق آنذاك، الرفيق مصطفى الذوق.
8 منحت رتبة الأمانة، سجنت وتولت مسؤوليات وبقيت مناضلة، مؤمنة بالحزب، حتى آخر لحظة في حياتها. غادرت إلى تورنتو كندا ، وفيها وافتها المنية. مع أن زوجها من آل حداد لم يكن رفيقاً، إلا أنه لم يكن يمانع من أن تزاول نشاطها الحزبي، وفي أن يكون منزلهما مفتوحاً للرفقاء وللعمل الحزبي.
9. من بلدة راشيا الفخار. اقترنت من مواطن من آل سرتان، من طرابلس.
10. من الرفيقات المناضلات، اقترنت لفترة قصيرة من الرفيق جورج عبد المسيح، أديبة ولها مقالات كانت تنشرها في صحف الحزب.
11. الأمين جبران جريج «من الجعبة» الجزء الأول، ص 285.
12. المصدر السابق، ص 294.
13. شقيقة الأمين بشير فاخوري.
14. والدة القيادي في تنظيم المرابطون المحامي سنان براج.
15. من حمص، وشقيقة الرفقاء محمد، أحمد وسميحة شمنق، اقترنت من صديق الحزب، وسعاده، «الأمير» محمد أمين أرسلان، توفت باكراً.
16. انتمى ابنها فيليب من غير علمها، وفوجئا بالتقائهما في أحد الاجتماعات الحزبية نرجح أنه اجتماع الأول من حزيران 1935 فعرف كل منهما بانتماء الآخر.
17. لا يوضح الأمين جبران جريج سبباً لعدم تبليغ المرسوم، إنما يكتفي بالإشارة إلى أنه بقي بحوزة شقيقة الرفيق جميل عازار.