واشنطن لأردوغان: صناعة الرؤساء الأتراك تمرّ من هنا

د. هدى رزق

تمنّت صحف المعارضة التركية لو يتمّ القبض على الرئيس رجب أردوغان او تصدر مذكرة اعتقال بحقه خلال زيارته الى الولايات المتحدة الأميركية، بعدما اعتقلت المحكمة الأميركية رجل الأعمال رضا زراب الإيراني المولد التركي الجنسية، المعروف بقربه من الرئيس أردوغان، بتهمة تبييض الأموال وتهريب الذهب وخرق العقوبات التي كانت مفروضة على ايران، علماً انّ زراب نفسه كان قد تعرّض للاعتقال في تركيا من قبل قضاة محسوبين على الداعية فتح الله غولن، خلال فضائح الفساد في 17 كانون الأول 2013 حيث سرّبت الأشرطة التي كشفت قيام زراب، بتقديم رشى إلى عدد من الوزراء الاتراك. استنفر أردوغان حينها لحمايته والإفراج عنه، وزجّ رجال الأمن الذين اعتقلوه في السجن وعزل بعض رجال القضاء. على اثر تداول خبر اعتقال زراب أعربت المعارضة التركية عن أملها بأن يكون الأمر بداية لفتح قضايا الفساد التي تهرّب منها أردوغان وأغلق ملفها بحسب المعارضة. الا انّ هذا الرهان هو حديث في المجهول، لأنّ السؤال الأساسي هو هل انّ رجل الأعمال التركي ـ الايراني الأصل قد ذهب الى الولايات المتحدة وهو يعلم انه سيجري توقيفه من قبل السلطات الأميركية بعدما أعدمت إيران شريكه رجل الأعمال ببيك زنجاني بعد يوم واحد من زيارة رئيس الوزراء داوود اوغلو الى إيران؟ وهل انّ المحامي الذي اعتقله سوف يشير الى أنقرة وحماية زراب في 17 كانون الأول 2013 لإنقاذه في قضية الفساد؟ لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة قبل مثول زراب امام القاضي في 4 نيسان الحالي، الى ذلك الحين، يمكن القول إنّ كلّ شيء سيأخذ طابع التوقعات. لكن اعترافات زراب يمكن ان تدفع بالقضاء الأميركي الى مطالبة تركيا بمثول الوزراء او شركاء زراب امام القضاء الاميركي. لذلك اتخذت الحكومة التركية قراراً بإصدار قانون يفوّض لجنة خاصة بقبول او رفض ايّ طلب محتمل لواشنطن في هذا الموضوع. حسم الرئيس رجب طيب أردوغان الموضوع بالقول انّ هذه المسألة لن تطال أنقرة وعلى القضاء الأميركي الذي يكشف اليوم عمليات تبييض الأموال ان يفتح ملف الداعية فتح الله غولن الذي يعيش على الأراضي الأميركية ويبيّض الأموال لدعم مؤسساته، لذا يجب ان يطبّق عليه القانون هو أيضاً بتهمة مماثلة.

وفيما انحصرت إجابة اردوغان على مسألة زراب بضرورة محاكمة غولن، عقد رئيس الوزراء احمد داوود أوغلو اجتماعاً أمنياً دام ثلاث ساعات ونصف الساعة حول القضية الأمنية التي تزعج حزب العدالة والتنمية ايّ قضية «الدولة الموازية» وهو المصطلح الذي تستعمله السلطات التركية ضدّ مؤسسات غولن، وقد انضم إلى الاجتماع كلّ من وزير الداخلية ووزير العدل ووزير المالية الى جانب كبار الضباط من الاستخبارات التركية، لا سيما بعد اتهام اردوغان لضباط في الشرطة يعتقد انهم من الغولنيين الذين ما زالوا في السلك بتقديم خدمات ومعلومات لحزب العمال الكردستاني في حربه ضدّ قوات الأمن الحكومية في الشرق والجنوب الشرقي من تركيا.

من جهة أخرى، يبدو انّ الحكومة تتحضّر من أجل الضغط على شركات مقرّبة من غولن وتحاول طرد من تعتقد أنه مقرّب منه في جهاز الدولة.

وفي تصريح له عشية زيارته الى واشنطن قال اردوغان انه سيثير هذا الموضوع أثناء لقائه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، كذلك عند لقائه غير الرسمي مع أوباما الى جانب القضايا الأمنية العالمية والحرب في سورية والقتال ضدّ داعش وحزب العمال الكردستاني.

تأتي زيارة أردوغان إلى واشنطن بعد تصريحات الرئيس أوباما لـ»أتلانتيك» عن خيبة رهانه على اعتدال اردوغان، فيما كتب السفيران الأميركيان السابقان في انقرة جون ابراموفيتز واديلمان مقالاً نشرته صحيفة «واشنطن بوست» دَعَوَا فيه أردوغان الى الاستقالة واتهماه بدعم المتطرفين. كما قادت تصريحات الملك الأردني واتهامه تركيا بحيازة مشروع سياسي داعم للتطرف أحمد داوود اوغلو الى زيارة عمّان لتليين الموقف واستيضاحه تحت حجة دعم الاقتصاد والأعمال.

وفي الوقت الذي لا يزال الغرب فيه غارقاً تحت الصدمات الإرهابية المتعاقبة وتتصاعد «الاسلاموفوبيا» والكراهية للأجانب التي غذتها تلك الهجمات في باريس وبلجيكا، دعت الاستخبارات الاميركية تركيا الى إغلاق ممرّ منبج حيث لا يزال الإرهابيون يمرّون من سورية الى تركيا ومنها الى أوروبا، متهمة أنقرة بتسهيل هذا المرور. ومن اجل إغلاق هذا الباب لا ترى واشنطن ضرراً من دعم الأكراد في سورية، فيما هدّد الجيش التركي بقصف وحدات الحماية الكردية اذا ما حاولت التقدّم نحو اعزاز من موقعها في الاراضي التركية.

في هذه الأثناء، عقد أردوغان في واشنطن لقاء مع اللوبي الصهيوني ودعاه الى الوقوف ضدّ «الاسلاموفوبيا» واللاسامية وطلب من رجال الأعمال الاستثمار في تركيا. كذلك صرّح بانه سيتمّ تبادل السفراء مع «إسرائيل» وعودة العلاقات الى ما كانت عليه.

طرق أردوغان باب أعدائه من أجل خطب ودّ واشنطن، فاجتمع الى وزير الخارجية كيري، وأكد ضرورة محاربة الإرهاب وقتال «داعش» والعمل على الانتقال السياسي في سورية وتمتين التعاون بينهما. كما التقى والوفد المرافق له نائب الرئيس الاميركي جو بايدن. وفيما قلل الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية من كون اللقاء غير الرسمي لأردوغان مع الرئيس أوباما يشكل ازدراء بأنقرة رأى انه يتمّ التحضير له على نطاق واسع.

وكانت الصحافة التركية المعارِضة، بالإضافة الى بعض المعلّقين الأتراك، قد اعتبروا انّ الرئيس أوباما سيلتقي أردوغان لـ3 دقائق فقط على هامش القمة، كما انه لن يشاركه افتتاح مسجد في ميريلاند اعتراضاً على تخطيه قيم الديمقراطية ومن بينها سيادة القانون واحترام التنوّع وحرية التعبير، وهذا يعني الكثير، بل سيتولى جو بايدن الأمر. واعتبروا أنّ مستشاري اردوغان سيفهمون انّ التقاط الصور الى جانب أوباما خلال المؤتمر لا معنى سياسيا له بل غياب اوباما عن افتتاح المسجد سيكون له الاثر السياسي الأكبر.

ربما بالغت المعارضة التركية في فهمها لردّ فعل واشنطن، لكن تصريحات كلّ من أردوغان واوغلو ضدّ الولايات المتحدة والسياسة التي اعتمداها أدّت الى إيحاء واشنطن بسهولة التخلي عنهما بعدما جرى ابتزاز أوروبا التي قدّمت لهما تنازلات من أجل التعاون في مسألة اللاجئين. فتركيا هي دولة وظيفية بالنسبة للولايات المتحدة صحيح هي استراتيجية، لكن أردوغان لا يمكنه ان يهدّد الغرب من موقعه، فالولايات المتحدة سعت وتسعى منذ أكثر من سنتين الى دفعه للعودة عن سياساته التي يستمرّ بها ان على صعيد الداخل كحجب الحريات، او على صعيد دعم ارهاب «داعش»، وهذا ما حصل بالفعل، فأوباما في لقائه أردوغان كرّر حرص واشنطن على أمن تركيا وضرورة محاربة «داعش». ومن خلال موقفه هزّ له العصا لإفهامه بأنّ العدالة والتنمية حكم في تركيا بفضل دعم واشنطن وليس بفضل دعم الاسلاميين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى