ما بعد تدمر ـ القريتين… انهيار «داعش»!
محمد ح. الحاج
التنفيذ على الأرض طبقاً للمخطط الموضوع، وهذا بدوره يستند إلى دراسة الواقع ومعطيات الاستطلاع، وطبيعة الميدان… أرض مفتوحة وجزر صغيرة مفتوحة، لكنه جرى تحصينها خلال فترة من الوقت شكلت فرصة كافية لذلك، ألغام في كلّ مكان… ضمن الأرصفة وعلى جوانب الطرقات وفي كلّ مكان يخطر ببال الدواعش أنّ الانسان العسكري خصوصاً سيطرقه أو يعبر منه، وللوهلة الأولى يعتقد المراقب أنّ دولاً بذاتها وفرت لهؤلاء كلّ هذه الكميات من الألغام والمتفجرات ليتمكنوا بدورهم من حماية خطوطهم وإلحاق الأذى بالمهاجمين… مع ذلك كانت الهزيمة.
تقطيع الأرض إلى جزر وتطويق المراكز المهمة، من ثم إسقاطها سياسة أثبتت جدواها، تدمر هي البوابة الأولى والمركز الذي يتحكّم بطرق الإمداد في كلّ الاتجاهات، غرباً حتى جبال لبنان، وشرقاً وجنوباً حتى الحدود العراقية والأردنية، وشمالاً إلى الرقة والموصل… فتركيا المنهل الرئيس والمركز الأهمّ للإمداد اللوجستي.
القريتين هي المركز الثاني من حيث الأهمية، لكن سقوط تدمر يحقق نصف المهمة، يسقط الدواعش المتواجدين في القريتين نفسياً ومعنوياً ويمهّد لهزيمتهم لاحقاً، هكذا يستكمل الجيش ومن يدعمه المهمة الثانية بنجاح، تدبّ الفوضى في صفوف الدواعش فيتبعثرون في الاتجاهات المتاحة، باتجاه البادية المفتوحة شرقاً ولا مأوى سوى محسّه، أو إلى الشمال قليلاً مع سكة القطار وصولاً إلى السدّ الأثري في خربقه وبعض المساكن القديمة في قرية الباردة الشعلان أو وصولاً إلى البصيرة مركز محطة القطارات التي تنقل الفوسفات من خنيفيس والصوانة الشرقية إلى طرطوس عبر حمص، وربما تشكل هذه المواقع الصغيرة ملجأ موقتاً لكنه لا يدوم، فالهزيمة الداخلية تدفع بمن لجأ من الدواعش للبحث عن ملجأ آمن وهو لن يتوفر في أيّ من المراكز المذكورة، الجيش يتابع وسيحرّر مركزي إنتاج الفوسفات والمدينتين العماليتين، ولا سبيل إلا اتباع الطرق الصحراوية جنوب غرب تدمر وشرقها بموازاة المحطة الثالثة نحو الرقة أو ريف دير الزور… وهذا التحرك لا بدّ يسبق حركة الجيش بسبب عشوائيته وسرعة الهروب في حين يلتزم الجيش خطة عملانية للتقدّم قفزات محسوبة لا بدّ من عملية الاستطلاع قبلها.
التكهّنات كثيرة حول وجهة الجيش المقبلة، لكن المنطق يقتضي إجراء عمليات تنظيف للبؤر الصغيرة على جانبي محور التحرك، لتصل الحدود العراقية في مركز التنف عبر محسّه والسبع بيار، أو مروراً بقرية نائية تتحكم بطرق وسط الحماد وهي العليانية ويتواجد فيها الدواعش دون شك، هذا يجب أن يحصل قبل الانطلاق نحو السخنة من أكثر من محور والمتابعة باتجاه دير الزور لملاقاة قوة الجيش المتحركة جنوباً وغرباً لتأمين الطريق الدولي باتجاه تدمر دمشق، من ثم المتابعة بجزء من القوى على محور السخنة الكوم الرصافة الطبقة، وهكذا تصبح الرقة بين فكي الكماشة بحيث لا ينقضي جزء من الصيف قبل أن تصبح عيون الرقة خضراء وينقشع السواد عن سمائها.
في العراق تتوارد الأنباء عن سقوط المواقع تباعاً بيد القوات الحكومية والحشد الشعبي رغم عنف المقاومة والخسائر، التصميم على هزيمة «داعش» في ذروته، هيت المخمور، مواقع على طريق الموصل تدور على أرضها معارك طاحنة وتبقى الغلبة للقوات العراقية المهاجمة، ويكون السؤال: أيّ نوع من التفكير الضحل والتقديرات السيئة لقادة ما يسمّى تنظيم «الدولة الاسلامية» أعطت لهم الدافع والثقة لمحاربة مجموعة من الدول وجيوشها النظامية بما تملك من قوى متفوّقة… وهو اندفاع باتجاه الانتحار… إلا أن يكون عملاً وظيفياً متقناً، يدرك من يقوم به أنّ نهايته الموت، لكن بعد القيام بأقصى درجات التخريب وأفظع عمليات القتل والتنكيل، التخريب بما يودي بالاقتصاد الوطني للدول المستهدفة وتخريب مجتمعاتها، والقتل والتنكيل لدفعها إلى الاستسلام وقبول مشاريع يطرحها الغرب جوهرها الوصاية على أنها طريق الخلاص من جحيم ما يحصل، رغم إدراك الغالبية من قادة وشعوب المنطقة أنها لعبة الغرب من الأساس لخدمة قضية وحيدة جوهرها المشروع الصهيوني.
بعض المحللين المتنبّئين يقول أنّ توجه الجيش نحو دير الزور مسموح، ولن يلقى معارضة التحالف الغربي بقيادة أميركا، لكن الأمر لا ينطبق على الرقة، ويتابع أن مخطط التفاهم الروسي الأميركي يسمح للأخير بدفع قوات محلية متحالفة معه قوات سورية الديمقراطية بقيادة ضباط أميركان ومشاركة قوات من النخبة باتجاه الرقة قبل اقتراب الجيش السوري منها، لتكون ملحقة بفيدرالية الشمال التي يدعمها الأميركيون، ويدلل على صحة هذا الطرح بالقول إنّ الروس لا يرفضون الفيدرالية وسمحوا للجانب الكردي بفتح مكتب تمثيلي لهم في موسكو، البعض يرى أنّ هذا مجرد استنتاج يجانب الحقيقة والواقع إذ لا يعير الروسي الأمر اهتمامه فهو لا يستحق، ويعلن أنّ الأهمّ الحفاظ على الدولة بمقوّماتها ودون تقسيم، فكيف يستقيم الموقف مع قبول الفيدرالية وهي نوع من التقسيم ترفضه الدولة السورية… الفدرلة هي رغبة صهيو أميركية، أن يسكت عنها الروسي فبسبب الأولويات لكنه لا بدّ يأخذ بوجهة النظر الحكومية السورية وقرار الشعب بهذا الخصوص. الأمر نفسه ينطبق على الواقع العراقي مع فارق كبير في وضوح الموقف الأميركي إلى جانب البرزاني، وهو موقف صهيوني، ولا تأثير لنفوذ روسي هناك كما هو في الشام، بينما يقتصر التنسيق على تعاون استخباري أمني دون أيّ مشاركة فعلية كما هنا.
التنظيمات بمختلف مسمّياتها في المنطقة الشمالية حلب ادلب التي وافقت على شروط الهدنة، وبعضها لم يلتزم، شعرت بخطر وتأثير هزيمة «داعش» في تدمر والقريتين على مستقبلها، فخرق أغلبها الهدنة معتقداً أنّ القوات العسكرية المحيطة بهم في حالة استرخاء، وربما حققت مفاجأة في بعض مناطق حلب ودخلت بعض المواقع إلى حين، ما دفع بالجيش السوري إلى إعلان تنصّله من التزام هدنة خرقها الآخرون، وهكذا تعود العمليات إلى وتيرتها السابقة وتؤكد أنّ يد الجيش هي العليا، وربما يعود خرق الهدنة من قبل هؤلاء إلى تلقيهم أوامر خارجية من مشغليهم الذي فقدوا أغلب أوراق التفاوض، واعتقادهم أنّ ممارسة الضغط من جديد على الجيش السوري سيدفع بالمفاوض في جنيف إلى القبول بورقة دي ميستورا الملغومة، والتي تفرض على الدولة السورية شروطاً لم يستطع العدوان فرضها ومنها الالتزام بمواقف الدول العربية على أنها موقف عروبي تجاه العدو، الأنكى إلزام الدولة بموقف يتضمّن العمل على استعادة الجولان عن طريق التفاوض فقط…! ويريدنا أن ننسى قول بعض قادة العدو الصهيوني ومنهم شامير أنه سيعمل على أن تمتدّ المفاوضات لمائة عام… والسؤال: إذا كانت القوانين الدولية والأعراف تضمن لصاحب الأرض المحتلة حقه في استخدام كلّ الوسائل لاسترجاع أرضه، فلماذا يعمل دي ميستورا ومن وراءه على سلب سورية هذا الحق، وهنا من حق الشعب السوري معرفة أنّ دوافع الحرب على مدى هذه السنوات بأدواتها السورية والعربية والدولية كانت ولما تزل لتحقيق هذا الهدف، وبما أنها فشلت في ذلك، فلماذا يلتزم المفاوض الحكومي السوري بورقة المبعوث الدولي فيتنازل بمثل هذه البساطة عن حقوقه، ولماذا يطالب بذلك ويصرّ عليه أطراف المعارضات الخارجية، أوليس مثل هذا الموقف إثباتاً للغايات والأهداف التي قاموا لأجلها بما أسموه ثورة؟ فيما هي مجرد وظيفة يستثمرون بها إلى أقصى الحدود…! وقد فشلوا حتى الآن، وسيستمرّ الفشل لأنّ من يصوغ القرار ويفرضه هو جيشنا السوري البطل والقوى الرديفة له… وهيهات منا الهزيمة.