حلّ «الجامعة العربية» واجب أخلاقيّ
جمال العفلق
هي «الجامعة العربية» التي تأسّست لحفظ مصالح الأمة، هي الجامعة العربية التي تمثل أكثر من ثلاثمئة مليون عربي، هي الجامعة العربية التي تمثل مساحة العالم العربي، صاحب المركز الثاني في المساحة بعد روسيا. فبعد اللاءات الثلاث المشهورة في مؤتمر الخرطوم والتي أسّست لحرب تشرين التحريرية أو حرب العاشر من رمضان، لا يذكر دور حقيقي لهذه «الجامعة العربية» ولم تستطع الصمود كثيراً أمام المتغيّرات الدولية والإقليمية فكانت تخرج قراراتها التي تلزم الأعضاء بالإجماع هزيلة نتيجة اختلاف سياسة الأعضاء الخارجية حيال القضايا العربية والدولية.
لم تستطع «الجامعة العربية» حل النزاعات العربية العربية وأشهرها الخلاف العراقي ـ الكويتي مطلع التسعينات من القرن الفائت، والتزمت الصمت بعد انتهاء حرب تحرير الكويت إزاء حصار العراق الاقتصادي والعسكري والسياسي، وقبل ذلك لم تحرك ساكناً في شأن الحصار الأوروبي والأميركي على سورية في الثمانينات من القرن الفائت، ولم يكن لها دور يذكر في حرب لبنان الأهلية والاجتياح «الإسرائيلي» لبيروت، اذا استثنينا ما سمي آنذاك بقوات الردع العربية؟
في مطلع القرن الحالي التزمت أبشع أنواع الصمت إزاء احتلال الولايات المتحده الأميركية للعراق فكانت بغداد أول عاصمة عربية تسقط تحت احتلال أجنبي مطلع القرن الحادي والعشرين.
لم يكن عدد المليون ونصف مليون طفل عراقي كافياً لتتخذ «الجامعة العربية» قرارات إنسانية لفك الحصار عن الشعب العراقي! معظم الأعضاء ما كانوا يملكون قدرة على اتخاذ القرارات الإنسانية أو السياسية التي تصب في مصلحة الأمة. ورغم أن قرارات الجامعة يجب أن تكون بالإجماع فإن قرار احتلال العراق لم يكن بالإجماع وتمّ إمراره.
لم تكتف «الجامعة» والأعضاء المسيطرون عليها بذلك فكان قرار تدمير ليبيا سابقة تاريخية لم تحصل قبلاً ولم تُقِدم منظمات من هذا النوع في العالم على إعطاء قرار يبيح للاحتلال تدمير بلد عضو فيه، وهذا «إنجاز» يحسب لهذه «الجامعة العربية» ولأمينها العام السابق عمرو موسى.
الجامعة نفسها هي التي التزمت الصمت حيال عدوان «إسرائيل» على لبنان في 2006، والجامعة عينها التي عجزت عن الكلام في عدوان «إسرائيل» عام 2008 على الشعب الفلسطيني.
هي «جامعة الدول العربية» التي أخرجت الحكومة السورية الشرعية من المنظمة واستبدلتها بجماعة لا تمثل أكثر من 5 من الشعب السوري، و«الجامعة» نفسها وبرعاية أمينها العام نبيل العربي وبأموال قطر والسعودية حاولت تدويل الأزمة السورية وجرّ جيوش الاحتلال الى سورية لإنهاء الوجود السوري على الأرض السورية.
وفد «الجامعة العربية» الى مجلس الأمن الدولي حمل معه تقارير مزورة للحصول على قرار دولي لوضع سورية تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
إنه مرور سريع على «الجامعة العربية» وما قدمته إلى الشعوب العربية، تلك التي تمولها أموال الشعوب العربية وتدفع الحكومات العربية من قوت شعوبها رواتب أعضاء هذه المنظمة العدوّة للشعب العربي! وأثناء كتابة هذا المقال وصل عدد المجازر «الإسرائيلية» المباشرة على أطفال فلسطين إلى عشرين مجزرة منذ بداية العدوان الصهيوني على المقاومة في فلسطين، و«الجامعة العربية» ملتزمة الصمت والحياد اللا أخلاقي ولا تجرؤ على اتخاذ أي تدبير أو تصريح كما هي العادة أمام عدوان قطعان الصهيونية على الشعب العربي. ودور «الجامعة» اليوم تقديم غطاء سياسي وأخلاقي لمجازر الصهيونية. فالعربي الذي يسعى إلى منصب دولي موعود به لم نسمع منه شيئاً حيال دماء أطفال فلسطين التي وصلت الى قادة أميركا الجنوبية ولم يشاهدها العربي بعد!
بعد ذلك كلّه، ألا يجب حلّ هذه المنظمة العدوّة للشعب العربي؟
اعتقد أنّ حلّ هذه المنظمة اليوم واجب أخلاقي. على الأقلّ يسجل التاريخ الحديث إنجازاً حقيقياً للشعب العربي في إنهاء دور منظمة كانت تمثله وأصبحت ضدّه.