قالت له
قالت له: لماذا تصرّ على قياس الحبّ بالاحترام، وتعترض عندما أنهي كلامنا في أيّ خلاف، بتأكيد تمسّكي بتقديرك واحترامك؟
فقال لها: لأن الحبّ يقوم أساساً على منح من نحبّ أغلى ما عندنا، وأعلى المراتب في القلب والعقل. وهذا يعني مخاطبته بالأجمل ومعاملته بصفته الأنبل. وعندما يسقط الاحترام في التخاطب بداعي الغضب مهما كان السبب، يكون الحبّ مشكوكاً فيه، حتى نستسهل إلصاق أبشع الصفات بمن يُفترض أننا نحبّ، إلا عندما تكون هذه الصفات صارت عندنا يقيناً، وانتهى الحبّ من قاوميسنا معه. أمّا التذرّع بأنّ الحبّ مسرح لنكون نحن على طبيعتنا بلا تكليف، ففيه عذر أقبح من ذنب، لأنه يفترض أن طبيعتنا مع من نحبّ، هي ما يجعلنا نمنحه الإساءة، وهي ما يجعلنا نمنح سواه ـ وإلّاه ـ الاحترام، حتى يتمنّى الحبيب لو لم يكن حبيباً؟! أما تأكيد التقدير والاحترام جواباً على سؤال يتّصل بعتاب محوره تصرّف أنثويّ يميّز رجلاً آخر، فإقرار ضمنيّ بمكانة خاصة لآخر، وتجاوز تبريرها وتفسيرها تحت مبرّر عدم الإحراج وجرح الكبرياء، باستبدال أحادية الحبّ وموجباته، والاستعانة بمفردات التقدير والمحبّة والاحترام والغلاوة. وإشكالية الحبّ تبدأ عندما نستعمل الحبّ لتبرير التقصير بالاحترام ونستخدم الاحترام لتبرير التقصير بالحبّ.
فقالت له: أزمة الحبّ عندما يمارس الرجل تقنياته اللغوية لمحاكمة عفوية المرأة وأنوثتها، وعندما تصير التفاصيل البسيطة في الحياة مدعاة لانعقاد قوس المحكمة، وعندما لا يفيد الاعتذار البسيط النابع من القلب لإطفاء شهوة الانتقام والعطش لشعور بالنصر على من يظنه كائناً ضعيفاً أمامه في لحظة يظنّ الضعف فيها مؤاتياً للانقضاض. وتصمت الأنثى ويظنّه تسليماً بوحشية انتصاره اللغويّ وهي من داخلها تصمت لحزنها على تحويل الحبّ إلى مسرح حرب، فيها منتصر ومهزوم، ولأنها تدرك استحالة تقبّل مجتمع الرجال للهزائم، ترتضيها لنفسها لسبب وحيد، أنها تحبّ.
فقال لها: اليوم أدركت لماذا قيل عن النساء إن كيدهن عظيم. فقد نجحتِ بجولة كلام واحدة، أحسم المساجلة التي أدنتها بجرم أنها كلام وما قلته هو كلام… فيا للمهارة والشطارة! ثم تعالي نتفق أن عليّ منحك مزيداً من الحبّ، وعليك منحي مزيداً من الاحترام.
فقالت له: أنت تعترف إذن أنّ حبّ الرجال احترام ينقصه بعض حبّ، وحبّ المرأة حبّ ينقصه بعض احترام؟
فقال لها: أعلن الاستسلام كرجل فاقد للاحترام… وتأبّطها ومشيا!