الأمن اللبناني: بين محاولات التفجير وإرادات الاستقرار
العميد د. أمين محمد حطيط
في لحظة حساسة من مسار الأزمة السورية سجلت فيها عناصر وعناوين تقطع بأنّ العدوان على سورية بات في وضع لا يقوى فيه على النهوض أو تغيير اتجاه الأحداث بعد أن باتت القوى المدافعة عن سورية وعن محور المقاومة والمنطقة في وضع الواثق من الانتصار. في هذه اللحظة يعود الحديث عن الأمن في لبنان إلى الواجهة، خاصة أنّ معظم عناصر هذا الأمن مرتبطة بما يجري في سورية، وبشكل أكثر دقة، مرتبطة بما عرضنا له سابقاً تحت عنوان «المشروع الصهيوسعودي» ضدّ المقاومة ومحورها. المشروع الذي يقوم على أركان أربعة تبدأ بشيطنة حزب الله، وتصل إلى إقدام «إسرائيل» على شنّ حرب عليه في لبنان. حرب يسبقها تفجير أمني داخلي في لبنان ويرافقها إسقاط هدنة وقف الأعمال القتالية في سورية وتجميد العمل على المسار السياسي الذي انطلق في الشهر الماضي في جنيف. والسؤال الأساس الذي يطرح هنا يدور حول الأمن في لبنان، وعما إذا كان مهدّداً فعلاً بالانفجار، وعما إذا كانت السعودية قادرة جدياً على بلوغ مأربها من هذا التفجير؟
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أكثر من حدث حصل في الآونة الأخيرة وتقف السعودية وراءه، يشير إلى أنّ النظام السعودي ماض قدُماً في الخطة الصهيوسعودية المشار إليها أعلاه، ويكفي أن نذكّر بما ارتكب في لبنان من استفزازات حصلت بالاعتداء على العَلَم اللبناني بالرسم الكاريكاتوري البعيد مطلقاً عن مفهوم الكاريكاتور والمؤكد فيه أنه مجرد استفزاز واستدراج إلى فتنة، عمل ترافق مع إغلاق مكاتب قناة «العربية» السعودية في بيروت، واستبق بالتحذير السعودي والخليجي المتكرّر من انفجار أمني واسع في لبنان خلال شهر نيسان الحالي، على حدّ ترويج جريدة «عكاظ» السعودية، دون أن ننسى سفينة الأسلحة التي كانت آتية إلى طرابلس واحتجزت في اليونان ثم فقد أثرها وذكرها، إلى غيره من الوقائع الكثيرة صغيرة وكبيرة، التي تجمع كلها على أمر واحد مفاده أنّ القرار السعودي هو تفجير الوضع الأمني اللبناني في سياق مشروع متكامل ضدّ المقاومة ومحورها، فما هي أبواب هذا التفجير المحتملة؟ وما هي احتمالات نجاح الخطة السعودية؟
من حيث أبواب الخطر يبدو وبوضوح أنّ معالمها تحدّدت بثلاثة. لكلّ منها مبرّرها وأهدافها، بدءاً بباب المخيمات الفلسطينية وأكثر تحديداً مخيم عين الحلوة، وصولاً إلى منطقة عرسال ومروراً بطرابلس.
ففي الباب الأول أيّ باب المخيمات، وطليعتها عين الحلوة، فإنّ السعودية تهدف إلى تمكين قوى تكفيرية ترتبط بها من السيطرة على المخيم ثم الانطلاق خارجه إلى صيدا والمحيط والتحكم بالطرقات من الجنوب وإليه، وانّ هذا كما تعتقد السعودية – يخدم مشروعها ضدّ المقاومة خاصة، والفئة اللبنانية التي تشكل حاضنة لها بشكل عام، ما سيؤدّي برأيها إلى انفجار واقتتال بين الطرفين التكفيري السعودي واللبناني المقاوم. انفجار تغذيه السعودية بالمال والإعلام فضلاً عن التجييش المذهبي الذي يضمن التوسّع فيه.
أما الباب الثاني فيبدو أنّ السعودية تعوّل على عرسال التي أبقتها ملاذاً آمناً للإرهابيين، ومنحتها مناعة وحصانة في مواجهة الجيش اللبناني والمقاومة، حيث يستمرّ الإرهابيون باحتلال البلدة وجرودها حاضراً، ويستعدّون لتكثيف وجودهم فيها ثم التوسّع مستقبلاً، توسّع تفرضه حاجات أمنية وعملانية نشأت نتيجة انهيار الإرهابيين في تدمر والقريتين وفرار قسم منهم ولجوئهم إلى المنطقة «المنيعة لهم» في لبنان، مناعة منحها لهم تيار المستقبل المؤتمر بالأوامر السعودية والذي يحول دون قرار سياسي يمكّن الجيش من تطهير المنطقة واستعادة الأمن الرسمي الشرعي اللبناني فيها. ومن جهة أخرى، فإنّ السعودية ترى أنّ دفع تكفيريّيها إلى التوسّع في محيط عرسال سيؤدّي إلى اصطدام مع المقاومة، ما يضرم ناراً تتوسّع رقعتها وتخدم مشروعها.
أما الباب الثالث للإخلال بالأمن اللبناني، فيبدو أنّ الخيار فيه وقع على طرابلس ولأكثر من حافز وهدف. منها عودة سعودية إلى نغمة المنطقة السنية المغلقة لاستيعاب السلفيين والتكفيريين الذين يعملون بأوامرها، ومنها الرغبة في إنشاء القاعدة اللوجستية التي يمكن الاتّكاء عليها لخدمة العدوان على سورية وأخيراً قد يكون في انفجار أمني في طرابلس مصلحة لفئة من الأشخاص الذين مارسوا السياسة وسقطوا عن جيادها لعجز أو حمق أو غرور وقصر نظر، تكون فرصة لهم لتعويم الذات والعودة إلى القطار السعودي بأمان.
هذه هي الأبواب التي قد تجد فيها السعودية مدخلاً لتفجير الوضع الأمني الداخلي في لبنان، تفجيراً يصبّ مباشرة في خدمة المشروع الصهيوسعودي ضدّ المنطقة والمقاومة ومحور المقاومة فيها ويقطع الطريق كما تظنّ السعودية على استثمار سورية لانتصاراتها وإنجازاتها العسكرية ذات الأبعاد الاستراتيجية، والتي من شأنها أن تضع معسكر العدوان على سورية، في موقع البائس المهزوم الذي خاض عدواناً لخمس سنوات وخرج محبطاً بائساً في حين رسّخت سورية ومحور المقاومة الأقدام، حيث يجب أن تكون على الخارطة الاستراتيجية للمنطقة. ومن أجل ذلك تسعى السعودية ومعها بعض أطراف معسكر العدوان إلى قطع الطريق على هذا الأمر، بدءاً بتفجير الوضع الأمني اللبناني بعد الذي قامت به ضدّ حزب الله حتى الآن من مطاردة وحصار، فهل يستطيعون؟
من المؤكد أنّ السعودية ومَن معها يملكون قدرات لا يُستهان بها لإطلاق «المشروع الصهيوسعودي» ضدّ المقاومة ومحورها وضدّ لبنان وأمنه. وقد أطلقت المرحلة الأولى ضدّ حزب الله ونفذت خطوات عدة في سياقه، لكن نجاح المشروع في مرحلته التالية، أيّ الانفجار الأمني الداخلي اللبناني، دونه عقبات وعوائق من الفعالية والقدرة ما يقود إلى ترجيح استبعاد نجاح السعودية في خطتها، وتالياً استبعاد تحقيق الانفجار الأمني على الاتجاه اللبناني، كما استبعاد نجاح معسكر العدوان الذي تنضوي فيه السعودية في مسعاه ضدّ سورية.
فعلى الاتجاه اللبناني نجد أنّ هناك حرصاً وطنياً فلسطينياً على عدم تكرار تجربة مخيم نهر البارد أو مخيم اليرموك، ولذلك نجد استنفاراً لدى تلك القيادات الحريصة على القضية الفلسطينية من أجل ضبط الأوضاع في المخيم وعدم جعل الدم الفلسطيني وقوداً لمشاريع الآخرين الذين باتوا مع العدو «الإسرائيلي» في خندق واحد ضدّ المقاومة، ثم نجد جهوزية ميدانية لدى الجيش اللبناني قادرة على احتواء ما يمكن حصوله في الداخل أو يخطط له للتمدّد إلى الخارج، فضلاً عن وجود يقظة وحرص لدى مجتمع المقاومة لعدم الانزلاق إلى ما يخطط مع الجهوزية لديهم للتعامل مع الخطر لدفعه بالقدر المناسب دونما تجاوز. هي أحزمة أمان ثلاثة كافية برأينا لإجهاض الفتنة التي تريدها السعودية في المخيمات. والذي نقوله عن المخيمات يمكن قوله عن أمكنة أخرى، خاصة لجهة وجود الجهوزية العسكرية للجيش اللبناني وللمقاومة ومجتمعها فضلاً عن ضمور البيئة الحاضنة للفكر التكفيري في لبنان أو للنهج الإرهابي الذي تعوّل عليه السعودية.
أما على الاتجاه السوري، فإننا لا نرى إمكانية معتبرة تمكن السعودية من النجاح في مشروعها بدءاً من إسقاط قرار وقف العمليات القتالية وصولاً إلى وقف المسار السياسي خاصة أنّ الجيش العربي السوري وحلفاءه وبما يملكون من قدرات يستطيعون التعامل مع خروقات القرار ذاك مع استمرار في ملاحقة الإرهاب بالأسلوب الذي اعتمد في تدمر والقريتين، كما ومعالجة مواطن الخرق المسلح في محيط حلب بالقدر الذي يقتضيه الموقف من الشدة بما يقود إلى وقف العدوان وصيانة قرار وقف العمليات القتالية.
وأخيراً، وإذا كانت السعودية تنتظر أو تعوّل على «إسرائيل» لتنفيذ الشقّ المتعلق بها من الخطة وإطلاق عدوان على لبنان ضدّ المقاومة، فإننا نقول إنّ توازن الردع الاستراتيجي الذي أرسي أركانه وضوحاً السيد حسن نصرالله، توازن رادع بالحدّ الكافي لمنع أيّ حرب، وبالتالي فإنّ أيّ مراهنة على حرب «إسرائيلية» تُخرج السعودية من خيباتها، إنما هي مراهنة خاسرة لا يعوّل عليها إلا بسطاء سطحيون.
وعلى هذا الأساس نرى أنّ «المشروع الصهيوسعودي» الذي رأت فيه السعودية حبل نجاة يُخرجها من هزائمها لن يكون إلا حبلاً يلتفّ على عنق الطموحات والآمال السعودية التي لن ترى النور ولن تجد السعودية اليوم الذي تعود فيه إلى التربّع على عرش العرب، ورغم أننا نميل وبقوة إلى استبعاد انهيار الأمن في لبنان بشكل علمي وموضوعي، فلن تجديها محاولاتها الانتقامية من لبنان. أما إذا نجحت في التفجير ونكرر استبعادنا له فإنّ ناره ستلتهم مصالحها وموقعها في لبنان أولاً ولن يجديها الانتقام نفعاً.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية