احذروا غليان البركان الاجتماعي اللبناني!
أسامة العرب
أزمة البطالة في لبنان مُزمنة وناتجة عن غياب سياسات حكومية واضحة لسوق العمل، وعن الفارق الشاسع بين متطلبات سوق العمل وبرامج إعداد الكادرات المهنية والتقنية في الجامعات، وبين الوضع الاقتصادي المُتدهور منذ سنوات عدة. فقد ارتفعت نسبة البطالة في لبنان إلى معدلات قياسية، وخاصة في السنتين الأخيرتين، ووصلت حقيقةً إلى حوالى 50 بالمئة، وهي أعلى من ذلك أيضاً بين متخرجي الجامعات الجدد الذين يصعب عليهم إيجاد فرص عمل بسهولة.
والخطط الأساسية للحكومات اللبنانية التي تعاقبت على السلطة بُعيْد انتهاء الحرب الأهلية، كانت تعتمد بشكل أساسي على الاستدانة بغياب الموارد الطبيعية وذلك بهدف دعم الاقتصاد. إلا أنّ هذه الخطط لم تنجح في دعم الماكينة الإنتاجية، وكان هناك اتجاه أكبر نحو الربحية الريعية، عبر الودائع في المصارف أكثر منها في الاقتصاد. وكذلك فعلت المصارف عبر خفض تمويل الاقتصاد والاتجاه إلى الربحية الأكيدة المُتمثلة بفوائد عالية على سندات الخزينة والتي من المستحيل أن يحققها الاقتصاد اللبناني.
وقد أظهرت إحصاءات جمعية مصارف لبنان ووزارة المالية ارتفاعاً في الدين الحكومي العام الإجمالي بنحو 297.18 مليون دولار خلال كانون الثاني 2016 ليصل إلى 70.62 مليار دولار، مقابل 70.32 مليار دولار في كانون الأول. أما على صعيد سنوي، فقد زاد الدين الحكومي العام الإجمالي 4.04 مليارات دولار مقارنةً بالمستوى الذي كان عليه في نهاية كانون الثاني 2015، والبالغ حينها 66.58 مليار دولار.
ولكن الدين العام المذكور آنفاً، والذي يُشار إليه دوماً في الإعلام وفي المنشورات الرسمية ليس فعلياً هو »الدين العام« بل »الدين الحكومي« فقط، والذي هو النتيجة التراكمية لعمليات الحكومة من خلال الموازنات العامة. أما »الدين العام الحقيقي«، وبحسب المنهجية المعتمدة دولياً، فيساوي الدين الحكومي بالإضافة إلى دين المؤسسات العامة المالية وغير المالية. أيّ أنّ الرقم المتداول دولياً يجب أن يُضاف إليه دين مصرف لبنان، لأنه مؤسسة مالية عامة، إنما بعد حذف ديون الحكومة ومصرف لبنان تجاه بعضهما البعض. وعليه، يكون علينا أن نضيف إلى الدين الحكومي حصيلة شهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان بالليرة إضافةً إلى التزامات المصرف بالعملات الأجنبية لديه، على أن نحسم دين الحكومة ومصرف لبنان من بعضهما البعض. وبالتالي يصبح »الدين العام اللبناني الحقيقي 106 مليارات دولار«، أي ما يوازي 211 من الناتج المحلي القائم، مقارنة بحوالي 70.32 مليار دولار للدين الحكومي المعلن والذي يوازي 140 من الناتج.
ومن الرقم المخيف لحجم الدين العام أعلاه، نتأكد من أنّ خدمة الدين العام باتت تشكلّ عبئاً ثقيلاً على الموازنة من ناحية أنها توازي ثلث المدخول، ومن ناحية أخرى فإنّ الوضع الاقتصادي المُتردي يُعاني تآكلاً بنيوياً نتيجة غياب الاستثمارات. علماً بأنّ إيرادات الدولة كلّها تكاد لا تُغطي حتى خدمة الدين العام الحقيقي أيّ الفوائد على الدين العام ، ما يعني أنّنا في أزمة متفاقمة لا حلّ لها أبداً.
وفي تقديرات رسمية أشار إليها البنك الدولي بوضوح فهناك 40 من اللبنانيين تحت خط الفقر، ويُتوقع ان ينحدر حوالي 170 الف مواطن لبناني جديد إلى ما دون خط الفقر قريباً. فيما تترك النسبة الكبيرة من البطالة في صفوف الشباب أثرها السلبي جداً في الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً. وتنعكس الاضطرابات الاجتماعية التي تسبّبها البطالة على النمو الاقتصادي وسوق العمل والناتج العام المحلي مع تساقط عقود العمل وطرد الكثيرين من أعمالهم من دون أن توفر لهم الدولة أيّ حماية.
كما أنّ الارتفاع الكبير في نسبة البطالة يدفع الشباب نحو نشاطات وأفكار لا تمثل أو تنتمي إلى الواقع او المحيط الذي يعيشون فيه، وتدفعهم أيضاً للالتحاق ببعض الحركات المتطرفة التي تقدّم لهم العديد من الإغراءات المادية، وتدفعهم تباعاً الى القيام بأعمال خارجة عن القانون والدين. وبالتالي تتحمّل الحكومات المُتعاقبة النتائج التي نشهدها اليوم من تطرف وإجرام، نتيجة البؤس الاجتماعي الذي تعاني منه الأسر اللبنانية التي تعيش بمدخول عائلي شهري يقلّ عن 270 دولاراً.
بالمقابل، جاء لبنان في المركز الثالث عربياً في قائمة «فوربس» لأغنى أغنياء العالم، حيث حلّ في المركز الثالث لوجود 7 أثرياء مليارديرات بلغت ثروتهم في 2015 حوالي 15 مليار دولار. وقد جاء في عدد تشرين الأول 2013 من مجلة Executive، أنّ ثروة 50 على الأقلّ من لبنان الخاصة تتركز في أيدي ما لا يزيد عن 0.3 من سكانه، وهذه هي الفئة التي يزيد دخل أفرادها شهرياً عن مليون دولار للفرد الواحد.
وتبقى العدالة الاجتماعية كمفهوم أخلاقي مادّة خصبة للنقاش والجدال في الفلسفة وفي السياسة وفي الدين وفي الإعلام، وتبقى محور نظريات متنوّعة وكثيرة. وقد أظهرت مؤخراً المواجهة بين أصحاب المصارف والهيئات الاقتصادية من جهة وهيئة التنسيق النقابية والمياومين والمستأجرين القدامى والعسكريين وغيرهم من القوى العاملة من جهة أخرى طبيعة الصراع الاجتماعي، وتم فرز القوى الاجتماعية حيث تموضع كلّ فريق في موقعه المنحاز إلى مصالحه الاجتماعية بغضّ النظر عن الاختلافات الدينية أو المناطقية.
وتأتي صعوبة معالجة الفقر من خلال تداخل العوامل الداخلية مع الخارجية والاقتصادية مع الاجتماعية والسياسية، والأسباب المباشرة مع غير المباشرة، فيما ترتبط آلية مكافحة الفقر على المستوى العالمي باعتماد مجموعة من الإجراءات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ تصحيح الخلل الموجود في الاقتصاد اللبناني والقائم على آلية الاستقطاب غير العادلة.
2 ـ تقليل الهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء وإعادة توزيع وتقاسم نتائج النمو الاقتصادي.
3 ـ توسيع فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والإعالة.
4 ـ التركيز على الإدارات النزيهة وذات الكفاءة العالية ومكافحة الفساد وخلق عمالة كفوءة.
5 ـ زيادة الاستثمارات وخاصة في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
6 ـ العمل للتوجه نحو ترسيخ مقوّمات المجتمع الإنتاجي والحدّ من سيطرة المجتمع الاستهلاكي.
7 ـ العمل على تعديل شروط التبادل التجاري وزيادة الصادرات وترشيد المستوردات.
8 ـ إقرار سلسلة الرتب والرواتب ومعالجة الأزمات المالية والاقتصادية، لا سيما تلك المتعلقة بالازدياد المضطرد لمعدلات خدمة الدين العام.
ومن الصعوبة إيجاد حلّ سريع لمعالجة نتائج الفقر، لا سيما بعدما صنع الأغنياء ثرواتهم الغير مشروعة من جيوب الفقراء والمساكين. فيما يتساءل 40 بالمئة من اللبنانيين الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، و50 من العاطلين عن العمل: كيف جُمعت ثروة 50 من الشعب اللبناني بيد 0,3 من سكانه فقط؟ أبالمال الحلال أم الحرام! مستشهدين بقوله تعالى: »يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم، ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً« النساء: 29-30 .
وأخيراً، فإننا نؤكّد بأنّ لبنان بات اليوم على فوهة بركان اجتماعي يغلي يوميّاَ نتيجة معاناة أبنائه، ولذلك فمن الخطأ جداً أن يتبع السياسيون سياسات «التطنيش» ذاتها التي اتبعوها خلال السنوات العشرين الأخيرة، صامّين آذانهم عن أنين آلام وأوجاع الفقراء والمساكين وصرخاتهم، ذلك أنّ بركان البؤس والفقر والجوع من المرجح أن ينفجر قريباً جداً وتكون له تبعات كارثية، فاحذروها قبل فوات الأوان!
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً