لماذا الصمت على فلسطين؟

عباس الجمعة

تراجعت قضية فلسطين إلى آخر اهتمام الحكام العرب، وبعضهم أصلاً لم تكن تعني له شيئاً سوى في المزايدة في البازار السياسي لتسجيل موقف رفع العتب، باستثناء الجزائر وسورية والشعوب العربية وأحزابها التقدمية التي كانت فلسطين بالنسبة لها بوصلة العمل والنضال.

وبرغم ما تمرّ به المنطقة، أسأل: أين هو الموقف العربي من رفع علم الكيان الصهيوني في قطر واستقبال فريق رياضي صهيوني؟ هل هذا لمصلحة فلسطين، وأين الموقف العربي من التطبيع الذي يجري على مرأى ومسمع الجميع.

إنّ ما يدفعني إلى الكتابة بهذه الطرق والوسائل هو ما نراه من واقع عربي وفلسطيني مؤلم، خاصة أنّ بعض من في السلطة ما زال يراهن على التنسيق الأمني مقابل عدم تسليم منطقة «أ» في الضفة الفلسطينية، علماً أنّ اتفاق «أوسلو» مات قبل أن يجفّ حبره وبقيت السلطة متمسكة به. ألم يدرك البعض أنّ الكيان الصهيوني ما زال يرفض أيّ شيء يتحدّث عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهو مستمرّ في سياسة الاستيطان وتهويد الأرض والمقدسات الإسلامية والمسيحية؟

نحن اليوم نترحّم على الشهداء القادة العظام في مقدّمتهم الرئيس الرمز ياسر عرفات وأبو العباس وجورج حبش وأبو جهاد وأبو علي مصطفى وكلّ الشهداء العمالقة الذين شكلوا صمام أمان لفلسطين وقضيتها، فاستحضار سيرتهم التي تعبر عن حبّ وتقدير الشعب الفلسطيني، يعبّر عن حنين لمرحلة ونهج في العمل الوطني نفتقدهما اليوم. حنين لزمن كان يحكم فيه قادة كبار لم يسمحوا للخلافات الأيديولوجية ولا لأصحاب الأجندة الخارجية ولا للمال السياسي، أن يكونوا سبباً في الانقسام وتدمير المشروع الوطني، زمن كان فيه القادة العمالقة يختلفون ويتنافسون ولكن على قاعدة المصلحة الوطنية، ولم تكن خلافاتهم تصل إلى درجة تكفير أو تخوين بعضهم البعض.

ومن هنا أسأل: لماذا الصمت، في ظلّ انتفاضة فلسطينية تقدم شهداءها وشهيداتها من أجل فلسطين فترسم خارطة الوطن بدمائهم، هؤلاء الذين يقاومون بأجسادهم وسواعدهم وإرادتهم الصلبة وبعض ما يملكون من وسائل بدائية مثل الحجر والمقلاع والسكين، يؤكدون للقريب والبعيد أنّ الإرهاب الصهيوني لن يخيفهم ولن يحملهم على الاستسلام، ولن يخضعوا لإرادة المحتل مهما طغى وتجبّر، وأنهم على استعداد لتقديم قوافل الشهداء. فلماذا نحاول إجهاض انتفاضتهم؟

نعم الشباب الفلسطيني يقاوم ويلتفّ حوله الشعب الفلسطيني، بعد أن تعب الجميع أو ملّ من مسيرة النضال كونها تحولت إلى عبء عليه، لكنّ هؤلاء الشباب أرادوا أن يعيدوا قضيتهم إلى واجهة الحدث حتى لا تبقى شعاراً ليس أكثر، وغطاء لأنظمة الذين يريدون استعمالها في صراعهم مع الآخر، ونحن نسأل كلّ هؤلاء ما إذا كانت فلسطين هي قضيتهم فعلاً، وما إذا كانت تستحق أن تكون فوق خلافاتهم ومصالحهم وارتباطاتهم الإقليمية، وما إذا كانت أكبر من إيديولوجياتهم وانتماءاتهم الفكرية، وإذا كانت تستحق التنازل عما هو ضئيل أو صغير من أجل قضية أكبر منهم ومن فصائلهم، وسقط من أجلها مئات آلاف الشهداء خلال مسيرة الصراع وما زالوا يسقطون.

ربما سيكون من الصعب جداً، ان نكتب عن شباب الانتفاضة، وأن نعطيهم حقهم، وإظهار انتفاضتهم بكلّ أبعادها، فهؤلاء هم شعلة النضال والكفاح من أجل القضية الوطنية، ومن أجل استعادة الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقّ العودة، لأنهم يدركون أنّ الشعب الفلسطيني في أماكن اللجوء والشتات عانى ولا يزال مرارة التشرد، وفقدان البيت والممتلكات، وذلّ العيش في المنافي والمخيمات، وهم اليوم أيضاً يدافعون عن الأرض والقضية والهوية من خلال دعوتهم كلّ الفصائل إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وفي صفوف الشعب ومجمل قواه وفعالياته السياسية والاجتماعية، لأنهم يعتبرون أنّ سلاح الوحدة، هو أحد أهم الأسلحة لمعركة المواجهة وتحقيق الأهداف.

ومن هنا نقول للجميع كفى انقساماً، فالعمل بحاجة إلى الربط الدائم بين الوحدة وضروراتها الوطنية والسياسية، وبين الأسس والقواعد التي يجب أن تبني عليها، فالوحدة يجب أن ترتكز إلى القواسم السياسية والوطنية المشتركــة.

وفي هذه اللحظات المصيرية نقول إنّ الشعب الفلسطيني يعاني اليوم من أوضاع صعبة على المستويات كافة، ونحن نسأل من يقولون إنهم نخب وقادة، ألا تتطلب هذه المرحلة ممارسة النقد الذاتي والمراجعة الاستراتيجية، في ظلّ وجود بعض القيادات المأزومة والفاشلة في الفصائل؟ ألم تخجل هذه القيادات من نفسها وهي التي هبطت بـ»البراشوت»؟ هؤلاء لا يمتون إلى الشعب بصلة، فهذه الانتفاضة وشبابها وشاباتها هم من يقرّرون مصير النضال، من يناضل ويضحي ويدفع الثمن ويستمر في المقاومة وصون الأهداف وحقوق الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني هو من يجب أن يتحمّل المسؤولية.

وأمام ما تتعرض له فلسطين يأتي أيضاً قرار قرار شركة «نايلسات» وقف بثّ قناة «المنار» الفضائية على أقمارها الصناعية، والسؤال: هل الهدف من إسكات قناة «المنار» إسكات صوت فلسطين باعتبارها تشكل قناة المقاومة في مواجهة المشروع الصهيو ـ أميركي الذي يستهدف فلسطين والمنطقة؟ نحن نعلم أنّ هذه الحرب بدأت تأخذ أنماطاً وصوراً مختلفة بطريقة عملها ومفاعيلها ونتائجها، واليوم تحاول بعض الأنظمة والدول المرتبطة بالمشروع الاستعماري تغييب دور الإعلام العربي المقاوم بشكل شبه كامل، لطمس حقائق ما يجري في فلسطين والمنطقة، ولكن في الوقت نفسه نحن على ثقة بأنّ قناة «المنار» ستبقى منارة مضيئة رغم المحاولات لاخماد صورتها وصوتها.

ختاماً، لا بدّ من القول إنّ الجميع على محكّ الوطنية الحقيقية والإخلاص للقضية وصدق شعارات الدفاع عنها، وتأكيد شرف الانتماء إليها، وذلك بالمباشرة فوراً في استرجاع الوحدة الوطنية وتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني وتطوير الانتفاضة من خلال وضع برنامج نضالي بعيد المدى يضع إمكانات الشعب الفلسطيني وقدراته كلها في خدمة مواجهة عدو أعلن الحرب المفتوحة عليه، والتخلي عن كلّ الاتفاقات التي تصبّ في خدمة العدو، لأنّ فلسطين تستحقّ التضحية وهي في مواجهة خطر وجودي.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى