الواقع الميداني اللبناني وارتدادات تحرير تدمر…
حسين مرتضى
لم يقتصر أثر تطهير مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي وسط سورية على مساحتها الجغرافية، بل تعدّى ذلك في مختلف الاتجاهات، وشكّل حلقات ارتدادية توسّعت حتى وصلت إلى حدود لبنان، بعد أن استشعر مسلّحو جماعة «داعش» الإرهابية في القلمون على الحدود اللبنانية الخطر، وتحسّس رأسه كلّ من يناصرهم في مناطق الشمال اللبناني وتحديداً في قضاء عكار ووادي خالد.
الهزّات الارتدادية شعر بها مسلحو «داعش» قبل تطهير الجيش السوري لمدينة تدمر، فحجم المعركة هناك كان يوحي باقتراب سيطرة الجيش على وسط البلاد، ما يعني أنّ تلك المجموعات باتتْ بدون طرق مواصلات ولا إمداد مع مدينة الرقة المعقل الرئيسي لهم، فسارعت إلى محاولاتها لزعزعة الأمن في منطقة وادي خالد، فكان الكمين الذي تصدّى له الجيش اللبناني، ما يدلّل على أنّ المنطقة الممتدّة من بلدتي هيت والبويت في القصيْر وصولاً إلى وادي خالد، ما زالت منطقة يستطيع المسلحون التسلّل منها نحو الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى استغلال مناطق كجبل أكروم، الذي يُعتبر من المناطق غير المضبوطة على الحدود السورية اللبنانية لغاية الآن.
إنّ البحث في التحرّكات التي يقوم بها المسلحون على جهة وادي خالد وقضاء عكار، تؤكّد أنّ هناك خلايا نائمة ما زالت قادرة على النشاط، وتنتظر الأوامر من الدول الداعمة لها، بهدف تحريك المناطق الشمالية من لبنان، هذه الخلايا تتواجد بشكل أساسي في القرى العكارية، بالإضافة إلى امتداد وادي خالد، وكان آخرها خليّة عكار التي يقودها العسكري الفارّ من الجيش محمد سعد الدين الذي قُتل أثناء مداهمة الجيش لمقرّ إقامته، وهذا يفتح الباب واسعاً أمام الحاضن الشّعبي الأمني والإنساني لمجموعات «داعش» في تلك المنطقة، والتي تبعد في أبعد البلدات حوالى 300 متر فقط عن الحدود السورية، كما في بلدات دنكة والقصيْر والبيرة، فإذا كان الجندي المنشقّ عاطف سعد الدين الذي فرّ من اللواء الثامن في تموز من العام 2014 والتحق بـ«جبهة النصرة» في عرسال، وكان قد ظهر في شريط مصوّر يُعلن فيه انشقاقه، يستطيع التنقّل عبر المناطق الحدودية تلك والتخفّي والاستتار، فما بالنا بالخلايا غير المعروفة والتي تتحرّك بحرية في طول البلاد وعرضها انطلاقاً من الشمال، وهذا ليس سرّاً، فـ»داعش» هي التي ما زالت مصرّة على حلمها في لبنان، وجميعنا يعرف قضية الشريط المسجل الذي جرى فيه بثّ التهديدات للبنان، وهذا الفيلم تمّ تصويره في مدينة الرقة السورية، تحت إشراف مباشر من القيادة المركزية لجماعة «داعش»، ولتأكيد التهديدات جاءت برجلَين أصولهما تعود إلى منطقة الشمال اللبناني، الأول يُدعى بسام بيتية من مواليد السويقة في طرابلس عام 1984، وهو من سكان التبانة، وقد أوقف عقب أحداث مخيم نهر البارد في العام 2008 بتهمة الانتماء إلى جماعة «فتح الاسلام»، وبقي في سجن رومية نحو 18 شهراً. ومع اندلاع الحرب على سورية، غادر مع عائلته إلى سورية، بعد انضمامه لجماعة «داعش» الإرهابية، وخاض معها معارك عدّة. أمّا الثاني فيُدعى عمر الصاطم من مواليد وادي خالد في عكار عام 1987، بعد مبايعته لـ«داعش» غادر إلى سورية، وتسلّم مكانه في عكار ابن عمّه محمد الصاطم الذي نفّذ بعض المهمّات التي أوكلت إليه في منطقة الشمال، قبل أن يلتحق بـ«داعش» في مدينة الرقة بعد تضييق الخناق الأمني عليه، والرجلان هما أبناء عمّ الانتحاري المدعو قتيبة الصاطم الذي فجّر نفسه في سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية في العام 2013، هذا بالإضافة إلى أعداد المقاتلين اللبنانيين والذين قُتلوا مؤخراً مع الجماعات التكفيرية في الأراضي السورية، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، المدعو طه الدندشي الملقّب بأبي محمد اللبناني، من مدينة طرابلس، وهو أحد مسلّحي تنظيم «داعش»، والذي قُتل خلال الاشتباكات مع الجيش السوري في محيط مدينة تدمر، والمدعو أحمد ديب أبو أسامة الذي قُتل في اشتباكات مع الجيش السوري في محيط بلدة أم شرشوح بريف حمص الشمالي، وهو من منطقة المنكوبين في مدينة طرابلس، وينتمي إلى «جبهة النصرة»، ويقاتل في صفوفها منذ مدة طويلة، أمّا المدعو مصطفى خضر، كان قد قُتل في محيط مدينة إدلب إلى جانب «جبهة النصرة»، وهو من منطقة الضنيّة شمال لبنان، والمدعو عبد الناصر سنجر وهو لبناني من مدينة طرابلس وكان مسجوناً في سجن رومية قبل أن يتمّ تهريبه ليلتحق بالمسلحين في سورية، وكذلك قُتل فيها، أمّا أبو حمزة اللبناني، فهو يحمل الجنسية البريطانية، ويقطن في طرابلس وغادرها إلى سورية قبل توقيف والده الشيخ عمر بكري فستق، بعد أن أعلن مبايعته لـ«داعش» والتحاقه بمجموعاتها في حلب.
أمّا الخطر الآخر بعد العنصر البشري الذي يتوفّر في مناطق الشمال، فهو الامتداد الجغرافي الذي يمكن من خلال أيّ نقطة في منطقة الدبابية أن ترى قلعة الحصن في ريف تلكلخ وحتى منازل مدينة تلكلخ، ما يؤكّد على أنّ التداخل الحدودي ما بين لبنان وسورية شمالاً، خصوصاً في منطقة وادي خالد التي تضمّ نحو 9 قرى، يحتاج إلى إعادة ضبط، فناقوس الخطر لا يزال يقرع في أرجاء تلك المنطقة التي ما زالت محاولات مجموعات «داعش» لتغيير موازين القوى فيها واضحة، فضلاً عن محاولاتهم الدائمة إلى فرض وقائع جديدة، ما يستدعي التدخّل العاجل من الجميع في القوى الأمنية اللبنانية والمقاومة بالإضافة إلى الجيش، لتضييق الخناق أكثر على مسلّحي «داعش» وتحرّكاتهم.